منذ وصول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى سُدة الحكم في البيت الأبيض، وقراراته تثير الكثيرمن علامات الاستفهام والإستهجان في الداخل الأمريكي، آخرها طلبه استدعاء  قوات الحرس الوطني لمواجهة المظاهرات، التي اندلعت احتجاجا علي مقتل مواطن من أصول إفريقية على يد الشرطة، وهو ما يرفضه ساسة ومسؤولن بارزون بالجيش الأمريكي، في وقت كشفت فيه تقارير إعلامية عن اكتشاف إصابة مؤكدة بـ”كوورنا” لأحد عناصر الحرس الوطني في ولاية مينيسوتا بؤرة الاحتجاجات، فيما بدت أعراض الفيروس على 9 آخرين من زملائه.

خرج “ترامب”، الجمعة، وجدد دعوته باقتراحه على بعض حكام الولايات استدعاء الحرس الوطني لمواجهة مظاهرات تخللتها أحداث شغب، في أنحاء البلاد احتجاجا على وفاة جورج فلويد عقب اعتقاله.

وقال “ترامب” في تصريحات بالبيت الأبيض “أقترح على بعض هؤلاء الحكام الذين يبالغون في الفخر لا تغتروا.. انجزوا المهمة.. سيكون عملكم أفضل كثيرا في النهاية باستدعاء الحرس الوطني”.وأضاف قائلا “عليكم أن تسيطروا على الشوارع. ما كان ينبغي لكم أن تدعوا هذا يحدث”.

تصريحات متشددة

منذ بداية الاحتجاجات وتصريحات “ترامب” بشأن التعامل مع الأزمة يراها أمريكيون على أنها متشددة وتسببت في تصاعد الأحداث، وتكمن خطورتها في أنها تأتي عبر حسابه الخاص علي موقع التدوينات القصيرة ” تويتر” وليس من قبل المتحدث باسم البيت الأبيض، حيث دعا  قبل أيام من خلاله إلى الصرامة في التعامل مع أحداث الشغب التي شابت بعض التجمعات”.

اقرأ أيضًا:

بالفيديو.. وحشية الشرطة الأمريكية خلال احتجاجات “فلويد”

 

ووجه الرئيس الأمريكي عددًا من التغريدات إلى “الأناركيين”، أي الفوضويين، معتبرا أن الكثير من المتظاهرين يحاولون فقط القيام بأعمال شغب وتهديد الأمن العام.

واتهم أيضا “قادة الاحتجاجات بارتكابهم الإرهاب”، قائلا: “الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد يقودها إرهابيون محليون وهذه جريمة ضد الإنسانية.. سأحارب “من أجل إبقاء البلاد آمنة”.

وتواصلت الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد، الرجل الأميركي من أصل أفريقي، في مدن أميركية عدة، بما فيها العاصمة واشنطن ، على الرغم من فرض السلطات حظرًا للتجول في ساعات الليل.

رفض وزير الدفاع

رفض مطالب “ترامب” جاءت على لسان أبرز معاونيه في إدراته ممثلة في تصريح وزير الدفاع مارك إسبر، الأربعاء الماضي، ليخالف وجهة نظر الرئيس، ويؤكد عدم تأييده لاستخدام الجيش لقمع الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها البلاد”.

ورأى “إسبر” أن اللجوء إلى خيار تدخل قوات الجيش في إنفاذ القانون هو الحل الأخير، ما يخالف وجهة نظر ترامب الذي دعا إلى التدخل العسكري لفض الاحتجاجات التي تشهدها أمريكا.

وقال وزير الدفاع الأمريكي: “خيار استخدام قوات الجيش في عملية إنفاذ القانون يجب أن يكون الأخير وذلك فقط عندما يكون الوضع طارئا وأليما”، مضيفا : “نحن لا نعيش مثل هذه الظروف في الوقت الراهن، لذلك لا أؤيد تنفيذ قانون التمرد”، حسبما ذكر في إيجاز صحفي عقده في مقر البنتاجون”.

