يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاليًا، بكل ما أوتي من قوة، إلى تكرار فوز عام 2016، حيث قدم نفسه للناخبين وقتها كمرشح مناهض للمؤسسة الحاكمة، ويخوض معركة مع “مستنقع واشنطن” السياسي، وهو ما عززته القاعدة اليمينية الكبيرة التي عملت لصالحه ضد الرئيس السابق باراك أوباما، آنذاك، والتي دفعت إلى تحقيق معدل تصويت مرتفع بين مؤيديه في الولايات الرئيسية.

وخلال فترة رئاسته اعتُبِرت التعليقات العنصرية التي أدلى ترامب بها تصريحات خطيرة، من شأنها المساس بأسس الديمقراطية الأمريكية الراسخة، خصوصًا بعد المسيرة الشهيرة التي نظمها “اليمين الجديد” في مدينة “شارلوتيسفيل” بولاية فيرجينيا أغسطس 2017، حيث ساوى الرئيس بين العنف الذي يستخدمه المتظاهرون البيض الذين يعتبرون أنفسهم “متفوقين” على السود، والعنف المضاد الذي استخدمه أولئك الذين احتجوا ضدهم، ويبدو أن عدوانية الرئيس وصلفه، وهي صفات خدمته في الماضي، لا تتناسب حاليا مع جمهور يريد التعاطف والتعافي والمصالحة، بعد الاحتجاجات الأخيرة ضد العنصرية، والتي لم تعد قاصرة على الولايات المتحدة فحسب، بل امتدت إلى عواصم العالم الكبرى.

 

 

تصريحات ترامب “الفاحشة”

اتُّهم والد ترامب بالعنصرية وإذكاء الخلافات العرقية من قبل، مرارا، ففي عام 1973، رفع عدد من الأمريكيين من أصل إفريقي دعوى قضائية ضده، متهمين إياه بأنه يمنع الملونين بشكل عام من السكن في المجمعات والموتيلات التي كان يبنيها آنذاك، وترافع عن ترامب المحامي اليهودي المثير للجدل روي كوهين، تلميذ السيناتور الشهير جو ماكارثي، صاحب “محاكمات الشيوعيين” المعروفة في القرن الماضي.

 

 

واستطاع “كوهين”، الذي يمكن اعتباره “الأب الروحي” للرئيس ترامب وأحد أقرب أصدقائه وقتها، الخروج من الدعوى منتصرًا بمساعدة عدد من أنصار اليمين المتطرف، وبواسطة “نفوذه السري” لدى الدوائر القضائية الأمريكية. 

اقرأ أيضًا:

“محاصرة التطرف”.. النرويج تسجن “تلميذ” منفذ مذبحة نيوزيلاندا 21 عامًا

في 2016، اتهم الرئيس مجموعة من المراهقين من أصل إفريقي واللاتينيين باغتصاب امرأة بيضاء في الحديقة المركزية بمدينة نيويورك، وهي الحادثة التي عُرفت باسم “قضية عدّاءة الحديقة المركزية”، وبعد سنوات من التحقيقات تبين عدم صحة ادعاءات ترامب، التي أدلى بها للصحف مرارًا وتكرارًا، حيث اعترف مجرم جنائي مسجون باغتصاب تلك المرأة، وبرأّ ساحة المتهمين الذي قضوا عامين في الحبس الاحتياطي.

وقتها، تراجع السيناتور “الجمهوري” جون ماكين عن تأييده لـ ترامب، منتقدًا “تصريحاته الفاحشة حول الرجال الأبرياء في قضية عدّاءة الحديقة المركزيّة”.

وقال أحد المتّهمين الخمسية (يوسف سلام) أنّه اعترف بارتكابه للجريمة كذبًا بالإكراه وذلك بعد تعرضه لسوء المعاملة من قبل الشرطة أثناء فترة احتجازه.

ووصف المخرج السينمائي كين بيرنز، الذي أخرج الفيلم الوثائقي The Central Park Five (خماسي الحديقة المركزية) -والذي ساعد في مسح أسماء المتهمين- وصف تعليقات ترامب بأنها “ذروة الابتذال” و “قمة الوقاحة والعنصرية”.

اقرأ أيضًا:

فلويد يفتح الجرح.. 1014 قتيلًا من الأمريكيين الأفارقة على يد الشرطة في 2019

ومن الملفت للنظر أن “ترامب” يعمل حاليًا بنفس استراتيجية عام 2016، لكن صراعاته تشير إلى أن المزاج الوطني هذا العام قد يكون مختلفًا، وقد لا يتقبل الشعب الأمريكي، الذي يعاني من الاحتجاجات على الصعيد الوطني بسبب الظلم العنصري، مزيدًا من المواجهات النارية، التي يجيدها الرئيس “القوي” ضد خصمه “الضعيف” جو بايدن.

ويرى مراقبون أن ردود الفعل على قتل جورج فلويد بدم بارد، سيكون لها تأثيراتها على الناخب الأمريكي، وسيقبل المواطنون من أصل إفريقي والملونون بأعداد كثيفة على صناديق الاقتراع لكي يسقطوا “ترامب” من عرش البيت الأبيض، كما يمكن أن يُقبل البيض بأعداد أكبر إذا ما شعروا أن أمنهم الاجتماعي بات مهددًا، بسبب آراء “ترامب” العنصرية التي أصبحت تهدد الأمن القومي الأمريكي، وقد تؤدي إلى انفراط العقد الاجتماعي للبلاد.