“السما أحلى من الأرض، وأنا عاوزة السما مش الأرض”.. اختارت الناشطة سارة حجازي السماء بإرادتها الكاملة عن مرافقة الأرض ومن عليها، إذ اكتشفت بعد سنوات من “المعافرة” أن حياتها باتت عبئا عليها، وأنها لم تعد تستطيع المقاومة في عالم ملئ بالقسوة، فاختارت الرحيل منتحرة بعد تجارب مريرة.

صبيحة اليوم فوجئ الجميع بخبر غطى صفحات التواصل الاجتماعي، بانتحار الناشطة المدافعة عن حقوق مجتمع الميم في مصر، بعد معاناتها مع الاكتئاب في منفاها شبه الإجباري بكندا الذي انتقلت للعيش فيه منذ العام 2018.

 

المحامي خالد المصري، الذي سبق وترافع عنها في قضية “الرينو”، أعلن نبأ وفاتها لكنه لم يشر إلى انتحارها، إلا أن رسالتها الأخيرة المكتوبة بخط يدها كشفت عن اختيارها الانتحار بعد أن بلغت رسالة إلى أهلها وأصدقائها بأنها حاولت النجاة وفشلت، والعالم قاسي ولا تستطيع الاحتمال.

حقوق “الميم”

عُرفت “حجازي”، صاحبة الـ30 عاما، بأنها من المدافعين عن حقوق “الميم” بعد مجاهرتها بمثليتها الجنسية في العام 2016، لتوقفها السلطات المصرية عام 2017 بتهم عديدة كان من بينها التحريض على الفسق والفجور والدعوة إلى ممارسة الشذوذ الجنسي.

في عام 2017 قررت “سارة” إنشاء أول فعالية على “السوشيال ميديا” مع صديقها أحمد علاء بعنوان “ادعم الحب” الذي يهدف دعم قبول المثلية في اليوم العالمي المصري لدعم المثلية الجنسية، إلا أنها فوجئت بأن أول مهاجميها كان رجل ناشط مثلي الجنس معترضا على تصرفها بحرية والعمل الفردي على دعم و تقبل ونشر الوعي عن المثلية الجنسية، لتضع قدمًا لها في هذه الدوائر بعد اعترافها بأنها مثلية.

اقرأ أيضًا:

ختان الإناث بمصر.. المشرط الحاد يواصل الفتك و ضحاياه 91 % من النساء

لكن اللقاء الأكبر بين “سارة” وجمهورها كان في 2017 وتحديدًا حين رفعت هي وآخرين علم قوس قزح، رمز حقوق المثلية في مصر، خلال حفل موسيقي لفريق مشروع ليلى اللبناني المعروف بمثليتها أحد عناصره في سبتمبر بضاحية التجمع الخامس.

بعد الحفل قبض على “سارة حجازي” وصديقها أحمد علاء ضمن حوالي 55 شخصًا شاركوا في حفل مشروع “ليلى”، وواجهتهم النيابة العامة آنذاك باتهامات الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقانون، والترويج لأفكار ومعتقدات تلك الجماعة بالقول والكتابة، والتحريض على الفسق والفجور فى مكان عام.

وفاة والدتها والهروب إلى كندا

قضت “حجازي” نحو 90 يومًا في السجن، وداخله تعرضت للتحرش الجنسي والإيذاء البدني من الضباط والسجينات في عنبر النساء، ومن داخله كتبت: “بين جدران سجن وبين قسوة هجمات وطن وحتمية الصراع من أجل أنفسنا، من أجل اثنين عاجزين عن رؤية الشمس، وسط كل هذا، كنت أنا وأحمد علاء كل ما نتمناه هو حضن أمهاتنا. ورغم وجودنا داخل السجن، والدولة التي تعبر عارية أمامي داخل هذا السجن بسبب فشل في قبول اﻵخر واحترامه، رغم خيبات اﻷمل والإخفاقات، نواصل الحياة”.

 

اكتملت تجربة الوجع في حياة “حجازي” باستقبالها نبأ وفاة والدتها داخل محبسها، لتصبح كبيرة عائلتها بعد فقدان الأب والأم، لتخرج منه في حالة اكتئاب استدعى العلاج في مصحة نفسية، حتى آثرت مغادرة البلاد وبدء حياة جديدة في مجتمع آخر يتقبلها ويحترمها، وتحديدا في بلد مثل كندا يلجأ لها الجميع كوطن بديل لمن يتعرضون للتمييز الجنسي في بلادهم الأصلية.

في تورينتو، أكبر مدن كندا، لم تحظ “حجازي” بالحياة المثالية التي رسمتها لنفسها عند مغادرة أقدامها القاهرة، فظلت تعاني من آثار قضية علم “الرينبو” والاضطهاد المجتمعي الذي وصم عائلتها، وحول حياتها إلى كابوس لا ينتهي.

صعوبة التأقلم

يقول المحامي أحمد بحراوي، أحد أصدقاء الراحلة، إن “حجازي” عانت من الأزمات طوال حياتها ولم تستقر للحظة، فشابة صغيرة استقبلت خبر وفاة والدتها في السجن، وقوبلت باضطهاد ومعاملة قاسية من الجمع خارجه.

اقرأ أيضًا:

تبرير الاغتصاب والتحرش.. عندما تقع المرأة ضحية مرتين

يضيف بحراوي لـ”مصر 360″، أن الفتاة عاشت حياة صعبة وذاقت مرار الفقد والاضطهاد والوصم المجتمعي لمجاهرتها بمثليتها الجنسية، مشيرًا إلى أن الاكتئاب لازمها أيضًا خلال فترة عيشها بكندا، لعدم قدرتها على التأقلم على الحياة خارج وطنها لارتباطها بمصر، مصرحًا: “لم تستطع العيش في الغربة وعانت الوحدة والاكتئاب الحاد في آخر أيامها فانتحرت”.

 

أما محمد سالم، وهو باحث سياسي وعضو بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، رأى أن الاكتئاب والقهر الاجتماعي والتحريض على العنف الذي تعرضت له “حجازي” كلها أسباب دفعتها للانتحار حتى بعد هدوء ضجة قضية “الرينبو” ورحيلها عن مصر.

“سارة حجازي” كانت إنسانة ودودة مبتسمة رغم آلامها ومعاناتها التي لم تستطع التخلص منها وتجاوزهما حتى قررت تنهي حياتها، المكتئب شخص بحاجة شديدة للعلاج والدعم، يقول “سالم”.

“حجازي” تمثل ضحايا كثر من أبناء المجتمع المصري الذين فقدوا الأمل في الحياة نتيجة الوصم الاجتماعي والاضطهاد بسبب اختياراتهم والتعبير عن ميولهم الجنسية على عكس رغبات وقيم المجتمع.