 

ما هي قوات الحرس الوطني

الحرس الوطني الأمريكي قوة عسكرية أمريكية احتياطية تتكون من فصيلين أحدهما تابع للقوات البرية للولايات المتحدة والآخر للقوات الجوية.

وتمثل هذه القوات حوالي نصف عدد القوات القتالية في الولايات المتحدة، وتستحوذ على ثلث التنظيم اللوجيستي للجيش الأمريكي.

ويعتبر الحرس الوطني الأمريكي أهم قوة عسكرية احتياطية في البلاد، ومن أهم مهامها مكافحة التمرد المسلح بين السكان الأمريكيين.

اقرأ أيضًا:

جورج فلويد.. سكين “بايدن” الحادة للإجهاز على “ترامب”

ويمارس معظم مجندي الحرس الوطني وظائف مدنية أغلب الوقت، مع خدمتهم للحرس في جزء منه، كما ينص الدستور الأمريكي.

وتم تشكيل الميليشيات المحلية من أوائل الاستعمار الإنجليزي للأمريكتين في 1607.

في حين تم تشكيل أول ميليشيا على مستوى المستعمرات من قبل ماساشوستس في 1636 من خلال دمج وحدات محلية صغيرة قديمة، ويمكن إرجاع العديد من وحدات الحرس الوطني إلى هذه الميليشيا.

وأصبحت الميليشيات الاستعمارية المختلفة، ميليشيات تابعة للدولة عندما أصبحت الولايات المتحدة مستقلة، وتم استخدام لقب “الحرس الوطني” في عام 1824 من قبل بعض وحدات ميليشيا ولاية نيويورك، التي سميت على اسم الحرس الوطني الفرنسي تكريمًا لماركي دي لافاييت.

وأصبح “الحرس الوطني” لقبًا قياسيًا للمليشيات على مستوى البلاد في عام 1903، وأشار بالتحديد إلى قوات الاحتياط تحت سيطرة الدولة والسيطرة الفيدرالية منذ عام 1933.

تنديد عالمي

8 دقائق و46 ثانية، هي مدة الاستغاثة التي أبداها جورج فلويد، قبل وفاته على يد عناصر من الشرطة، كانت كفيلة باندلاع الاحتجاجات، والتي تسببت في أعمال عنف وشغب بعدد من الولايات، لتمتد إلى خارج حدود البلاد، بخروج آلالاف المتظاهرين في  كل من كندا، وأستراليا، ودول أوروبية مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، احتجاجا على ما اعتبر تنديدا بـ “العنصرية العالمية” على الرغم من القيود التي فرضها “كورونا” على تلك البلاد.

اقرأ أيضًا:

احتجاجات “فلويد” في العالم.. “سمعة أمريكا المضيئة” تنطفيء

المخاوف فيما طرحه “ترامب” باستدعاء قوات الحرس الوطني، تأتي تزامنًا مع إعلان وسائل إعلام أمريكية بأن أحد عناصر هذا الحرس، في ولاية مينيسوتا، التي تشهد موجة من الاحتجاجات، أُصيب بفيروس كورنا، فيما بدت أعراض المرض على 9 آخرين من زملائه.

وذكرت شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية، الأربعاء الماضي، أن المصاب يخضع الآن للحجر الصحي، وهو ما حذر  منه خبراء، منذ اندلاع الاحتجاجات، من أن التجمعات والحشود الكبيرة التي تشهدها عدد من المدن الأمريكية، قد تؤدي إلى تفشي الوباء بشكل حاد.

واندلعت الاحتجاجات في البداية بمدينة مينيابوليس، ثم توسعت دائرة الاحتجاجات والتظاهرات لتشمل عددا آخر من المدن الأمريكية.

قانون التمرد لعام 1807

يُمنع الجيش الأمريكي عمومًا من الانتشار داخل الولايات المتحدة أو أداء وظائف إنفاذ القانون المحلية سوى بشروط صارمة للغاية، وذلك اعتمادًا على قانون بوسيت كوميتاتوس الصادر عن الكونجرس عام 1878.

