اختلافات كثيرة في الرأي، تبادلها خبراء الاقتصاد مؤخرًا بسبب “العملات الرقمية”، فمنهم من يراها قوة حقيقية وكاملة، جاءت من عالم المستقبل، لترسي قواعد اقتصادية جديدة، ومنهم من يرى أنها مجرد وسيلة للدفع، ولا يمكن السماح لها بالتطور أكثر من ذلك، لعدة أسباب نشرحها في السطور التالية.

لكن في كلا الحالتين، لا يمكن لأحد أن ينكر الثورة التي تعيشها النقود الرقمية خلال هذه الأيام، خاصة بعد تحذيرات منظمة الصحة العالمية من خطورة التعامل بالعملات الورقية بسبب فيروس كورونا اللمستجد، ونقلها للعدوى.

ما هي العملات الرقمية؟

العملات الرقمية، هي عملات افتراضية مصممة للعمل كوسيلة للتبادل، تحتوي على قدر عال من التأمين والتشفير، فلها تسجيلات معينة في قاعدة بيانات لا يمكن لأحد أن يغيرها إلا إذا تم الوفاء بشروط محددة، أحد أشهر تلك العملات التي ظهرت مؤخراً هي عملة “البيتكوين” والتي تعتمد كلياً على العرض والطلب، بمعنى أنه كلما كانت الأشياء المعروضة وافرةً كلما قلَت قيمتها، فضلاً عن أنها لا تتطلب مثل العملات الرقمية أي تلامس بين العملاء والنقود، فتقلل من احتمالية الإصابة بفيروس كورونا.

 

 

نسبة أمان عالية

“آمنة للإدخار” الجملة الأولى التي قالها “بسام عبد الله” أردني الجنسية، يستخدم “البيتكوين” منذ عام 2018، موضحًا أنها آمنة جدًا في حال اختار الشخص الادخار من خلالها، سواء بشراء العقارات أو اختار شراء الأسهم في بعض الشركات، ويتم كل ذلك دون الخوف من الإفصاح عن معلومات الشخص أو بياناته أو أمواله، مشيرًا إلى أنها تتمتع بموثوقية فائقة، تحمي الأفراد من التعرض للسرقة أو القرصنة على حساباتهم، فكل المعاملات عبر بيتكوين مسجلةٌ وواضحةٌ هذا بالإضافة إلى أنها سهلة الاستخدام إلى درجة كبيرة، فلا توجد هناك حاجة إلى الذهاب إلى أجهزة الصراف الآلي أو لفروع البنوك المختلفة لإنهاء الإجراءات والمعاملات التجارية المختلفة.

وأوضح أنه في السابق كانت هناك أزمة تتعلق بصعوبة الوصول للتجار أو الشركات التي تقبل بالتعامل من خلال “البيتكوين”، إلا أنه حالياً فهناك الكثير من التجار يقبلونها كشكل من أشكال الدفع، بعضهم من تجار الجملة، وآخرون من تجار التجزئة، كما أنه يمكن استخدامها لدفع ثمن شراء سيارة أو عقار، أو ثمن الإقامة في الفنادق المختلفة وكذلك المصروفات الدراسية في جامعات العالم.

لامركزية

يقول محمد عبد الناصر الخبير الاقتصادي، إن من أهم مميزات “البيتكوين” تمتعها باللامركزية، فهي بعيدة تمامًا عن تقلبات أسعار العملات الدولية، ولا تتأثر بارتفاع الدولار أو هبوطه، ولا يعنيها التغير في أسعار اليورو وغيره من العملات، كما أنها لا تتأثر بالأدوار التي تلعبها الهيئات الحاكمة والدول الكبرى، فمن يستخدمها لا يقلق بشأن أسعار الصرف، ولا يخشى الخسائر الفجائية والهبوط والصعود في أسعار العملات.

 

وبالرغم من ذلك يوضح “عبد الناصر” أن هناك سلبيات بسيطة تلحق بـ”البيتكوين” تتمثل في الافتقار إلى القيمة السوقية والسيولة، فيكون من الصعب التنبؤ بالقيمة طويلة الأجل للعملة، وهذا يعتبر عقبةً أمام التجار الذين يرغبون في الاستثمار السنوي أو طويل الأمد من خلالها.

الدول الكبرى

على صعيد متصل يوضح “عبد الناصر” أن أكثر ما يزيد من خوف مستخدمي البيتكوين هو الخوف من الكبار أو تحديداً من الدول العظمي التي من المستحيل أن تترك سوق البيتكوين دون اقتحامه بل ومحاولة بسط السيطرة عليه، فعلى الرغم من اعتراف الولايات المتحدة مؤخرًا بالعملة وذكرها أنها ستخضع للقوانين الحالية فيما يتعلق بتداول العملة، إلا أن جميع علماء الاقتصاد يتوقعون أنه مع استمرار ارتفاع قيمة العملة ستضطر الحكومات إلى فرض قوانين جديدة على بيتكوين تجعلها أقل جاذبيةً للمواطنيين حتى لا تتأثر خططهم ومشاريعهم، خاصة وأنها تتسم بالمحدودية من حيث قابلية التوسع، مما يتطلب تحسين البرامج والخوادم التي تدعم “البيتكوين” وهو ما يساعد الدول العظمى في السيطرة عليها مستقبلاً، وهو ما أكده عدد من الدوريات الاقتصادية العالمية مطلع عام 2019 .

ويؤكد جميع خبراء الاقتصاد أن المستثمرين يلعبون دورًا محوريًا في إطلاق العملات الرقمية، فضلاً عن استدامتها وبقائها، حيث يمكنهم بسهولة التلاعب بالأسعار عن طريق شراء كمية كبيرة، كما أنهم يلعبون دورًا رئيسيًا في الترويج وزيادة شعبيتها، وهو ما أوضحه خالد توفيق الخبير الاقتصادي حيث يرى أن هناك عدد كبير من العملات الرقمية ظهر مؤخراص لكل منهم مميزاتهم وعيوبهم وكان في مقدمتهم (الإيثريوم) وهي عملة اقتربت من الاكتمال قابلة للبرمجة تتيح للمطورين بناء مختلف التطبيقات والتقنيات الموزعة التي لن تعمل مع بيتكوين، بالإضافة لعملة (يوتا) ويطلق عليها أحياناً تكنولوجيا دفتر الحسابات المتقدمة، حيث تُلزم المرسل في أي صفقة بالقيام بدليل على العمل يوافق على الصفقة، وكذلك عملة (مونيرو) وهي عملة رقمية ذات قدرات على إجراء المعاملات الخاصة وهي واحدة من المجتمعات الأكثر نشاطًا، ويرجع ذلك إلى انفتاحها ومزايا التركيز على الخصوصية، ومن المتوقع أن تنشط جميع تلك العملات الفترة القادمة لتقليل التعامل مع العملات الورقية.