يبدو أن المفاوضات حول سد النهضة تتعثر من جديد، فبحسب تصريحات وزارة الري المصرية، فإن المحادثات لم تحقق تقدمًا يذكر، بينما عبرت إثيوبيا عن إحباطها من تزايد دور الأطراف الخارجية، في إشارة منها إلى توسط الولايات المتحدة في المفاوضات، والتي انكشفت مواقفها الأخيرة هي والصين عن تشجيع الحوار وضرورة التوصل لاتفاق عن طريق التفاوض، بعدما كانتا من ضمن الداعمين لعملية إنشاء السد، فهل تغيرت مواقفهما حيال المشروع؟. 

واستأنفت إثيوبيا ومصر والسودان المحادثات الثلاثية عبر تقنية الفيديو مع ممثلي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا.

وقد أكد آبي أحمد، الاثنين الماضي، أن بلاده تعتزم البدء في ملء خزان السد في الأسابيع المقبلة، مما أعطى المباحثات الأخيرة أهمية ملحة.

بينما عقب ويليام دافيسون من مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة لمنع الصراعات، بأن الفرص المحدودة تجعل “من الضروري أكثر من أي وقت مضى تقديم تنازلات حتى يمكن إبرام صفقة تخفف من حدة التوترات الخطيرة”.

 

اقرأ ايضًا: استئناف مفاوضات سد النهضة.. قبول مصري ومرونة إثيوبية

الدور الأمريكي

لكن تصريحات اثيوبيا الأخيرة حول الحد من الأطراف الخارجية واقتصار دورها على المراقبة ليس بالأمر الجديد، ففي فبراير الماضي رفضت إثيوبيا التوقيع على مقترح اتفاق تقدمت به الولايات المتحدة الأميركية التي انخرطت كوسيط إلى جانب البنك الدولي لإيجاد حلول لخلافات الدول الثلاث.

وفي نفس الشهر، خرجت وزارة الخزانة الأمريكية، فى بيان لها، لتؤكد أهمية عدم البدء فى ملء سد النهضة بدون إبرام اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان.

وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن الولايات المتحدة قامت بتسهيل إعداد اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي بناءً على الأحكام التي اقترحتها الفرق القانونية والتقنية في مصر وإثيوبيا والسودان وبمساهمة فنية من البنك الدولي، إلا أن الإدارة الاثيوبية وصفت الاتفاقية بـ”غير الدبلوماسية”، ما أعاد الاتفاقيات لمربع صفر.

ويرى المراقبون أن الولايات المتحدة ليس لها مصلحة مباشرة في المشروع، ويمنحها ما تقدمه من مساعدات للطرفين، إضافة لمكانتها المؤثرة داخل المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثقلاً يجعل كلمتها مسموعة لدى أطراف هذه القضية.

وبالنسبة للإدارة الأمريكية فإثيوبيا تلعب دورًا مهمًا في مواجهة تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له في منطقة القرن الإفريقي، بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لمصر في المنطقة، وتحرص واشنطن على بقاء علاقات جيدة مع الدولتين وتسعى حالياً لتقريب وجهات النظر بينهما.

مساعدة أمريكا والصين ودول أخرى

وتجدر الإشارة إلى أن المشروع يعتمد على التمويل الذاتي من إثيوبيا ثم المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، مع توجيه بعض المنح المقدمة من الهيئات المانحة مثل هيئة التنمية السويدية، والكندية والألمانية والإنجليزية إلى السد، هذا إلى جانب الدول المساعدة مثل أمريكا وإيطاليا والصين ودول أخرى مثل إيران وباكستان وتركيا وبعض الدول العربية.

 

بينما تشير الخبرات الدولية إلى أن اندلاع العنف حول المياه نادرًا ما يمثل خياراً استراتيجياً، وأن زيادة الفوائد النابعة من النهر تفتح المجال أمام التنمية البشرية والنمو الاقتصادي والتعاون الإقليمي، ومن النماذج التي تدل على أهمية التعاون “اللجنة الدائمة لمياه نهر السند” والمشرفة على معاهدة مشاركة المياه بين الهند وباكستان، والتي استمرت في عملها على الرغم من نشوب أكثر من حرب بين البلدين.

وكذلك تجربة “التشيك وبلغاريا”، فعند رغبة التشيك في إنشاء سد على نهر الدانوب تم رفع الأمر إلى المحكمة الدولية وترتب على ذلك الحكم بإيقاف تنفيذ المشروع.

اقرأ ايضًا: تهدئة أممية وبوادر انفراجة.. سد النهضة يعود لمسار واشنطن

دعم الصين

واتباعًا للموقف السابق، دعمت الصين والأمم المتحدة، الدعوات الموجهة لإثيوبيا والتي تطالبها باستئناف المحادثات حول خطتها لبدء ملء سد النهضة، وبحسب “بلومبيرج” الأمريكية، تريد إثيوبيا بدء ملء السد الكبير بالتزامن مع موسم الأمطار القادم في يوليو، فيما تصر مصر على أن يكون لها رأي في مدى سرعة ملئه.

وحثت الولايات المتحدة، التي تعتبر الدولتين من حلفائها الإقليميين المهمين، على حل المشكلة وديًا، بينما قال تشانج جوهوي، رئيس الشؤون السياسية في السفارة الصينية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا،”فيما يتعلق بقضية سد النهضة، نأمل أن يتم حل الخلافات بين البلدين من خلال الحوار والمفاوضات السلمية”.

وتعد الصين أكبر شريك تجاري لإثيوبيا، وتشير التقديرات أيضًا إلى أنها قدمت أكثر من 16 مليار دولار من القروض للدولة الواقعة في القرن الإفريقي، بما في ذلك ائتمان بقيمة 1.2 مليار دولار لبناء خطوط النقل التي ستصل بالمشروع.