في الوقت نفسه يمنح قانون التمرد لعام 1807 – حيث تم تعديله عدة مرات- استثناءات واسعة تسمح للرئيس بإرسال قوات بغية الرد على “أي تمرد أو عنف أو تصرفات غير قانونية أو مؤامرة تعارض أو تعرقل تنفيذ قوانين الولايات المتحدة أو تعرقل سير العدالة”.

ويشير قانون التمرد إلى إمكانية أن يقوم الرئيس الأمريكي بناء على طلب من الجهاز التشريعي لولاية أو حاكمها باستخدام الجيش الفيدرالي لقمع أي تمرد.

فقانون بوسيت كوميتاتوس يقيد قدرة الرئيس على استخدام الجيش الفيدرالي في عمليات إنفاذ القانون المحلية مثل عمليات التفتيش والحجز والاعتقالات، ويجرم قيام الجيش بتنفيذ القوانين “إلا في الحالات والظروف التي يجيزها الدستور أو الكونجرس صراحة”، ومن هذا المنطلق، يمكن أن يتحرك “ترامب” استنادًا إلى القواعد التي تجيز له التدخل في مينيسوتا الواردة في القانونين.

ويجوز للرئيس أن يتذرع بقانون التمرد دون استشارة الكونجرس ولكن يجب أن يفعل ذلك من خلال إعلان رسمي يمنح الأفراد في المنطقة أو المناطق المتضررة الوقت للعودة إلى منازلهم.

 

استخدام القانون في السابق

وترصد التقارير استخدام قانون التمرد بشكل غير متكرر على مدى أكثر من قرنين منذ سن تشريعاته، وقد حدث ذلك في عام 1992 عندما لجأ حاكم كاليفورنيا حينها إلى تطبيق قانون التمرد، لفض أعمال شغب حدثت في لوس أنجلوس بعد تبرئة شرطيين كانا ضالعين في قتل رودني كينج الذي قضى بسبب الضرب الوحشي فحينها طلب من الرئيس الراحل جورج بوش الأب التدخل لأن قوات الحرس الوطني في كاليفورنيا لم تكن قادرة على قمع الاضطراب الداخلي، ورد بوش بإصدار أمر تنفيذي أذن لوزير الدفاع بتحويل الحرس الوطني في كاليفورنيا إلى قوات فيدرالية، وتم نقل جنود في الخدمة من قواعد في كاليفورنيا إلى هناك للتعامل مع الأحداث.

اقرأ أيضًا:

“ترامب” ورفع الإنجيل.. تديين السياسة في مواجهة مخاوف السقوط

كما وسع الكونجرس بشكل ملحوظ نطاق الظروف التي يمكن بموجبها العودة إلى القانون في أعقاب إعصار كاترينا في عام 2005، وقد تم ذلك على الرغم من اعتراضات كل حاكم في البلاد في ذلك الوقت، الذين رأوا بشكل جماعي التعديلات على القانون باعتبارها تجاوزًا من قبل الحكومة الفيدرالية.

لكن شروط إنفاذ القانون محددة بطرق مشروطة جدًا منها اللجوء إلى استخدام القوة كملاذ أخير وعدم استخدام القوة الفارطة إلا عند تعذر اللجوء إلى وسائل أقل قسوة، كما تجيز هذه القواعد استخدام القوة لحماية المرافق النووية والمرافق العامة المهمة، ومن هذا المنطلق يمكن لترامب أيضًا نشر القوات العسكرية الأمريكية للقيام بمهام غير متعلقة بإنفاذ القانون مثل حراسة البنية التحتية الحيوية أو تقديم الدعم الطبي أو اللوجستي.

تلاسن عبر “تويتر”

وتنص فقرات القانون على أن الرئيس يستخدم هذه السلطة إذا كان العنف “يعيق تنفيذ قوانين الولايات، وهو ما يستند إليه معارضو ترامب وعلى رأسهم جو بايدن، المرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي المنافس لترامب، ووزير الدفاع الأمريكي الأسبق جيمس ماتيس، والذي دخل في سجال وتلاسن مع ترامب، عبر منصة “تويتر”.

