على أريكة خشبية، يجلس مصطفى، خلف شرفة غرفته، يتابع من بعيد غروب شمس يوم آخر من أيامه الصعبة، منذ إصابته بفيروس كورونا، يوم جديد ينقضي من أيام عزلته، وحيدًا بين جدران شقته بمنطقة غمرة، فقد توفيت زوجته منذ ثلاث سنوات، ولم ينجبا أطفالًا.

يتسلل صوت عزف على آلة العود مقتحمًا وحدته، فيدندن “مصطفى” مع عزف العود أغنية لمحمد عبد الوهاب، يسمعه جاره ريمون، في النافذة المقابلة له، فيدندن معه.

لم تكن الليلة الأولى التي يجتمع فيها الجيران عن بعد، على صوت العزف، يروي مصطفى راضي، صاحب الـ 48 سنة، أنه منذ تشخيص إصابته بفيروس كورونا منتصف شهر مايو الماضي، لم يستطع إخفاء الأمر عن جيرانه كثيرًا بسبب اختلاطهم الدائم، ومن وقتها، قسم الجيران أنفسهم مجموعات كل منهم يقدم خدمته، فسيدات العقار يتناوبن على تجهيز الطعام في وجبات ثلاث على مدار اليوم ويوصل الأبناء تلك الوجبات حتى باب العم مصطفى، ومعها عصائر وفاكهة، ويتركوها أمام الباب، حتى لا تنتقل العدوى لأحدهم، كما يتابعه باقي الجيران من خلال “جروب” على تطبيق “واتس آب” الخاص بالعقار، بشكل يومي، للاطمئنان على حالته.

اقرأ أيضًا:

قتل أنثى الفيل بالهند.. سادية وتلذذ بتألم الحيوان

أما مدام نيفين وهي شابة حديثة الزواج وعازفة عود بدار الأوبرا المصرية، فقررت أن تساعد مصطفى من خلال عزفها 3 مرات في الأسبوع على آلة العود، وهي تجلس في شرفة شقتها، وهو ما حسن حالته النفسية كثيرًا بعدما كان يشعر في بداية التشخيص أن الموت قريبًا منه، وكاد أن يفقد الأمل، حتى أعاد الجيران شغفه للحياة، فساعدته الموسيقى على التخلص تدريجيًا من الاكتئاب، حتى تعافى وتلاشت جميع الأعراض.

فريق البهجة

في قلب حي المعادي، ذاع صيتهم “فريق البهجة “كما أطلق عليهم الجيران، ثلاثة شباب من قاطني شارع 9، جميعهم يسكنون عقار واحد، أصيب فيه 7 بفيروس كورونا ينتمون لأسرتين.

 

في البداية واجه الشارع كله الأمر بنوع من الحدة والغضب وكانوا مصممين على عزل العقار بأكمله، حتى تدخل شريف آدم، طبيب نفسي، والذي حاول أن يمتص غضب الجيران وفي نفس الوقت يساعد المصابين، فاقترح على جيرانه أن يساعدوا بعضهم البعض من خلال الموسيقى، فيشاركون في العزف والاستماع، خاصة وأن هناك 3 شباب موهوبين في العزف والتمثيل، ولهم تجارب مختلفة في هذا المجال، فاقترح الأمر على الشباب الثلاثة وهم محمود، كلية الحقوق 22 سنة، ورامي وأحمد كلية التجارة، 19 سنة، وافق الفريق، وبدأوا في إعداد فقراتهم، وعملوا على توصيل صوت عزفهم لأكثر عدد ممكن من الجيران، من خلال اجتماعهم في مدخل العقار والعزف مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي، وتسجيل الأمسية وإرسالها إلى الجيران المصابين، وحاليًا اختفت الأعراض من 3 من المصابين ولاتزال أمسياتهم مستمرة حتى يتعافى الجميع وقد فكروا في تعميم الفكرة للحي بأكمله حتى يساهموا بشكل ولو بسيط في تعافي المصابيين وكسر حدة الحظر.

بيانو بلال

لم يختلف ما فعله فريق البهجة كثيرًا عن ما فعلته ياسمين بمنطقة العجوزة، عندما وافقت على السماح لابنها ذو العشر سنوات أن يمارس عزف البيانو بجوار النافذة لتسمع خالته حنان المصابة بفيروس كورونا والتي تسكن أعلى شقتهم عزفه.

اقرأ أيضًا:

تغسيل وفيات “كورونا”.. حكاية “شيخ رمسيس” مع محاربة الخوف وتسليع الموت

اعتادت حنان سماع عزف بلال بشكل مستمر، وهو يمثل لها داعم كبير لمقاومة أعراض الفيروس التي وصفتها بالمميتة، لكنها تقاوم بفعل “المزيكا” وما تشعر به معها من محبة الجميع.

العلاج بالموسيقى

العلاج بالموسيقى ليس جديدًا، يقول الدكتور محمد سعد، أخصائي طب العلاج النفسي بجامعة القاهرة إنه في كثير من الأحيان يستخدم العزف كنوع أو وسيلة للعلاج النفسي والسلوكي، خاصة في حالة العلاج الجماعي فكثيرًا ما يستخدم المقطوعات الموسيقية خلال جلسات العلاج، ويفضل أن يكون العزف من خلال أحدهم.

 

يشرح سعد، أنه في إحدى التجارب قام بقياس معدل الانبساط والانطواء لدى المرضى قبل بدء الجلسة، ثم عاد لقياسها مرة أخرى عقب الجلسة المدمجة بسماع الموسيقى، واتضح زيادة الانبساط لدى المشاركين، مضيفًا أن الموسيقى تساعد في زيادة مهارات التواصل، وتحقق ضبط الإيقاع بين التنفس وسرعة النبض، وهو ما يحتاجه مرضى كورونا، كما تفيد في علاج الربو والشرايين التاجية وارتفاع ضغط الدم والصداع.