قبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، التي ستنطلق 3 نوفمبر القادم، تشهد الولايات المتحدة الأمريكية، موجة احتجاجات عنيفة،  اندلعت على خلفية وفاة جورج فلويد، المواطن الأمريكي من أصول إفريقية، على يد الشرطة، منذ يوم 25 مايو الماضي، ورافقتها أعمال شغب ونهب وإشعال حرائق طالت 140 مدينة بالبلاد.

السؤال الذي يطرح نفسه حاليًا هو: هل تُسقط الاحتجاجات الأمريكية التي وصلت إلى أوروبا، الرئيس دونالد ترامب عن عرش البيت الأبيض، وتُطيح به من سدة الرئاسة، أم أنها – على العكس- ستقوي شوكته، وتمده بمزيد من الدعم السياسي وحتى “الدعم المسلح” الذي باتت قوى اليمين المتطرف تجاهر به علنًا، خاصة أنه سيكون ثمة فرصة ذهبية للتحرك ستتاح لهذه القوى، بعد السيطرة على الأمور وعودة الهدوء إلى البلاد؟.

 

 

إسقاط ترامب

 

بعد وفاة “فلويد” بأيام، وإثر عدد من التغريدات التي أغضبت الأمريكيين، تراجع “ترامب” بعشر نقاط كاملة خلف منافسه جو بايدن، وذلك وفق استطلاع للرأي أجرته صحيفة “واشنطن بوست” وشبكة ABC الأمريكية مؤخرًا، وقالت “واشنطن بوست” إن بايدن متقدم على ترامب بواقع 53% مقابل 43% بين المصوتين المسجلين وطنيًا، وأنه في تقدم مستمر، حيث أظهرت الاستطلاعات قبل شهرين تقدم بايدن بنقطتين فقط بـ 49% في حين كان ترامب عند عتبة 47%.

 

 

وعلى ذلك، يرى بعض المحللين السياسيين أن الاحتجاجات الأخيرة من شأنها أن تقلل من فرص “ترامب” بالفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في المقابل يرى آخرون أن الاحتجاجات قد تؤدي لنتائج عكسية، من خلال تقوية دعم المتعصبين من الأغلبية البيضاء في أمريكا للرئيس، خاصة مع وقوع أعمال تخريب ونهب.

ويبدو أن الاحتجاجات الأخيرة، ومطالب “إنصاف” مجتمعات الأمريكيين من أصل إفريقي، باتت وقودًا للسباق الرئيسي والتنافس بين “الديمقراطيين والجمهوريين”، حيث أشار موقع “بوليتكو” الأمريكي، في تقرير له نُشر قبل أيام، إلى أن خطاب وتعامل “الديمقراطيين” بشكل عام مع الأزمة سيكون له تأثير في مجرى الانتخابات المقبلة، ما دعا بعض رموزهم للظهور على الساحة من جديد مؤخرًا، كي يكونوا مصدر ثقل سياسي يضاف إلى رصيد مرشحهم بايدن.

اقرأ أيضًا: الديمقراطيون قادمون.. ماذا لو حكم بايدن الولايات المتحدة؟ (3- 4)

 

وعاد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى الواجهة قبل أيام، بتفاعله الإيجابي مع حركة الاحتجاجات، ملمحًا إلى ضرورة تحويل هذه الاحتجاجات إلى “ورقة سياسية رابحة” عبر الانتخابات ضد ترامب، وكتب “أوباما”: “علينا أن نناضل من أجل رئيس وبرلمان ووزارة عدل ونظام قضائي فيدرالي يعترف بالتأثير السلبي للعنصرية على مجتمعنا وعلى هذه المؤسسات أن تقوم بأشياء ملموسة لمواجهة هذه العنصرية”.

 

 

وحث أوباما، المحتجين الشباب على الانخراط في العمل السياسي بدلًا من الاكتفاء بالاحتجاج فقط، حيث كتب: “إذا أردنا أن نحقق تغييرًا ملموسًا لا يجب الاختيار بين الاحتجاج والسياسة بل يجب ممارسة الاثنين معا”، وهو ما اعتبره المراقبون دعوة صريحة من الرئيس السابق إلى إسقاط “ترامب” من عرش البيت الأبيض، إلى غير رجعة.

 

 

 

ولا يترك “الديموقراطيون” فرصة إلا أكدوا أن الأحداث الدامية الأخيرة لطّخت صورة ترامب في أعين الناخبين، وأثبتت “عدم أهليته” لقيادة البلاد في فترة رئاسية ثانية، من ناحية لفشله في مكافحة انتشار وباء كورونا المستجد، وفي احتواء أحداث العنف الناجمة عن قتل شرطي أبيض لمواطن أسود، وما تلاها من تظاهرات عبرت عن حاجة حقيقية إلى العدالة في المجتمع الأمريكي المعاصر.

