شهدت احتجاجات مقتل المواطن الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد في الولايات المتحدة، ممارسات عنيفة من قبل الشرطة، ليس فقط ضد المتظاهرين، ولكن الصحفيين والمراسلين كان لهم نصيب كبير من هذا البطش، الأمر الذي دفع منظمات حقوقية إلى التنديد بذلك، واصفين ماحدث بأنه “اعتداء غير مسبوق”.

وبحسب إحصائيات حديثة، فإن هناك ما يقرب من 200 انتهاك لحرية الصحافة في الولايات المتحدة خلال أيام الأسبوع الماضي، فقد تعرض صحفيون ومراسلون للعنف، مثل الاعتقال أثناء عملية البث المباشر والطرد وقنابل الغاز المسيل للدموع والضرب وحتى التعرض للرصاص المطاطي، وفق تقارير إعلامية وشهادات حية.

وجاءت الاعتداءات على الصحفيين وسط التصريحات المعادية لوسائل الإعلام التي يطلقها الرئيس، دونالد ترامب، واستهدفت مؤسسات إعلامية تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي.

وتشهد الولايات المتحدة وبلدان أخرى احتجاجات بعد مقتل جورج فلويد خلال توقيفه، اختناقا بيد شرطي أبيض في 25 مايو الماضي في الولايات المتحدة.

 

تنديدات بالعنف

ونددت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، بـ”العنصرية البنيوية” و”الاعتداء غير المسبوق” على صحفيين في الولايات المتحدة التي يستمر فيها حراك احتجاجي واسع النطاق رفضا للعنصرية وعنف الشرطة.

وقالت ميشيل باشليه، في بيان لها، إن “الأصوات التي تطالب بإنهاء الجرائم بحق الأمريكيين العزل من أصل أفريقي يجب أن يتم الإصغاء إليها. إن الأصوات التي تطالب بإنهاء عنف الشرطة يجب أن يتم الإصغاء اليها. والأصوات التي تطالب بإنهاء العنصرية المزمنة والبنيوية التي تسود المجتمع الأمريكي ينبغي الإصغاء اليها”.

كما أفادت منظمة “مراسلون بلا حدود”، بأنه منذ بدء موجة الاحتجاجات والاضطرابات التي اندلعت بعد مقتل الأمريكي من أصول أفريقية، جورج فلويد، في مينيابوليس على يد الشرطة، في الولايات المتحدة، تم تسجيل نحو 68 اعتداءً من قبل الشرطة والمتظاهرين ضد الصحفيين.

ويذكر أن وكالة الأنباء الدولية الروسية “روسيا سيجودنيا”، طالبت الأحد الماضي، السلطات الأمريكية بفتح تحقيق حول ما قام به ضباط الشرطة الذين استخدموا الغاز المسيل للدموع ضد مراسل وكالة “ريا نوفوستي” الروسية.

 

 

وأدانت قناتا “فوكس” و”سي إن إن” الاعتداءات على مراسليهما وعلى غيرهم من العاملين في حقل الإعلام.

وقالت متحدثة باسم “رويترز” إن المؤسسة تستهجن بشدة إطلاق الشرطة الرصاص المطاطي على فريقها في مينيابوليس وأنها تبحث الأمر مع السلطات.

ويرى بعض الخبراء الإعلامين أن مشاهدة الصحفيين أثناء القبض عليهم والاعتداء عليهم على شاشات التلفزيون يبعث برسالة للمشاهدين مفادها أنه لا تداعيات للعنف.

وأضافوا أن ما بدا اعتداءات منعزلة على الصحافة في تجمعات سياسية واحتجاجات من لوس أنجليس إلى منيابوليس إلى نيويورك خلال السنوات القليلة الماضية ازداد حدة مع تراجع الثقة في وسائل الإعلام مقتربة من أدنى مستوياتها منذ عشر سنوات.

اقرأ ايضًا: بالفيديو.. وحشية الشرطة الأمريكية خلال احتجاجات “فلويد”

اعتداءات على الهواء

منذ إطلاق أول صرخة ضد العنصرية، بعد مقتل جوروج فلويد، تابع المشاهدون الاعتداءات على الصحفيين والمراسلين، الذين يقمون بعملهم في تغطية الاحتجاجات في الولايات المتحدة، حيث تم القبض على مصور قناة “سي.إن.إن”، عمر خمينيز، وطاقمه على الهواء مباشرة أثناء تغطية احتجاج في مدينة منيابوليس.

