ينفق المصريون نحو 15 مليار جنيه سنويًا على الحج، لكن تفشي فيروس كورونا هذا العام يهدد بإلغاء الموسم، والحج ركن من أركان الإسلام وعبادة يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى، إلا أنه مشروط بالاستطاعة والقدرة على أدائه بتوفر ظروف معينة يحول دونها على ما يبدو إلى الآن انتشار الجائحة، ما يدفع إلى الحديث عن أولوية التصدق بالأموال التي كان ينتوي أصحابها تخصيصها إلى أداء الشعيرة المعظمة على الفقراء والمحتاجين، خاصة مع تأثر قطاع كبير من المواطنين اقتصاديًا، ولكون المقصود في الأساس، وجه الله ونوال الثواب.
إلغاء الحج
الدعوات إلى إلغاء حج المصريين هذا العام جاءت مبكرة، حتى قبل ارتفاع عدد الإصابات، حيث جاء الطلب بتأجيل تأدية فريضة الحج، منعًا لتفشي الفيروس ومحاولة لاحتوائه في البلاد، مع الإشارة إلى أن الإسلام حث على الحفاظ على الروح وعدم الإلقاء بها إلى التهلكة.
كان صاحب الدعوى النائب محمد أبو حامد، وكيل لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب، حيث تقدم ببيان عاجل للحكومة في مارس الماضي، للمطالبة بتأجيل توجه المصريين للحج هذا العام، بسبب انتشار فيروس كورونا في العديد من الدول العربية، وإمكانية تفاقم الأزمة في المنطقة.
بحسب ما قاله “أبو حامد”، فإن المؤسسات الدينية الرسمية وعلى رأسها الأزهر الشريف، عليها أن تخرج وتطالب بتأجيل توجه المصريين للحج هذا العام إلى إشعار آخر من أجل الحفاظ على المصريين، ومنع انتقال عدوى فيروس كورونا، خاصة مع انتشار هذا المرض في العديد من الدول العربية، وإعلان المملكة العربية السعودية تعليق العمرة لمواجهة الفيروس المستجد، قائلا: “يجب على المؤسسات الدينية تعليق فريضة الحج في مصر هذا العام”.
الأكثر حجاجًا.. وإنفاق 15 مليار جنيه سنويًا
وتشير تقديرات للخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الخالق فاروق، إلى أن تكاليف الحجيج المصريين تتجاوز 14.2 مليار جنيه سنويًا، بما يقارب 811.0 مليون دولار أمريكي وفقا لأسعار صرف الدولار الجديدة.
وتجدد مع الأزمة التي تحل بالعالم الآن، الحديث عن التصدق بأموال الحج، تزامنًا مع اتخاذ دول قرارات بإلغاء الموسم، حيث أعلنت إندونيسيا التي تعد أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان إلغاء حج مواطنيها هذا العام، واستمرار القيود على السفر، وهو ما قررته الهند أيضًا، بإلغاء ترتيبات حج مواطنيها للموسم الحالي.
وتُعد مصر أكثر دولة عربية إرسالًا للحجاج كل عام، حيث كشفت إحصائية رسمية صادرة عن مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية، أن عدد الحجاج المصريين العام الماضي بلغ نحو 85 ألف و663 حاجًا، من بين 382 ألفًا و91 حاجًا عربيًا.
تأثر الاقتصاد المصري بـ”كورونا”
وألقت جائحة “كورونا” بظلالها الثقيلة على الاقتصاد المصري، وتأثرت قطاعات كبيرة من المواطنين جراء انتشار الفيروس، حيث أعلن وزير المالية الدكتور محمد معيط، في تصريحات صحفية أن ما يقرب من 130 مليار جنيه من الناتج المحلي “اختفت” بسبب تداعيات الجائحة، حيث تراجع معدل النمو المستهدف خلال العام المالي الحالي من 6٪ إلى 4٪، موضحًا أن الإيرادات العامة الضريبية وغير الضريبية انخفضت بنحو 124 مليار جنيه، نتيجة تأثر الأوضاع الاقتصادية بتداعيات هذا الوباء العالمي.
