في ظل صراعات كبرى الدول من أجل الحصول على لقاح فعال لفيروس “كورونا”، وسعي بعض المنظمات غير الحكومية لتنفيذ آلية توزيع “عادل”، جاءت تصريحات مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية، الدكتور محمد عوض تاج الدين، بإعلانه على طرح لقاح كورونا في سبتمبر المقبل، من خلال شركة بريطانية، لتفتح المجال للتساؤلات عن فعالية هذا اللقاح، وحق دول العالم الثالث في الحصول عليه.
وأعلن “تاج الدين”، أمس، أن أول لقاح أثبتت التجارب فعاليته للوقاية من فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” سيكون متاحا في الأسواق في سبتمبر المقبل.
تجربة أكسفورد
وقال “تاج الدين” خلال تصريحات متلفزة، إن المعلومات المؤكدة تبشر بنجاح العقار المعلن عنه من شركة إسترازينيكا بالتعاون مع جامعة أكسفورد البريطانية، مؤكدًا أن مصر ستطلب كميات من العقار فور التأكد من النجاح النهائي له في تجاربه الأخيرة.
وأضاف: “المؤكد من المعلومات التي وصلتنا، أن شركة أسترازينيكا بالتعاون مع جامعة أكسفورد وصلتا لنسبة نجاح علمي كبيرة، وفي سبتمبر 2020 سيتم إنتاج 400 مليون جرعة، وهناك أيضا تعاون كبير مع شركة هندية، وبحلول 2021 سيتم إنتاج 2 مليار جرعة، هذه المعلومات المؤكدة، وعندما تعلن الشركة أنها جاهزة لتوزيع اللقاح بشكل عادل سنطلب منها كميات فور إعلان وثبوت النجاح النهائي للقاح”.
وأوضح أن وجود شركات أخرى غير “أسترازينيكا” على وشك إنتاج اللقاح وبدأ بعضهم في الإنتاج لكنهم ينتظرون النتائج النهائية للتجارب لتوزيعها عالميًا.
وكانت شركة الأدوية “أسترا زينيكا” البريطانية، قد أعلنت عن بدء العمل على تصنيع اللقاح الذي تم تطويره من قبل علماء إكسفورد والذي ثبتت فعاليته ضد الفيروس، مشيرة إلى أنها “سوف تنتج ملياري جرعة من هذا اللقاح فور حصولها على الضوء الأخضر لذلك”، وأنه من الممكن خلال شهر أغسطس أن “يغرق” اللقاح العالم.
فعالية اللقاح
لكن يبدو أن تصريحات “تاج الدين” عن فعالية عقار هيدروكسي كلوركين، الذي أثار ضجة في الأوساط العليمة مؤخرًا، قد لفتت الانتباه، وذلك بسبب الدراسة المنشورة في مجلة “ذي لانست” العلمية والتي قال معدوها إنها تضمنت تحليلا لبيانات 96 ألف و32 مريضًا أدخلوا إلى 671 مستشفى في ست قارات، وخلصت إلى أن الهيدروكسي كلوروكين لم يظهر أي فعالية في مواجهة الفيروس حتى أنه فاقم خطر الوفاة لدى المرضى.
وهو ما دفع أكثرية معدي الدراسات الرئيسية المنشورة عبر مجلتي “ذي لانست” و”نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين”، إلى سحب أعمالهم وتقديم اعتذار رسمي.
وتصنف مجلة “ذي لانست” التي أسست سنة 1823 على أنها من أكثر المنشورات الطبية الموثوقة في العالم.
ونتيجة لذلك، كان للدراسة بشأن هيدروكسي كلوروكين أثر مضاعف، إذ أن منظمة الصحة العالمية وبريطانيا وفرنسا، قد علقت تجارب سريرية تجريها حالياً على هذا الدواء.
وأكد مستشار الرئيس لشؤون الصحة والوقاية بأن “الأطباء المصريين قرروا استمرار العلاج بالعقار رغم ما نشر عن خطورته، لافتا إلى أنه حقق نتائج إيجابية في مصر”.
وأشار إلى أن هذا الدواء لم يرفع من البروتوكول العلاجي المصري بعد حذفه في عدد من الدول، لافتا إلى أن هذا جاء نتيجة البحث والمراقبة الدقيقة للطب المصري.
بينما عقب الدكتور عصام المغازي، رئيس جمعية مكافحة التدخين والدرن وأمراض الصدر بالقاهرة، بأن وصول تجربة أي لقاح على متطوعين يُنبئنا بأن طرح الدواء بات قريبًا، ولكن الحديث عن فعاليته مازال مبكرًا.
وأضاف “مغازي” في تصريحات “مصر 360″، أن “تحديد موعد لطرح اللقاح بعد عدة أشهر من الأزمة يجعلنا غير واثقين من فعالية اللقاح بشكل كبير، ورغم سعي العديد من دول العالم للحصول على دواء فعال لمواجهة كورونا، إلا أن معظم الدراسات في هذا الشأن تشير إلى الأمر قد يستغرق قرابة عام أو أكثر للحصول على دواء مجدٍ ويثبت فعاليته، ومن الممكن أن يستغرق أكثر منذ ذلك” .
