كشفت جائحة “كورونا” قصور معظم دول العالم في توفير حق الرعاية الصحية، كأنه لم يتوقع أحد إمكانية أن يجتاح العالم وباء يهدد الصحة مثل “كورونا”، رغم ظهور أوبئة مشابهة في السابق، وهو ما دفع الكثير من الدول ومن ضمنها مصر إلى وضع الصحة في أولويات إدارتها الاقتصادية.

وتجاوز عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد، حاجز الـ 7 ملايين و250 ألف إصابة على مستوى العالم، ليواصل الفيروس القاتل اجتياح البلاد في واحد من أسوأ الأوبئة والأمراض التي ضربت الكرة الأرضية في العصر الحديث.

ويقول رئيس مجموعة البنك الدولي، ديفيد مالباس، “لا تبدو الأعذار الشائعة عن الأولويات المتعارضة، والنواتج غير المنظورة، ونقص التمويل المخصص للمنافع العامة الآن منطقية على الإطلاق”.

وأضاف “يجب أن تعمل كل الحكومات لتعزيز الأمن الصحي لبلدانها، وأكثر الطرق فعالية لتحقيق هذا الهدف هو توفير أنظمة قوية للرعاية الصحية الأولية”.

 

اقرأ ايضًا: ضعف “كورونا” وبدء انتهائه.. آمال عريضة وواقع مشجع

إجراءات الحكومة المصرية

وأعلن وزير المالية المصري، محمد معيط، أن إجمالي المبالغ الإضافية التي خصصتها الحكومة لدعم القطاع الصحي ومساندة القطاعات والفئات الأكثر تضرراً منذ بداية الجائحة وحتى الآن، بلغ نحو 63 مليار جنيه من الـ100 مليار جنيه، التي وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بتخصيصها لتمويل خطة الدولة لمواجهة تداعيات كورونا.

وأكد “معيط”، في بيان صادر عن الوزارة، الاثنين الماضي، أنه تمت إتاحة مخصصات مالية إضافية بنحو 11 مليار جنيه لدعم القطاع الصحي بالدولة بمختلف مؤسساته على مستوى الجمهورية، وتلبية الاحتياجات الملحة والحتمية من الأدوية والمستلزمات الطبية بما يمكنه من اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية لفيروس “كورونا”.

وأشار إلى أنه تم صرف مكافآت تشجيعية صافية، تتحمل الخزانة العامة الضرائب والتأمينات المستحقة عليها بالكامل، للأطقم الطبية والعاملين بمنافذ الحجر الصحي ومستشفيات العزل والمعامل المركزية وفروعها بالمحافظات وفرق العمل المركزية ومعاونيهم وفرق الترصد الوبائي وهيئة الإسعاف.

كما تم تدبير مبلغ 400 مليون جنيه سنوياً لتمويل تعيين 7 آلاف معيد ومدرس مساعد بكليات الطب بالجامعات، وتكليفهم بالعمـل بالمستشفيات الجامعية والتعاون الكامل مع مستشفيات وزارة الصحة، إضافة إلى تعيين 1200 زميل وزميل مساعد من الأطباء بالمستشفيات التعليمية التابعة لوزارة الصحة، وذلك اعتباراً من تاريخ تسلمهم العمل لدعم القطاع الصحي بالدولة في مواجهة فيروس كورونا المستجد.

وأوضح أنه تم تخصيص 2.6 مليار جنيه لرفع بدل التعرض لخطر العدوى لأعضاء المهن الطبية بنسبة 75 بالمائة، وكذلك رفع مكافأة أطباء الامتياز بالمستشفيات الجامعية.

 

ولفت وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، المهندس ياسر عمر، إلى أنه سيتم إدراج زيادات في الموزانة للسنة المالية الجديدة لكل من قطاع التربية والتعليم والصحة، وأيضًا المستشفيات الجامعية، موضحًا أن الاستجابة ستأتى لتوفير مستلزمات وقاية فى الصحة ودراسة زيادة حافز الجودة لرياض الأطفال ليشمل الصف الثانى والثالث الابتدائى للمعلمين.

وكانت قد صرحت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان، في تصريحات متلفزة بأن الرئيس السيسي وضع تطوير التعليم والصحة في مقدمة أولويات الدولة، مشيرة إلى أن مواجهة كورونا في مصر كانت ستشهد تحديات أكبر لولا تحسن الصحة العامة، مؤكدة أن الإصلاح الاقتصادي خدم تطوير منظومة القطاع الصحي في مصر.

اقرأ ايضًا: تخصيص 32 مليار جنيه.. هل تراجعت “الكهرباء” عن “صفر دعم” بالموازنة الجديدة؟

التصنيع الدوائي

وأكد الدكتور أيمن سليمان، الرئيس التنفيذى لصندوق مصر السيادى، أن جائحة كورونا أعادت ترتيب الأولويات الاستثمارية للصندوق خلال المرحلة القادمة، وذلك وفق المتغيرات الاستثمارية والاقتصادية العالمية، موضحًا أن الاتجاه العام السائد هو الاستثمار فى قطاعات التصنيع الدوائي، التصنيع الغذائي، قطاع البنية التحتية، وأخيرا قطاع التداول المالى.

وأوضح سليمان فى مؤتمر صحفى عقد عبر خاصية الفيديو كونفرانس، أن جائحة كورونا أظهرت الأهمية الكبرى للاتجاه فى الاستثمار فى القطاع الصحى بما يشمله من توفير خدمات طبية والتصنيع الدوائي، مشيرا إلى أنه سيتم الإعلان فى القريب العاجل عن صندوق استثمارى فرعي يتبع الصندوق السيادى خلال الفترة القادمة.