واتهم تويتر الرئيس الأمريكي بتقديم “مزاعم زائفة”، وذلك في إحدى المقالات الخاصة بالموقع حول تغطية الأخبار.

وتشير هذه الخطوة – التي تتهم الرئيس فعلياً بالكذب – إلى تغريدة دونالد ترامب عن وزير دفاعه الأول.

وغرّد ترامب قائلاً إنه أعطى جيمس ماتيس لقب “الكلب المسعور”، وإنه قام بطرده في وقت لاحق.

لكنّ تويتر أوضح أن “ماتيس” استقال من المنصب، مشيرا إلى أن اللقب المذكور أطلق عليه قبل رئاسة ترامب.

اقرأ أيضًا:

عنف اليمين الأمريكي يهدد بتحول الاحتجاجات إلى “حرب عرقية”

ويأتي ذلك في أعقاب مواجهة حادة وقعت الأسبوع الماضي، حين حذر تويتر بشأن مصداقية اثنتين من تغريدات ترامب، علاوة على وصف تغريدة أخرى بأنها “تمجّد العنف”.

ونجمت المواجهة الأخيرة عن بيان شديد اللهجة أصدره “ماتيس”، لينتقد تعامل “ترامب” مع الاحتجاجات التي أعقبت مقتل جورج فلويد.

ووصف ماتيس دونالد ترامب بأنه “أول رئيس عاصرته لا يحاول توحيد الشعب الأمريكي – ولا يتظاهر بالمحاولة. بل يحاول تقسيمنا”.

وردّ ترامب بسرعة في تغريدة، قائلاً إنّ الشيء الوحيد المشترك بينه وبين سلفه باراك أوباما هو “كان لكلانا شرف طرد جيم ماتيس، الجنرال الأكثر مبالغة في العالم.. لقد طلبت منه تقديم كتاب استقالته وشعرت بالرضا عن ذلك”، مضيفا : “كان لقبه فوضوي ولكن لم يعجبني ذلك، فغيرت لقبه إلى الكلب المسعور”.

وأشار المقال إلى أنّ “ماتيس استقال من منصبه… بعد أن قررت الإدارة سحب القوات الأمريكية من سوريا”، ونسب ذلك إلى تقرير لوكالة أسوشيتد برس للأنباء.

ثمّ يشير المقال إلى صحفيين في سي إن إن وناشونال ريفيو وواشنطن بوست وديسباتش على أنهم سبق وكتبوا أنّ لقب “الكلب المسعور” قد استخدم قبل رئاسة ترامب، مع مراجع منشورات تعود إلى عام 2004.

بحسب “تويتر” فإنه يشرف على هذا الملخص الإخباري فريق داخلي لديه، يقدمون موجزا لآخر التطورات قبل عرض بعض التغريدات ذات الصلة.

 

ليست المرة الأولى

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استخدام ملخص إخباري كهذا لانتقاد دونالد ترامب، ولكت المثير للاهتمام هنا، هو أنّ “تويتر” اختار رفع درجة صدامه مع الرئيس حول ما كان يمكن اعتباره قضية قليلة الأهمية نسبياً، بحسب موقع “بى بى سي”.

في مارس 2019، قال “تويتر” إنّ الرئيس أخطأ في تحديد أحد مؤسسي مؤسسة “جرينبيس”، وفي أبريل 2020 قال إنه ادعى كذباً أنه يمكن أن يجبر الولايات على رفع الحظر خلال جائحة كوفيد- 19.

وأعلن “ماتيس” في 20 ديسمبر 2018، استقالته اعتبارًا من 28 فبراير 2019، تبعه إعلان  “ترامب” الغاضب آنذاك بأنّ وزير دفاعه سيترك منصبه في 1 يناير، وذكر أنّه قام بطرده، لذا يمكنك على الأقل أن تجادل بأنه في كثير من الحالات، يصعب التفريق بين الاستقالة والطرد.