“الاستثمار” في الاحتجاجات

وسعى “ترامب” خلال ذروة التظاهرات إلى إسباغ مظهر “القوة” على نفسه، سواء في تصريحاته الإعلامية، أو في رفضه ارتداء قناع “كمامة” واقية من فيروس كورونا، أو في تغريداته النارية التي جلبت عليه غضب الملايين داخل وخارج الولايات المتحدة، وذلك مقابل صورة الضعف التي يحاول أن يسبغها على منافسه جو بايدن، صاحب الظهور الإعلامي الباهت.

وتلك هي الرسالة الانتخابية التي يعمل ترامب على تقديمها للأمريكيين، ويأمل بناء عليها أن يختاروا “الرئيس القوي” على حساب منافسه الضعيف، لهذا السبب، تناسب ترامب صور الحرائق وتكسير واجهات المحلات والسرقة التي تبثها وسائل الإعلام الأمريكية، إذ هو يريد إقناع الاميركيين بأن انتخاب “بايدن” بدلًا منه يعني الفوضى، وهو ما دعا بعض المعلقين إلى القول بأن ترامب “يستثمر” في الانقسام الداخلي المتفاقم سعيًا إلى الفوز بولاية رئاسية ثانية!.

عمرو عبد العاطي: المرشح “الديمقراطي” بايدن يستخدم الاحتجاجات للوصول إلى القواعد الانتخابية للأقليات الأمريكية، المتمثلة في الأمريكيين من أصل إفريقي واللاتينيين تحديدًا

من جهة أخرى، يسعى الرئيس لصرف الأنظار عن تداعيات فيروس “كورونا” وتردي الوضع الاقتصادي، وتراجعه المستمر في استطلاعات الرأي، وذلك من خلال التشكيك في المسار الانتخابي الأمريكي المقترح لإجراء عمليات التصويت إلكترونيا في الانتخابات المقبلة، بدعوى أنه سيفتح الباب أمام الفساد والتلاعب، كما راح ترامب يذكي الفتنة العنصرية عبر تشجيع الشرطة على مواجهة المواطنين، ويخوض معارك مجانية مع الإعلام التقليدي ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضًا:

عصا الشرطة الغليظة في العالم.. عنف بلا حساب

ويرى عمرو عبد العاطي، الباحث في “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” بالقاهرة، أن كلا المرشحين يستخدم الاحتجاجات للحفاظ على القاعدة الجماهيرية لحزبه، موضحًا أن المرشح “الديمقراطي” بايدن يستخدمها للوصول إلى القواعد الانتخابية للأقليات الأمريكية، المتمثلة في الأمريكيين من أصل إفريقي واللاتينيين تحديدًا.

ويتابع “عبد العاطي” أن “الأقلية من أصل إفريقي” كان لها دور في فوز أوباما عام 2008، لكن في انتخابات 2016 تراجع دورهم وفق الإحصائيات، لذلك يراهن “بايدن” عليهم كي يكونوا قوته الدافعة للوصول إلى البيت الأبيض عبر صناديق الاقتراع، خاصة أنهم كانوا وراء فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب “الديمقراطي”.

ناجى مطش: المواطنون من أصل إفريقي ومناصريهم من قوى اليسار الأمريكي قد يقبلون بأعداد كبيرة على صناديق الاقتراع، لكي يسقطوا ترامب

 

من جانبه، توقع ناجى مطش، القيادي من أصل عربي في “الحزب الديمقراطي” الأمريكي، أن تؤثر الاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة على الانتخابات الرئاسة المقبلة، قائلًا: “إن الأحداث الأخيرة من الممكن أن تؤثر على نتيجة الانتخابات القادمة للرئيس ترامب، سلبًا أو إيجابًا، بمعنى أن غالبية مؤيديه من فئات البيض المتعصبين، وقد يدفعهم هذا لمساندته بكل قوة، بل من الممكن أن تتطور الأمور مع بعض تلك الجماعات لأكثر من ذلك، أما التأثير السلبي فهو التزامن مع جائحة كورونا وضعف الاقتصاد والارتفاع القياسي للبطالة بعد أن حقق انخفاضا تاريخيًا”.

ويضيف “مطش” أن المواطنين من أصل إفريقي ومناصريهم من قوى اليسار الأمريكي قد يقبلون بأعداد كبيرة على صناديق الاقتراع، لكي يسقطوا ترامب، كما يمكن أن يقبل البيض بأعداد أكبر إذا شعروا أن أمنهم وأمانهم مهددان، في هذه الحال يمكن أن يستفيد ترامب، الذي يجيد الضرب على الوتر الحساس لدى الأمريكي الأبيض.

ويرجح الباحث السياسي مصطفى كمال، أن تكون الأحداث الأخيرة التي تشهدها الساحة الأمريكية، عاملًا مهمًا لنجاح ترامب واستمراره في الحكم، وأن تؤدي تطورات هذه الأحداث إلى توحيد جهود اليمينيين المتطرفين من الأغلبية البيضاء المتحكمة في مقاليد الأمور بالولايات المتحدة، وتحالفها مع كبار الرأسماليين، نتيجة إضفاء الطابع اليساري على حركة الاحتجاجات، وذلك لضمان فوز ترامب.