كما تم تمويل التوربينات والمعدات الكهربائية المصاحبة لمحطات الطاقة الكهرومائية التي تكلفت حوالي 1.8 مليار دولار أمريكي من قبل البنوك الصينية.

الموقف المصري

في وقت سابق من هذا الشهر، اتهمت مصر إثيوبيا باتباع “سياسة أحادية الجانب”، وفقًا لرسالة إلى مجلس الأمن، وقالت إثيوبيا في ردها إنها ليس لديها أي التزامات قانونية لطلب موافقة مصر على ملء السد.

وقبل الخوض في استنئاف المفاوضات الثلاثية، أبلغت مصر كلا من روسيا وألمانيا وإيطاليا، قبولها العودة لطاولة المباحثات، شريطة عدم إقدام إثيوبيا على أي إجراءات أحادية بشأن السد، ومنها الملء، فضلا عن استمرار القاهرة في مشاورات دولية.

إلا أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية، قد صرح أمس السبت، بأنه ليس متفائلاً بتحقيق أى تقدم في المفاوضات الجارية حول سد النهضة، وذلك بسبب استمرار التعنت الإثيوبي، والذي ظهر جليًا خلال الاجتماعات التي تعقد حاليًا بين وزراء الموارد المائية في مصر والسودان وإثيوبيا.

 

وأشار المتحدث الرسمي، إلى أنه في الوقت الذي أبدت فيه مصر المزيد من المرونة خلال المباحثات وقبلت بورقة توفيقية أعدتها جمهورية السودان الشقيق تصلح لأن تكون أساساً للتفاوض بين الدول الثلاث، فإن إثيوبيا تقدمت، خلال الاجتماع بورقة لا تقدم أي ضمانات تؤمن دولتي المصب في فترات الجفاف والجفاف الممتد ولا توفر أي حماية لهما من الآثار والأضرار الجسيمة التي قد تترتب على ملء وتشغل سد النهضة.

وفي بيان بثته وسائل الإعلام الإثيوبية، الخميس الماضي، قالت وزارة المياه الإثيوبية إن دور الأطراف الخارجية “يجب ألا يتجاوز دور مراقبة المفاوضات وتبادل الممارسات الجيدة عندما تطلبها الدول الثلاث”.

اقرأ ايضًا: إثيوبيا تعَزْفُ منفردة.. السودان يرفض ملء سد النهضة بدون موافقة مصر

 لكن يبدو أن الرابح في صراع سد النهضة هو من سيمتلك أوراقا دبلوماسية وقانونية أقوى إن احتاج الأمر ذلك، فالمنطقة تعاني تداعيات جائحة “كورونا”، ولن تتعافى قبل 2021 على أقل تقدير، وليس بوسعها تحمل مواجهات صدامية مباشرة مستبعدة عادة لدى الطرفين المصري والإثيوبي.

وتعد تعبئة خزان السد القادر على استيعاب 74 مليار متر مكعب من المياه بين أبرز النقاط العالقة، وتخشى القاهرة أن تسرع أديس أبابا عملية ملء الخزان، ما من شأنه أن يخفض تدفق المياه إلى مصب النهر، وبالتالي على حصتها من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب.

صراعات داخلية

بينما يعتقد المراقبون أن الانتهاء من مل سد النهضة يمثل اختبارًا جديدًا لشعبية حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لاسيما وسط الوضع الداخلي المتأزم وتأثره بتداعيات كورونا .

ومخاطبة الداخل المتأزم، سواء بأزمات سياسية أو تداعيات كورونا، كانت واضحة في كلمة لرئيس الوزراء الإثيوبي، أمام برلمان بلاده في 8 يونيو الجاري، رغم أنه تلقى في اليوم التالي ضربة بإعلان رئيسة مجلس النواب، كيريا إبراهيم، استقالتها من منصبها، اعتراضًا على تأجيل الانتخابات، وخشية مما وصفتها بـ”ديكتاتوية في طور التكوين”.

وفي الاجتماع البرلماني، رفض “آبي أحمد” مطلب معارضيه بتشكيل حكومة انتقالية، بمجرد انتهاء ولايته في أكتوبر المقبل، في ظل قرار اتُخذ في مارس بتأجيل الانتخابات.

ونفى اتهامات معارضيه بمحاولة تمديد حكمه تحت غطاء وباء كورونا، الذي سجل في إثيوبيا حتى الثلاثاء 2336 إصابة، بينها 32 وفاة، في ظل إعلان حالة طوارئ بدأت في أبريل لمدة خمسة أشهر.

 

ولم يترك “آبي أحمد” الاجتماع البرلماني يمر دون الحديث عن السد، بالقول إن قرار ملء السد “لا رجعة فيها”، والتشديد على أن الهدف منه هو تنمية إثيوبيا من دون الإضرار بأحد.

وليس “آبي أحمد” فقط المتمسك بملء السد، حتى من دون اتفاق، فنائبه ديميك ميكونين، قال الأحد الماضي، إن بناء السد مستمر على قدم وساق، لبدء ملء المياه في الإطار الزمني المحدد له بموسم الأمطار هذا العام، بحسب الوكالة الإثيوبية الرسمية للأنباء.

وبشأن احتمالية إعاقة أزمة “كورونا” لملء السد، قال “أحمد” في الذكرى التاسعة لبدء إنشاء السد، في أبريل 2011: “رغم كون وباء كورونا أصبح تحديًا، فإننا نتوقع أن نرى عملية بدء تخزين مياه سد النهضة بداية الخريف”.