أثارت أزمة قناة النهار الأخيرة، علامات استفهام حول أسباب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي قرر وقف 5 مذيعات بالقناة لمدة عام، ثم العدول عن القرار والسماح لهن بالظهور على الشاشة بعد 3 أيام فقط من المنع.
خبراء ومسئولون بالوسط الإعلامي أيدوا قانونية القرار، وآخرون اعتبروه يستهدف القناة بسبب مالكيها، لكنهم أجمعوا على مطالبات بتطبيق القانون على الجميع.
بدأت الواقعة بعد إعلان مفاجئ من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة مكرم محمد أحمد، بمنع ظهور 5 مذيعات بقناة النهار وهن (دعاء فاروق، بوسي الطيار، وريم البارودي، وهالة فهمي، وعلا شوشة) لمدة عام على جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية، لحين تقنين أوضاعهن بنقابة الإعلاميين بالقيد بجداول النقابة أو الحصول على تصريح مزاولة المهنة.
شخصيات غير مؤهلة
المجلس أعلن قراره السبت الماضي بناء على توصية لجنة الشكاوى التابعة له بشأن تقديم البرامج الطبية التي تقدمها شخصيات غير مؤهلة، مستندا إلى القرار رقم 93 لسنة 2016 بشأن تنظيم نقابة الإعلاميين والقانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام.
القرار الذي لم يعلن رسميا من خلال بيان للمجلس، أكده أمين عام المجلس عصام فرج ورفض التعليق عليه أو شرحه وتوضيحه، فيما قال عضو المجلس ولجنة الشكاوى صالح الصالحي في تصريح مقتضب لـ مصر 360″ إن القرار بناء على مطلب نقابة الإعلامين.
في ردة فعل سريعة قررت شبكة قنوات النهار تعليق البث الحي للقناة وإلغاء جميع برامج الهواء عقب صدور قرار من المجلس.
وقالت الشبكة في بيان لها: “بمناسبة صدور قرار من المجلس الأعلى للإعلام بإيقاف 5 من مذيعاتنا وإحالة إحداهن للتحقيق أصدر مجلس إدارة شبكة قنوات النهار قرارًا بتعليق البث الحي للقناة وإلغاء كل برامج الهواء مع الاكتفاء بإعادة بعض البرامج والمسلسلات لحين إشعار آخر بعد حل كل الأمور المعلقة مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الإعلاميين”.
الإعلامية دعاء فاروق أكدت في تصريح لـ”مصر360″ أنها أرسلت الأوراق الخاصة بطلب عضوية النقابة منذ 8 أشهر، وأن النقابة لم تبلغها بأي أمر أو تحذير من قبل، لافتة إلى أنها ستتواصل مع نقيب الإعلامين لحل الأمر.
رفض الإغلاق
في نفس اليوم، صرح وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل بأنه أجرى عدة اتصالات بمسئولي شبكة النهار، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الإعلاميين لاحتواء الأزمة التي أدت لقيام النهار بالإعلان عن وقف برامجها، والاكتفاء بعرض البرامج المسجلة.
وأشار “هيكل” إلى رفضه قرار الإغلاق، وأن الإجراءات لابد أن تكون تصاعدية وعادلة بين جميع القنوات، وأن الخاسر الوحيد من إغلاق أي منبر إعلامي هو المواطن صاحب المصلحة الأكيدة في تنوع مصادر الإعلام.
وأضاف: “إدارة النهار قررت الانسحاب من السوق المصري نتيجة الإجراءات التي اعتبرتها مضرة لها كجهة إعلامية واستثمارية، وأنها تنوى بيع القناة للدائنين خلال الفترة القادمة”.
بعدها بساعات نفى مصدر مسئول بالمجلس الأعلى للإعلام فضل عدم ذكر اسمه، ما نشر بشأن وجود تدخلات أو وساطة لإلغاء قرار منع ظهور عدد من مقدمي البرامج في وسائل الإعلام.
وأكد المصدر أن المجلس يتمتع بالاستقلالية بنص الدستور، ولا يقبل أي تدخل من أية جهة في قراراته التي تصدر وفقا للقانون، وتراعي المصالح العامة للمجتمع. وأهاب المجلس بوسائل الإعلام توخي الدقة عند تناول ما يصدر عن المجلس من قرارات، مؤكدا أن قراره بمنع ظهور عدد من مقدمي البرامج، ستتبعه قرارات أخرى مماثله تخضع مقدمي البرامج لنصوص القانون، مطالبًا مقدمي البرامج بسرعة تقنين أوضاعهم القانونية بنقابة الإعلاميين.
منع ومساءلة قانونية
في اليوم التالي توجهت مذيعات القناة إلى نقابة الإعلاميين لإصدار تصاريح مزاولة المهنة، فضلا عن إعلاميين آخرين استقبلت النقابة أوراقهم، من بينهم الإعلامية دعاء فاروق، بحسب ما قال عضو مجلس النقابة ورئيس لجنة التدريب أيمن عدلي.
وأوضح عدلي في تصريحات لـ”مصر 360″ أن النقابة تؤكد عدم ظهور أي إعلامي أو مذيع على الشاشات أو الإذاعات دون تقنين أوضاعه، مضيفا “لا ظهور إعلامياً مرئيا أو إذاعيًا للشعب الخمس بدون تصريح أو عضوية من نقابة الإعلامين، استنادا إلى القرار رقم 93 لسنة 2016 بشأن تنظيم نقابة الإعلاميين و القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام”.
“عدلي” شدد على أن النقابة ستتصدى لكل من يظهر على الشاشات دون تصريح ويعرض نفسه للمنع والمسائلة القانونية، لافتا إلى أن النقابة خاطبت جميع القنوات لتقنين أوضاع إعلامييها ومقدمي البرامج ومن ينطبق عليهم شروط العضوية بها.
