أثار دعم الكهرباء في الموازنة العامة الجديدة لغطًا ملحوظًا، ففي حين يؤكد مشروع الموازنة أنه “صفر” في العام المالي 2021/2020، يقول وزير الكهرباء محمد شاكر في سياق حديثه عن شرائح الاستهلاك الجديدة، إنها لا تزال مدعمة على الفئات الأقل استهلاكًا.
وأصيب الكثير من المواطنين بالحيرة في تأويل الأرقام الصادرة عن وزارتي الكهرباء والمالية، فالأخيرة هي الجهة المنوط بها تحويل مخصصات الوزارات وتحديد نفاقتها، إلا أنها لم تضع أي مخصصات لدعم الكهرباء في مشروع الموازنة الجديدة الذي يناقشه مجلس النواب الأسبوع المقبل، ووزارة الكهرباء تتحدث عن رقم ضخم للدعم يصل إلى 32.4 مليار جنيه.
استثمارات أم دعم؟
يرجع الجدل الذي أثير بسبب دعم الكهرباء إلى الالتباس في الألفاظ الذي حمله المؤتمر الصحفي لوزير الكهرباء محمد شاكر، المعروف بسرعته في الحديث خلال المؤتمرات الصحفية، والذي تحدث عن 32.4 مليار جنيه كدعم، دون أن يوضح الجهة التي توجه لها هذه الأرقام، وهي الشبكة القومية للكهرباء بمراحل عملها من “إنتاج ونقل وتوزيع”، ما يجعها أقرب إلى بند الاستثمارات وليس الدعم.
يؤكد حديث وزير الكهرباء عن “لفظة الدعم” تلك الافتراضية حينما تبعها مباشرة بالحديث المفصل عن رفع كفاءة وحدات إنتاج الطاقة وخطة الصيانات المبرمجة والعمرات بهدف خفض معدلات استهلاك الوقود وتطوير شبكتي النقل والتوزيع، لتحسين كفاءة الشبكة وتقليل الفقد، واستكمال تنفيذ خطة تدعيم شبكة التوزيع لتطوير شبكات التوزيع على مستوى الجمهورية، وكلها معنية أكثر بطبيعة الإنتاج وليس بسعر بيعه.
اقرأ أيضًا:
بدأت الحكومة في يوليو 2014، خطة لتحرير أسعار الكهرباء على مدى خمس سنوات، كان يفترض أن تنتهي العام الماضي لكن تم تمديدها ثلاث سنوات حتى 2022 لكن يبدو أن الحكومة سارعت إلى التطبيق مع تأثر الإيرادات العامة على وقع فيروس كورونا الذي قلص كثيرًا من الإيرادات المتوقعة للنشاط الاقتصادي والضرائب تحديدًا.
تثبيت سعر الغاز
تزايد الجدل مع تأويل خاطئ للمدة الزمنية لرفع الدعم عن الكهرباء المقدرة بـ 8 سنوات، ليفترض البعض أنها تمتد إلى عام 2025، قبل أن يتضح أنها بداية حسابها من عام 2014، اتساقا مع برنامج صندوق النقد حينها.
ويقول مصدر مسئول بوزارة الكهرباء إن أسعار بيع الغاز الطبيعي ارتفعت من 3 إلى 3.25 دولار لكل مليون وحدة حرارية لكنه تم تثيبت السعر لمحطات إنتاح الطاقة الكهربائية حتى لا يتحمل المستهلك النهائي للطاقة أي أعباء مالية إضافية، على أن تتحمل وزارة المالية ذلك العبء الذي يقدر بـ 29.9 مليار جنيه.
وتعتبر وزارة الكهرباء تلك المبالغ أيضًا نوعًا من الدعم الخفي للمواطنين، فتكلفة إنتاج كيلو وات من الكهرباء حاليًا بنحو 120 قرشًا مقابل 95 قرشًا قبل 3 سنوات عند سعر “3 دولار”، وحال عدم تحمل الدولة الزيادة كانت ستتسرب تلقائيا إلى فواتير المواطنين.
وتعرضت الحكومة لانتقادات بسبب رفعها أسعار الغاز المنزلي بنحو 19% في وقت تأثرت فيه غالبية الدخول بتداعيات فيروس كورونا على النشاط الاقتصادي وتضرر الملايين من العاملين في قطاعات السياحة والطيران، ورغم انخفاض أسعار البترول عالميًا وتقدير سعره في الموازنة الجديدة عند مستوى 35 دولارًا للبرميل طوال العام المالي (2020/2021)، اتساقا مع توقعات مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي.
لكن المصدر يقول إن غالبية المحطات الجديدة تعمل بالغاز الطبيعي وليس بالمازوت، ما يجعل استفادتها من هبوط أسعار النفط عالميًا محدودًا، فمحطات الكهرباء من المازوت يبلغ 4 آلاف طن يومياً في 2019 خلال العام الماضي مقارنة بنحو 21 ألف طن في 2018، بسبب تشغيل المحطات الجديدة التى تعمل بالغاز وتتسم بكفاءة مرتفعة.
وتمكنت وزارة الكهرباء خلال الفترة بين عامي 2014 و2018 من إنشاء 26 محطة توليد كهرباء جديدة تضم 114 وحدة، بإجمالى قدرات 26 ألف ميجا وات يمثل مجموعها 12 ضعفًا لقدرة السد العالى باستثمارات للإنتاج فقط تعادل 287 مليار جنيه، كما تم إنشاء محطات وخطوط جديدة بتكلفة بلغت 53 مليار جنيه بإنشاء 29 محطة محولات جديد بقدرة 40 ألف 750 ميجا وات بتكلفة 20 مليار جنيه في الفترة ذاتها.
أسعار محفزة للترشيد
وطالب نواب بالبرلمان بتأجيل الزيادات الجديدة على الكهرباء على المواطنين أسوة بتحمل وزارة المالية عبء خفض أسعار الكهرباء للأنشطة الصناعية على الجهد العالي والفائق والمتوسط بقيمة 10 قروش على كل وات بتكلفة سنوية قدرها 10 مليارات جنيه، بجانب حملها أعباء خفض وتوحيد الغاز الطبيعي للصناعة عند 4.5 دولار لكل وحدة حراية، وتحاشيا لاتهام الحكومة بدعم الأثرياء وترك الفقراء.
تدافع وزارة الكهرباء عن الأسعار الجديدة وتعتبرها محفزًا للترشيد، فمع الحديث عن رفع الأسعار أمس، كان ملحوظًا في كثير من المدن تخفيف الإضاءة في المنازل وإغلاق الأنوار غير المستخدمة ما أوجد فائض أحمال بالشبكة القومية للكهرباء يقارب 25% في كثير من أوقات الذورة، ورغم ارتفاع درجات الحرارة.
اقرأ أيضًا:
وتلجأ الوزارة إلى “الدعم التبادلي” بين كثيفي الاستهلاك للطاقة ومحدودي الدخل، فالشريحة السابعة للاستهلاك التي تزيد على ألف كيلو وات يتم محاسبتهم بسعر 145 قرشًا والشريحة الأقل من صفر إلى 50 كيلو وات تحاسب بسعر 38 قرشًا، وإذا كان سعر التكلفة 120 قرشًا، يصبح الفارق (25) قرشًا دعمًا غير مباشر يتم توجيهه للفئات الأقل استهلاكًا للكهرباء والأقل دخلاً بالطبع من جيوب الأكثر ثراء.