“ليبيا في نهاية فصل قاتم”، هكذا وصفت العديد من التقارير الإعلامية والصحف الأجنبية الوضع الراهن في ليبيا، إذ فرضت القضية الليبية والحرب المشتعلة هناك نفسها على الساحة الدولية، فما بين حرب أهلية وتدخل أجنبي، ومقاتلين مأجورين، يبقى السؤال حول مستقبل ليبيا “معلقًا.

ولفت تطور الأوضاع الميدانية مؤخرًا، الانتباه إلى دور القوى الخارجية والمقاتلين الأجانب الذين يقاتلون مع طرفي الصراع الليبي، في تغيير موازين القوى على الأرض.

تقرير “بي بي سي”

وأعدت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، تقريرًا مطولًا بشأن تعاظم الدور الذي يلعبه المقاتلون السوريون في ليبيا، بعد تدخل تركيا في الصراع، ودعمها حكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج، معلقة: “ليس هناك ما يضمن أن يكون الفصل القادم في ليبيا أفضل”.

 

وتعاظم دورا روسيا وتركيا في الملف الليبي في الآونة الأخيرة ويمكن القول إنهما باتتا تتحكمان بمعظم أوراق الملف الليبي رغم استمرار أطراف إقليمية في الاضطلاع بأدوار أقل أهمية في هذا الملف.

وتشير معظم التقديرات إلى أن عدد المقاتلين السوريين الذين أرسلتهم أنقرة إلى ليبيا حتى الآن يتجاوز عشرة آلاف مقاتل، كما انضم إلى هؤلاء شبان سوريون يعيشون في تركيا بسبب الأوضاع المزرية التي يعيشونها هناك.

ووصلت طلائع هؤلاء المقاتلين أواخر العام الماضي بعد خضوع البعض منهم للتدريب لفترة قصيرة في معسكرات داخل تركيا، أما عناصر الفصائل المقاتلة الموالية لها فتم نقلها من سوريا إلى المطارات التركية وبعدها إلى ليبيا بواسطة طائرات مدنية.

 

وقالت صحيفة الجارديان البريطانية في شهر يناير الماضي، إن المرتزقة السوريين وقعوا على عقود مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس للقتال لمدة ستة أشهر إلى جانب قواتها وأن تركيا تتكفل بنفقات علاج الجرحى وإعادة جثامين القتلى منهم إلى سوريا ومنحهم الجنسية التركية في نهاية المدة.

أهداف تركيا

ويرى مراقبون، أن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأخيرة، بشأن أهدافه الحقيقية من التدخل في ليبيا، أزاحت الستار عن وجه أنقرة الحقيقي في ليبيا، وأن مصالحها تأتي في المقام الأول.

تصريحات “أردوغان” سبقها تصريح وزير الطاقة التركي بأن بلاده تخطط لبدء عمليات التنقيب عن النفط داخل الحدود البحرية التي تم تحديدها بموجب اتفاق مع حكومة الوفاق، في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر.

وإذا استطاعت تركيا الحصول على موطئ قدم لها في ليبيا الغنية بالنفط والغاز سيضمن لها ذلك مصدرًا مستقرًا ومضمونًا من النفط والغاز اللذين تفتقر إليهما بشدة، وستصبح في موقف جيو سياسي أفضل بكثير.

ويمكن أن يمهد الوجود العسكري التركي في ليبيا الطريق أمام أنقرة لتعزيز نفوذها في هذا البلد والمشاركة بفعالية في مشروعات إعادة البناء مستقبلًا، كما قد يؤسس لها قاعدة لتوسيع وتعزيز مصالحها الاقتصادية في القارة الإفريقية وتجاوز معضلة المرور عبر قناة السويس.

وكان رئيس تركيا ورئيس حكومة طرابلس فائز السراج، قد أبرما في نوفمبر الماضي مذكرتي تفاهم، إحداهما بشأن ترسيم الحدود البحرية، والأخرى أمنية تتيح إرسال قوات تركية إلى ليبيا.

 

اقرأ ايضًا: ليبيا والمبادرة المصرية.. السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الصراع

 

وبعد التوقيع، بدأ أردوغان بإرسال مرتزقة من سوريا إلى ليبيا لدعم ميليشيات السراج في معارك ضد الجيش الوطني الليبي، بالإضافة إلى الأسلحة والخبراء العسكريين.

