“مش تبقوا تحمضوا الصور قبل ما تعلقوها”.. جملة يقولها الفنان “محمد لطفي” الذي قدم شخصية “بيجامة” في فيلم “عيال حبيبة”، بطولة حمادة هلال، ومن تأليف أحمد عبد الله وإخراج مجدي الهواري، مرت الجملة مرور الكرام، منتزعة كمًا لا بأس به من الضحك والفكاهة، لكنها خلفت غصة لمن تجمعهم نفس السمة التي كان عليها الفنان سليمان عيد في الفيلم، فكان يجسد شخصية الجار ذي البشرة السوداء الذي يعلق صور أقاربه على الحائط، فيسخر منه “بيجامة” أحد أبطال الفيلم في محاولة لصنع الضحك على حساب أصحاب اللون الأسمر.

قدمت السينما المصرية أصحاب البشرة السوداء تارة بعنصرية من أجل انتزاع الضحكات، وتارة أخرى لبيان الظلم الذي يتعرضون له.

النمر الأسود

“النمر الأسود”، شخصية جسدها النجم المصري أحمد زكي، في فيلم يحمل نفس العنوان عام 1984، من إخراج عاطف سالم، وهي قصة كفاح حقيقية تدور أحداثها حول عامل مصري يدعى “محمد المصري” سافر إلى ألمانيا ليعمل بأحد المصانع، فتتوالى عليه المشكلات بسبب كونه “أسود البشرة”، إضافة لكونه مهاجرًا من دول العالم الثالث، في مرحلة كان لا يزال بعض الشباب الألمان متأثرًا بالفترة النازية، يفتعل معه زميله الألماني ذو البشرة البيضاء الكثير من المشكلات، ويدبر له مكائد عدة تنتهي بفصله من العمل، وقبل الوصول لمرحلة اليأس يتعرف على مدرب ملاكمة مصري يوناني فيعتبره صديقًا له، ويتدرب على يديه حتى يصبح بطلًا في الملاكمة.

وفي طريق كفاحه الطويل، يلتقي بفتاة ألمانية ابنة لأحد رجال الأعمال، فيقعا في الحب، لتواجهه نفس العقبة مرة أخرى بسبب بشرته السمراء، حيث يرفض والدها زواجهما ليس فقد بسبب فقره بل أيضًا بسبب لون بشرته، وهو ما ترجم في حوار بين محمد وحبيبته عندما قال لها: ” أبوكي مش عايز حفيده يطلع أسود”.

لكن الفيلم في النهاية ينتصر للمهاجر ذي البشرة السمراء، كما انتصر الواقع، فيحقق نجاحًا كبيرًا كملاكم ورجل أعمال.

عنترة بن شداد

قبل إنتاج “النمر الأسود” بأكثر من 20 عامًا قدم المخرج نيازي مصطفى فيلمه “عنترة بن شداد” بطولة الفنان فريد شوقي، وهي قصة تاريخية تجسد كفاح “فارس بني عبس” الذي ورث عن أمه “زبيبة” سواد لونها وقيود عبوديتها، وإثبات نسبه إلى أبيه شداد ابن قراد، ونيل مبتغاه بالزواج من حبيبته ابنة عمه عبلة بنت مالك، صراع عنصري طويل ومتجذر في شبه الجزيرة العربية، بين العبيد والأسياد.

رغم أن الفيلم انتصر للشخصية الرئيسية “عنترة” باعتلائه قيادة فرسان بني عبس بعد كفاح طويل، وزاوجه من ابنة عمه (قصة زواجه تخالف الكثير من المصادر التاريخية) إلا أن العمل لم ينتصر لذوي البشرة السمراء بشكل عام، بل انتصر لـ”عنترة” فقط، مكافأة على فروسيته وليس لحقه وسائر من هم مثله في الحرية.

ليس المقصود هنا أنه كان على صناع الفيلم تزييف التاريخ، أو خلق انتصار وهمي في شبه الجزيرة العربية، بل المقصود هو أنه كان على صناع العمل طرح قصة عنترة كجزء من قضية العبودية، وهو ما تم معالجته نوعًا ما في المسلسل السوري “عنترة بن شداد” من إخراج رامي حنا.

اللي بالي بالك

يحتضن “اللمبي” ابنته ببهجة مصطنعة قائلًا: “إيه صباع العجوة ده” مشهد يجمع النجم محمد سعد، بطل فيلم “اللي بالي بالك”، بطفلة ذات بشرة داكنة يظن أنها ابنته، وعندما يرى لونها لا يستطيع إيقاف نفسه عن إلقاء “الأفيه” ليتفاجأ أنها ليست ابنته فيقول : “آه ما انا قولت كدة، انتي بيضة وأنا أبيض ازاي نخلف صباع العجوة ده” ليتفجر المشهد عن كم كبير من العنصرية. و

في مشهد آخر من نفس الفيلم ، يتغزل “اللمبي” في زوجته قائلًا: “إيه الشمس اللي منورة الدنيا دي” لتظهر فجأة فتاة سمراء اللون فيقول: “إيه الليل اللي هجم ده”.

 

صعيدي في الجامعة الأمريكية

يناقش الفيلم قصة حياة شاب من أصول صعيدية، ويجسد شخصيته النجم محمد هنيدي الذي التحق بالجامعة الأمريكية، لكنه لم يستطع التخلي عن الشكل الخارجي، ورغم أن الشخصية الرئسية بالعمل التي يجسدها “هنيدي” تتعرض لتنمر كبير من الكثيرين على طريقة الكلام وشكل الملابس، إلا أن البطل عندما ينخرط في علاقة مع فتاة ليل سمراء اللون يقول لها في أحد المشاهد: “بتطفي النور ليه ما انتي مضلمة خلقة”، لينتهي المشهد بـ”هيستريا” من الضحك والعنصرية.

مع النماذج السابقة لا يمكننا القول إن السينما المصرية تعرضت بعمق لمشكلة التنمر والعنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء في مصر، أو بحثت بشكل واعٍ عن جذور الأزمة، بل على العكس فيمكن القول إنها كانت تغذي في بعض الأحيان تلك العنصرية، كما ظهر في المشاهد التي أشرنا إليها وجميعها ينتمي إلى حقبة “سينما الشباب”.

بين حبكتين دراميتين

يقول الدكتور عبد الله الشريف، أستاذ علم الاجتماع، لـ “360” إن السينما المصرية حصرت الصراع العنصري بين ذوات البشرة البيضاء والسمراء بين حبكتين دراميتين، الأولى صراع يشير لظلم، مثلما هو الحال في فيلم عنترة بن شداد، والثاني عن طريق الضحك والفكاهة مثل “صعيدي في الجامعة الأمريكية” و”عيال حبيبة”، وفي الحالتين لا أحد يستطيع أن ينكر أن كلا التناولين يتركان أثرًا في نفوس من يشاهد تلك الأعمال من ذوات البشرة السمراء، نظرًا لما تتركه السينما والدراما والفن عمومًا من أثر في نفوس المتلقي دائمًا، مشيرًا إلى أنه ينبغي في الفترة المقبلة مراعاة ذلك، وأن يهتم النقاد بنقد المشاهد التي يوجد بها تنمر أو عنصرية من أي نوع.