“ضربة حظ”

ويرى محمود محى الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030، ووزير الاستثمار الأسبق، أن دعم القطاع الصحى في مصر لا يجب أن يقل عن 1.5% من الدخل القومى، وهو ما يعنى حاجتنا لنحو 50 إلى 70 مليار جنيه إضافية للإنفاق على القطاع، قائلاً: “يجب أن تأخذ مجالات الرعاية الصحية والتعليم دورًا أكبر في الموازنة العامة لمصر”.

وأكد “محي الدين”، خلال محاضرة عقدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، عبر الإنترنت، أن قطاع التعليم سيشهد تغييرات جوهرية نتيجة الأزمة، حيث سيكون التوجه نحو التعليم عن بعد باستخدام التكنولوجيا الحديثة، لافتًا إلى أن موضوع “التابلت” في مصر جاء “ضربة حظ” في مواجهة الأزمة، لأنه يوفر الأجهزة المطلوبة لهذا النوع الجديد من التعليم.

وعن الأزمة الراهنة قال إنه لن يستفيد منها أحد، فالجميع متضرر، ولكن هناك فرص أمام مصر تتمثل في الاستثمار في الصحة والتعليم وجعلهما أولوية، والاهتمام بالاستثمار في البنية التحتية والمواصلات العامة، والاستثمار في التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعى وتوطين هذه الصناعة.

ولفت أن دول العالم لم تستفد من أزمات الجوائح الصحية السابقة مثل أنفلوانزا  الخنازير، رغم وجود توصيات دولية بالاهتمام بالرعاية الصحية، مشيرا إلى أن الدراسات الخاصة بتقييم المخاطر خاصة التي تصدرها شركات التأمين العالمية وضعت أخطار الأمراض والأوبئة في مرتبة متأخرة بين الثامنة والعاشرة، وهو ما يشير إلى تغييره بالكامل خلال المرحلة المقبلة.

 

اقرأ ايضًَا: تجهيزات طبية وإدارية وتعليمية..تفاصيل خطة الوزارة لامتحانات الثانوية العامة

التنمية المستدامة

ومع بداية الأزمة خصصت الحكومة المصرية 100 مليار جنيه لمواجهة كورونا، إلا أن المختصين يرون أننا بحاجة لمبالغ إضافية لمواجهة تداعيات الأزمة وهو ما سيخلق عجزًا في الموازنة بشكل أو بآخر، مشددين على أهمية التركيز بشكل جدى على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى رأسها الاهتمام بالرعاية الصحية، والتعليم، ومكافحة الفقر، وهى أكثر الدروس المستفادة من الأزمة، وإعطاء أولوية للتأمين الصحى الشامل وتطبيقه في جميع المحافظات وليس على سبيل التجريب.

“أنا أكثر تفاؤلا بما بعد الأزمة، فهناك إمكانية كبيرة لتحقق تطور كبير في المجتمع المصرى إذا ما أحسنا فهم الدروس من الأزمة، فنحن أمام واقع جديد وعالم مختلف”، بحسب قول الخبير الاقتصادي .

أزمة غذاء

يبدو أن أزمة “كورونا” لم تضرب الأنظمة الصحية لدول العالم الثالث فحسب، بل ضربت أقوى الأنظمة الصحية في العالم، كالولايات المتحدة وإيطاليا وغيرها، حيث تهاوت أنظمتها أمام جائحة كورونا كصرح من ورق، وهو ما يوضح أن فشل إدارة الأزمة الحالية تعدى تهاون الإدارات الحاكمة بحجم الجائحة إلى السياسات المتراكمة التي اتبعتها دول العالم الغربي خلال العقود الأخيرة، التي فضلت اقتصاد الربح السريع وسوق الأسهم على حساب أساسيات الحياة مثل العمل والتعليم والصحة.

ورغم الحزم التحفيزية التي خصصتها دول العالم لمواجهة الأزمة والتي تقدر بنحو 5 تريليون دولار، يحتاج العالم إلى نحو 2.5 تريليون دولار إضافية، وهو ما سيسبب زيادة في عجز الموازنات العامة وزيادة في الديون، وهو ما دعا صندوق النقد والبنك الدوليين للحديث عن تأجيل سداد الديون من أجل مساعدة الدول على مواجهة الأزمة.

اقرأ ايضًا: لا فتح ولا إغلاق.. هل اتخذت الحكومة القرار الأصوب في التعامل مع “كورونا”؟

ويرى “محى الدين”: “أننا نمر الآن بمرحلة فراغ عالمى، لا يُقاد من أي جهة، ولا يمكن لأى دولة أو مجموعة دول السيطرة، ويشهد النظام العالمى حاليا مجموعة كبيرة من الأزمات والمشكلات، أولها الأزمة الصحية، وأزمة ركود الاقتصاد العالمى، وأزمة الديون، والأزمة المالية، ومشكلات تتعلق بأسواق السلع الغذائية والنفط، وهى الأسواق التى تعانى بشدة الآن” وذلك بحسب بيان من المركزي المصري للدراسات.

ويخشى الكثير من المراقبين من دخول العالم ما بعد كورونا في أزمة جديدة هي “أزمة الغذاء”، حيث يعاني العالم ككل من مشكلة عرض والطلب نتيجة لانتشار الفيروس، وهو ما يتطلب وجود ما أُطلق عليه “قنوات خضراء” تسمح بانتقال البضاعة وعمل الاقتصاد في الوقت الذى يجب أن نلتزم فيه بالتباعد.