وأشار إلى أن النقابة ستخاطب المجلس الأعلى للإعلام بشأن العدول عن قراره الذي منع فيه ظهور 5 من المذيعات على الشاشات لمدة عام لعدم تقنين أوضاعهن بعدما تقدموا بطلبات تقنين والحصول على تصاريح مزاولة المهنة.
وبالفعل أصدر الثلاثاء الماضي قراره بأنه لا مانع لدى المجلس من ظهور المذيعات سالفات الذكر بمزاولتهن المهنة لنشاطهن الإعلامي بعدما خاطبت نقابة الإعلاميين المجلس بشأن تقنين أوضاعهن.
جدير بالذكر، أنه قبل عدول المجلس الأعلى عن قراره بيومين، قررت إدارة شبكة قنوات النهار بث حلقة استثنائية في برنامج “أخر النهار” تقديم الإعلامي تامر أمين، بمناسبة مرور 6 سنوات على تولي الرئيس السيسي رئاسة الجمهورية، واستضافت خلالها مجموعة من الصحفيين والسياسيين.
وأفادت القناة بأن هذه الحلقة تأتي كحلقة استثنائية في ظل قرار شبكة النهار بتعليق البث المباشر لكافة البرامج، عقب قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بإيقاف 5 مذيعات من الظهور.
الوقائع السريعة المتتالية على مدار 3 أيام والتي كان بطلها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وطرفيها قناة النهار ونقابة الإعلاميين، تفاوتت تفسيرات خبراء الإعلام بين مؤيد ومعارض بشأنها، وربطها البعض بتغييرات تشكيلات الهيئات الإعلامية المرتقبة ومن ضمنها المجلس الأعلى، مشيرين في الوقت نفسه إلى اختيار قناة النهار لأنها ليست تحت مظلة مالكي باقي القنوات المنافسة مثل (DMC – ON TV- CBC ) والمملوكة لمجموعة إعلام المصريين.
قرارات إيجابية
وكيل لجنة الإعلام في مجلس النواب، النائب نضال السعيد اعتبر قرارات المجلس الأعلى للإعلام “قانونية وخطوة ايجابية، بشرط تعميمها على كل المخالفين أو من لم يقننوا أوضاعهم.
وأضاف “السعيد” أن “المجلس محق في قراره ومتفق مع قانونه وصلاحياته، لكن عليه أن تكون قراراته على مكيال واحد، وننتظر تعميم تجربة قراراته على كافة المخالفين”.
“البرلمان عين مراقبة على أداء الهيئات الإعلامية” بحسب وكيل لجنة الإعلام بالمجلس، مشيرا إلى أن أي مواطن أو جهة لهم الحق في طلب إحاطة للمجلس بشأن أداء وقرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وتابع: “من خطا خطوة صحيحة في تطبيق القانون علينا تشجيعه، وعدم التفتيش في نواياه، وأسباب قراراه ولكن نطالبه بالمساواة والعدل مع باقي القنوات المخالفة”.
وشدد على أن كل هيئة لابد أن تعمل لآخر يوم لها سواء كان تغيير تشكيلها الآن أو مستقبلا، خاصة أنه لا أحد يعلم موعد تغيرات الهيئات.
انعكاسات سلبية
يؤيده عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز، بشأن قانونية القرار، بحسب المادة 211 في الدستور التي منحت للمجلس الأعلى صلاحيات حيال وسائل الإعلام الجماهيرية، ومنعها في حالة قامت هذه الوسائل بتشغيل مذيعين غير حاصلين على تراخيص مزاولة المهنة أو أعضاء في نقابة الإعلامين.
لكن يرى انعكاسات سلبية لمثل هذه القرارات على حرية الرأي والتعبير، مطالبا في الوقت نفسه بقيام المجلس بدوره بشكل عادل ومتوازن والتطبيق على الجميع دون انتقائية، مؤكدًا على ضرورة حرص وسائل الإعلام على حصول الإعلامين على تراخيص مزاولة المهنة.
وحول ما نشر عن وساطة وزير الدولة لشئون الإعلام أسامة هيكل في الأزمة، يوضح الخبير الإعلامي أنه لا يوجد صلاحيات لوزير الدولة بشأن المجلس، وأنه في حالة تضرر الواقع عليهم القرار يتجهوا إلى التظلم بالمجلس الأعلى أو القضاء الإداري.
العدالة بين الإعلاميين والمذيعين
أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة صفوت العالم استنكر اختلاف التعامل بين القنوات الفضائية، مستشهدا بما وصفه بالتراشق بين القنوات الرياضية التابعة للأندية، وتطاول رئيس أحد النوادي على رئيس المجلس الأعلى للإعلام ورئيس لجنة الأداء الرياضي بالمجلس، ولم يفعل المجلس حيال تلك الوقائع شيئًا، بحسب قوله.
اقرأ أيضا: الإعلام وهيئاته ..نقلات مضطربة على “رقعة الشطرنج”
وتساءل “العالم” في تصريحاته لـ”مصر 360″ “لماذا تم فتح ملف تراخيص المذيعين الآن ولماذا قناة النهار دون غيرها من القنوات والمذيعين المنافسين، وهل متعلق الأمر بملكية قناة النهار وعدم وجودها ضمن مجموعة إعلام المصريين”؟.
كما أكد على أهمية خلق العدالة بين الإعلاميين والمذيعين، قائلا: “لو لم يعش الإعلامي في مناخ من العدل والحرية، كيف سيدافع ويجلب العدل للمواطن العادي؟”.