وذكر أن إجمالي المبالغ الإضافية التي خصصتها الحكومة لدعم القطاع الصحي ومساندة القطاعات والفئات الأكثر تضررًا منذ بداية الجائحة وحتى الآن بلغت نحو 63 مليار جنيه من الـ 100 مليار جنيه التي وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بتخصيصها لتمويل خطة الدولة لمواجهة تداعيات «كورونا»، إضافة إلى التزام وزارة المالية باستمرار الإتاحات الشهرية التي تستهدف توفير السيولة النقدية اللازمة للهيئات السلعية والخدمية؛ بما يُمكنها من الوفاء بالتزاماتها على النحو الذي يُساعد في توفير احتياجات المواطنين، والحفاظ على مستوى معيشتهم.
ارتفاع عدد الفقراء
وتوقعت دراسة أجراها معهد التخطيط القومي التابع لوزارة التخطيط المصرية، أن يتسبب فيروس كورونا والظروف المصاحبة له، في ارتفاع معدل الفقر في مصر، ليرتفع عدد الفقراء بما يتراوح ما بين 5.6 إلى 12.5 مليون فرد خلال العام المالي 2020- 2021، واستندت الدراسة التي حملت عنوان “التداعيات المحتملة لأزمة كورونا على الفقر في مصر”، في تقدير الأثر المتوقع لتداعيات أزمة فيروس كورونا على معدل الفقر على توقعات مستويات البطالة والدخل والتضخم.
وكشفت الدراسة أن انخفاض نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنحو نقطة مئوية واحدة يؤدي إلى زيادة الفقر في مصر بنحو 0.7 نقطة مئوية، كما يؤدي زيادة معدل البطالة بنحو نقطة مئوية واحدة إلى زيادة نسبة الفقر بنحو 1.5 نقطة مئوية، في حين أن زيادة معدل التضخم نقطة واحدة مئوية يؤدي إلى زيادة نسبة الفق بنحو 0.4 نقطة مئوية.
مساعدة المتضررين
في 23 مارس الماضي، أعلنت وزارة الأوقاف المصرية، إلغاء أي بعثات للحج على نفقتها هذا العام، وتوجيه ما كان مخصصا لذلك لمساعدة المتضررين من آثار فيروس كورونا المستجد.
وأهابت الوزارة بكل من نوى الحج أو أداء العمرة هذا العام، أن “يعيد ترتيب أولوياته، وأن يجعل ما كان سينفقه في حج النافلة أو أداء العمرة في مساعدة الفقراء والمحتاجين والمتضررين من آثار الفيروس”.
“ولاتقتلوا أنفسكم”.
ويقول الدكتور عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة، بجامعة الأزهر، إن قرار بعض الدول بإلغاء الحج هذا العام لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ويتماشى مع ضوء ما تقره من منطلق “وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”، وهي المحافظة على النفس، في حال إذا أقر هذا أهل الاختصاص.
ويضيف “فؤاد” لـ مصر “360”: “فيروس كورونا صُنف عالميًا بأنه جائحة، والحج لمن استطاع إليه سبيلا، فهو يشترط القدرة المالية والصحية، وهو ما يمكن البناء عليه، بأن يُمكن لمن يمنعه الوباء رغم نيته للحج هذا العام، بتخصيص بعضًا من أمواله بتوجيهها إلى الذكاة والصدقات”، مشيرًا إلى أن البلاد الآن والعباد يحتاجون إلى تقديم يد العون والمساعدة، وهو أمر واجب على كل مسلم قادر مستطيع”.
100 ألف إصابة في السعودية
في 19 مايو الماضي، دعت إندونيسيا المملكة العربية السعودية لحسم قرارها على صعيد السماح بتنظيم موسم الحج هذا العام، مع استمرار انتشار كورونا.
وكانت السلطات السعودية اتخذت قرار تعليق أداء العمرة في مارس الماضي لأجل غير مسمى، مطالبة المسلمين تأجيل استعداداتهم لأداء الحج موقتًا.
ولم تعلن بعد ما إذا كانت ستمضي قدما في خطط تنظيم الحج هذا العام، والذي سيجري في نهاية يوليو الجاري، في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات الجمعة الماضية، إعادة تشديد الإجراءات الاحترازية الصحية في جدة، بوابة المسافرين لأداء مناسك العمرة والحج، لمدة 15 يوما بدءاً من السبت الماضي لوقف تفشي الفيروس.
وشهدت السعودية ارتفاعا في أعداد الإصابات مع تقليل إجراءات الحد من التنقل الهادفة لوقف تفشي الفيروس، حيث وصلت الأعداد إلى أكثر من مائة ألف، وسط تزايد الوفيات.