ولقيت المذكرتان رفضًا إقليميًا ودوليًا لكونهما تتجاوزان صلاحيات السراج، كما أن الاتفاق البحري ينتهك قانون البحار، وذلك بسبب عدم وجود حدود بحرية بين الدولتين.

الدور الروسي

لم يتوقف الأمر على المقاتلين السوريين الذين يقاتلون إلى جانب حكومة الوفاق، بل برزت مؤخرًا تقارير عديدة عن نقل روسيا لمئات المقاتلين السوريين إلى ليبيا للعمل بموجب عقود مع شركة “فاجنر” الأمنية الروسية التي تقاتل وتعمل إلى جانب قوات حفتر وليس من الواضح حتى الآن المهام التي يتولونها هناك.

ونقلت “رويترز” عن أكثر من مصدر معارض سوري إلى نشاط محموم يقوم به ضباط روس في سوريا لتجنيد السوريين للقتال في ليبيا وبينهم عدد كبير من المقاتلين السابقين في صفوف المعارضة الذين أبرموا تسويات مع الحكومة السورية مقابل إلقاء السلاح.

وأشارت رويترز في تقرير حصري لها إلى تسارع حملة التجنيد الروسية خلال مايو الماضي حيث تم توقيع عقود مع مئات المرتزقة.

وتم تدريب المقاتلين في قاعدة في محافظة حمص وسط سوريا قبل التوجه إلى ليبيا وبحسب المصادر تتراوح رواتب المجندين ما بين ألف إلى ألفي دولار شهريًا للفرد.

وقال موقع “دير الزور 24 ” المعارض في 3 يونيو الحالي إن مندوبين عن الروس التقوا بمجموعة من أبناء المحافظة لإقناعهم بالعمل في ليبيا لحماية منشآت النفط هناك مقابل مرتب شهري يصل لأكثر من ألفي دولار لكل متطوع.

فيما حذرت شبكة “سي أن أن” من تعزيز “بوتين” للوجود الروسي حول منطقة البحر المتوسط، وذلك لسهولة وصوله إلى قاعدتين جويتين في قلب ليبيا، وهو يطلق أجراس الإنذار في واشنطن، التي تريد خروج جميع الجهات الأجنبية من ليبيا.

اقرأ ايضًا: أحمد السيد الصاوي يكتب.. ليبيا.. الولادات القيصرية

وقد اتهمت حكومة الوفاق الليبي، العام الماضي، قوات خليفة حفتر، بتسليم القاعدتين الجويتين الجفرة (600 كيلو متر جنوبي شرق طرابلس) والوطية (140 كيلو متر جنوبي غرب طرابلس)، إلى طيارين من شركة فاجنر الروسية، يستعملون طائرات سوخوي، إضافة إلى عمليات استخبارية وأعمال شبه عسكرية.

تقسيم ليبيا

فشلت كافة المساعي والجهود التي قامت بها الأمم المتحدة والأطراف الدولية والإقليمية في إيجاد تسوية ترضي جميع الأطراف بل زاد حجم التدخل الخارجي العسكري في الشأن الليبي رغم حظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.

وكان آخر هذه المساعي، إعلان المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، وإلزام الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، ورغم ترحيب الدول التي تدعم حفتر، وأبرزها روسيا والإمارات، بالمبادرة، أعلنت حكومة الوفاق في طرابلس رفضها لإعلان القاهرة، وأطلقت بالتزامن مع إعلان المبادرة عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على مدينة سرت على بعد 450 كيلو متر شرقي طرابلس.

ومع تضاؤل هذه الفرصة واستحالة الحسم العسكري قد يصبح تقسيم ليبيا إلى منطقتين أمرًا واقعًا، منطقة تحت الحماية التركية وأخرى تحت الحماية الروسية.

وحذرت الإذاعة البريطانية، من استمرار الحروب بالوكالة في ليبيا، وإعادة السيناريو الذي حدث في سوريا، قائلة: “من المحتمل أن الرئيس التركي والرئيس الروسي  يسعيان في ليبيا لتطبيق نسخة من الصفقات التي أبرموها في سوريا”.