الحصول على الدواء
وبعيدًا عن فعالية الدواء من عدمه، يظل أمر الحصول عليه الشغل الشاغل لكثير من الدول، لاسيما في أفريقيا ودول العالم الثالث، وهو ما جعل رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوسا، يطالب بلقاح غير خاضع لقيود الملكية الفكرية، لكن تحقيق ذلك يبدو غير مرجح، إذ ستكون المختبرات راغبة باسترداد المليارات التي استثمرتها.
وبحسب منظمة الصحة العالمية والإعلان العالمي لحقوق الانسان، فإن “الحصول على المنتجات والتقنيات الطبية جزء من الحق في الصحة المعترف به في دساتير البلدان أو التشريعات الوطنية”.
وتسعى منظمة الصحة العالمية وأوروبا والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال مكافحة فيروس كورونا المستجد، لإنفاذ آلية توزيع “عادل” غير مسبوقة، تنطلق بالمبدأ من تلقيح العاملين في مجال الصحة في كافة البلدان التي طالها الفيروس، ثم العاملين في وظائف أساسية كالشرطة والنقل، وبعدهم يأتي بقية السكان.
واستجابة لذلك، فقد نجحت قمة اللقاحات العالمية، التي استضافتها بريطانيا عبر الإنترنت، إلى توفير نحو 9 ملايين دولار لتوفير اللقاحات للدول الفقيرة.
وجُمعت التمويلات لصالح “غافي”، وهو تحالف لمنظمات القطاع العام والخاص يهدف إلى دعم ونشر اللقاحات والتطعيم في أفقر دول العالم.
وتعهدت أكثر من 50 دولة وشخص، من بينهم بيل جيتس، الملياردير الأمريكي المهتم بالأعمال الخيرية، بمبالغ تصل إلى 7.4 مليار دولار.
وتبرع “جيتس” بـ1.6 مليار دولار من مؤسسته الخيرية، وتعهد رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون بدفع 1.6 مليار دولار في الأعوام الخمس القادمة، وبذلك أصبحت المؤسسات البريطانية أكثر المتبرعين.
صراع كورونا
على هامش ذلك، يبدو أن قطبي القوة في العالم، الولايات المتحدة والصين، لهما رأي آخر، حيث يدور صراع على صفيح ساخن بينهما، من أجل الوصول إلى لقاح لفيروس كورونا، حيث وصل الأمر إلى تبادل الاتهامات والتصريحات العلنية.
فيما تعهدت الصين بأن تجعل المصل “منفعة عالمية” حال نجحت في تطويره، برزت اتهامات أمريكية لبكين بالسعي لإبطاء أو إفشال محاولات دول غربية تطوير لقاح.
وقال وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني، وانج زيجانج، خلال مؤتمر صحفي في بكين، إن الصين ستجعل المصل منفعة عامة عالمية عندما يكون جاهزاً، مشيراً إلى أنّ بلاده ستعزز التعاون الدولي في التجارب السريرية المستقبلية لتطوير اللقاح اعتماداً على ما سبق من تضافر في تطوير لقاحات.
ولفت “وانغ” إلى أن تطوير لقاح لا يزال استراتيجية أساسية في الجهود الصينية للتغلّب على الفيروس، مستدركاً في الوقت نفسه بأنّ الأمر في غاية الصعوبة ويستغرق وقتاً.
بينما شدد ريك سكوت، العضو الجمهوري بمجلس الشيوخ الأمريكي، على أن الولايات المتحدة تملك دلائل على محاولات الصين إبطاء جهود دول غربية لتطوير لقاح أو إفشالها بالكامل.
وكشف سكوت، عن أن الدلائل الأمريكية على ذلك جاءت من أجهزة مخابرات، مردفاً: “هذا اللقاح مهم حقا لنا جميعا كي تبدأ عجلة اقتصادنا في الدوران مجدداً، ما أعتقده حقاً هو أنه سواء طورته إنجلترا أولاً أو نحن أولا فسنتشاركه، الصين لن تتشاركه معنا”.
وكانت الولايات المتحدة، قد خصصت في مايو الماضي، تمويلاً خارقاً بقيمة 1,2 مليار دولار للمختبر البريطاني “أسترازينيكا” الذي سيصنع اللقاح المحتمل لكورونا، بشرط أن تنقل التكنولوجيا إلى أمريكا وتوفر لها 300 مليون جرعة”.
ويعتقد “مغازي” أن الحصول على الدواء أمر لا يجب الحديث عنه، فهناك تشريعات ومواثيق دولية تؤكد على حق حصول ومشاركة الجميع في أي لقاح، لاسميا في وقت الأزمات والأوبئة، مشيرًا إلى أن ذلك ما حدث مع مصر أثناء “فيروس سي”، حيث تحصلت الدولة على الدواء بأسعار رمزية وهو ما سيحدث مع لقاح كورونا”.