وأثناء اشتباك محتجين مع الشرطة في مختلف أنحاء البلاد صرخت المراسلة كايتلين راست، من محطة الإذاعة في لويزفيل بولاية كنتاكي “اتعرض لضرب النار! اتعرض لضرب النار” وصورتها الكاميرات بينما كانت الشرطة المحلية تستهدفها هي وطاقم العاملين معها بكرات الفلفل من مسافة قريبة.

وخلال الاحتجاجات، وثقت مؤسسات تتابع العنف الذي يستهدف الصحافة حوالي 24 عملا من أعمال العنف منها حادث وقع مساء يوم السبت في منيابوليس أصيب خلاله خوليو سيزار شافيز، الصحفي برويترز ورودني سيوارد المستشار الأمني برويترز أيضًا بالرصاص المطاطي.

بينما اعتدى متظاهرون على ليلاند فيترت مراسل قناة فوكس الإخبارية، الذي يملك خبرة في العمل في مناطق الحرب، وطاقم العاملين معه بالقرب من البيت الأبيض، الجمعة الماضية، بعد أن اكتشفوا أنه يعمل لقناة فوكس.

 

في 30 مايو الماضي، تم إطلاق النار على موظفي شبكة “” سي بي أس”، برصاص الشرطة المطاطي، حيث غرد مايكل جورج، مراسل الشبكة والصحفي الحائز على “جائزة إيمي” أنه “على الرغم من أنه وزملاءه يحملون بطاقة صحفية معهم، فإن شرطة مينيابوليس استمرت في إطلاق الرصاص المطاطي عليهم، مما أصاب زميله”.

وتظهر السجلات أن العديد من الهجمات على الصحفيين تسببت في إصابات شخصية خطيرة، منها أصيبت المصورة الصحفية ليندا تيرادو برصاصة مطاطية من قبل الشرطة في عينها اليسرى أثناء تغطيتها، وعلى الرغم من أنها زارت الطبيب أول ما وقع الحادث، إلا أنها عانت في نهاية المطاف من العمى الدائم.

وفي أول الشهر الجاري، تم الاعتداء على الصحفي الأسترالي اثناء تغطيته خطبة الرئيس “ترامب” عندما وقف بجانب كنيسة سانت جون وفي يده الكتاب المقدس، حيث ضربت الشرطة الصحفي على رأسه، وتم تسجيل الواقعة بالفيديو .

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كان هناك ما بين 100 إلى 150 انتهاكا لحرية الصحافة في الولايات المتحدة كل عام، ولكن في الفترة الأخيرة، سجل نظام التتبع 192 انتهاكا على الأقل، بحسب نظام تتبع حرية الصحافة في الولايات المتحدة المنوط بمراقبة انتهاكات حرية الصحافة في البلاد.

وأشار بروس براون، المدير التنفيذي بلجنة المراسلين لحرية الصحافة إلى مضايقات تعرض لها الصحفيون في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاجو عام 1968.

وقال “الاعتداءات العديدة المقصودة التي واجهها الصحفيون الذين يغطون الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد من جهات إنفاذ القانون خلال الفترة الماضية مستهجنة وانتهاكات واضحة للتعديل الأول”.

تشويه صورة أمريكا

وتستمر هجمات الشرطة على الصحفيين، خلال الاحتجاجات التي مازلت مستمرة في بعض مدن الولاية، ما عمل على تشويه صورة الولايات المتحدة كرمز للحريات على الصعيد العالمي.

وقال كوستين مكاردن، المحرر التنفيذي لنظام تتبع حرية الصحافة في الولايات المتحدة  لصحيفة “التايمز”: “يمكننا أن نرى أن عدد الهجمات ضد الصحفيين ارتفع حاليًا من خلال التحقيق”.

 

 

اقرأ ايضًا: احتجاجات “فلويد” في العالم.. “سمعة أمريكا المضيئة” تنطفيء

وأشار تقرير لشبكة “فوكس” الأمريكية، إلى أن “مسؤولي إنفاذ القانون يستهدفون بشكل مباشر الصحفيين الذين يخوضون في عملية تغطية الاحتجاجات الوطنية، الأمر الذي سيضر بصورة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم”.

كما يورط إدارة ترامب في مشاكل لا حصر لها، في وقت أكثر حساسية من أي وقت مضي، فحتى الحلفاء الأمريكيين غاضبون أيضًا من الوضع الداخلي في الولايات المتحدة، مما يدل على سوء الأوضاع.

وينص التعديل الأول للدستور الأمريكي على حرية التعبير وحرية الصحافة ضمن الحريات الأساسية الأخرى.