لا شك أن أزمة فيروس كورونا المستجد قد رمت بثقلها على القطاع الاقتصادي، فكبرى الاقتصاديات بالعالم تأثرت بشدة من الأزمة، ما تسبب في ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة، وتضرر القطاع الخاص أيضًا بشكل كبير، ولكن ذلك لا يغفل دوره في وقت الأزمات، ومسئولياته تجاه المجتمع.

في السنوات الأخيرة، برز مصطلح “المسئولية المجتمعية” للقطاع الخاص، والذي يهدف إلى إضفاء الطابع الإنساني والمعايير المجتمعية على أعمال القطاع التجاري الخاص، وجعله أكثر إسهاماً في تنمية المجتمع، خاصة في أوقات الأزمات.

وقد أطلق الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفى عنان، مبادرته الدولية لتعزيز مبادئ المسؤولية الاجتماعية فى المؤتمر الاقتصادى العالمى بدافوس في عام 1999.

 

المنظمات الدولية

وأكدت المنظمات الدولية المتخصصة على أهمية تبني شركات القطاع الخاص لمفهوم المسئولية الاجتماعية، مشيرين إلى الفائدة التي ستعود على القطاع الخاص من ذلك، والتي تتمثل في سهولة الحصول على قروض وزيادة النشاط الاقتصادي وتحسين مناخ وبيئة العمل.

إلا أن أزمة “كورونا” قد كشفت عن التباين الواضح في آراء أصحاب الرأسمالية في العالم، فبينما هناك تجارب تفهمت دورها المجتمعي، وأدركت أن الجميع من حكومات ومؤسسات وشركات خاصة وأفراد في قارب واحد يعملون معًا من أجل مصلحة الجميع، كان هناك فريق ضد ذلك، جعل الربح والاقتصاد هو الأولوية القصوى له.

وقد تجسد توجه هذا الفريق من القطاع الخاص في العديد من الممارسات التي هدفت للتربح من الأزمة، بغض النظر عن الدور المجتمعي، والذي ظهر في احتكار السلع الأساسية والمستلزمات الطبية والمطهرات ورفع أسعارها، والغش في مكوناتها بهدف تحيق أرباح أكبر، مع تسريح بعض العمالة وإنهاء عقودهم وتخفيض أجور العمال مقابل الاستمرار في العمل، وذلك بجانب العزوف عن المساهمات والتبرعات المادية، للمساهمة في احتواء الأزمة بحجة عدم توافر إيرادات لتحمل تلك الأعباء.

اقرأ ايضًا: كمامات مستعملة ومطهرات مغشوشة.. عندما تُجنى الأموال على حساب الصحة

وبحسب منظمة العمل الدولية، فقد توقعت أن يبلغ النقص في الوظائف جراء أزمة  كورونا 200 مليون وظيفة خلال الشهور المقبلة نتيجة تخفيض القوى العاملة، وتعتبر العمالة غير الرسمية هي الأكثر عرضة لفقد وظائفها وارتفاع معدلات البطالة بينها، حيث إنها أول من يتم الاستغناء عنه في وقت الأزمات، كما أنها تمثل نسبة مرتفعة من العاملين خارج القطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام، والتي تمثل حوالى 83 %في مصر.

خسائر القطاع الخاص

وطرحت أزمة “كورونا” مفهومًا جديدًا وهو”مقايضة الصحة العامة بالصحة الاقتصادية”، وبين تحقيق المكاسب وتجنب الخسائر للقطاع الخاص، برزت هذه المفاضلة من خلال دعوات لممارسة النشاط الاقتصادي وعودة الحياة الاقتصادية لطبيعتها، بحسب سلسلة أوراق لمعهد التخطيط القومي لمناقشة تداعيات كورونا على القطاع الخاص، في سلسلة أوارق أصدرها لمناقشة تداعيات الجائحة على القطاع الخاص.

ويبدو أن خسائر القطاع الخاص في ظل كورونا، دفعت متنبي هذه الدعوات، وهم رجال الأعمال والمستثمرين، لإغفال التضحية بمجموعة من أفراد المجتمع، وهذا يعنى إما بقاء المواطنين في المنازل وتحقيق التباعد الاجتماعي في سبيل إبطاء انتشار الفيروس وتكلفة هذا الخيار مرتفعة جدًا بالنسبة للقطاع الخاص، وإما فتح الأنشطة الاقتصادية ودوران عجلة الإنتاج حتى لا تتأثر الأحوال الاقتصادية، وهو ما يعنى التضحية بالصحة العامة وسلامة المواطنين، ويمثل ذلك مخاطرة كبيرة جدًا في حالة تفشى الفيروس، وعدم قدرة الدولة على السيطرة عليه صحيًا وعلاجيًا.

 

ويمكن القول إنه سواء تعارضت الآراء بشأن الإغلاق أو إعادة تسيير الأنشطة الاقتصادية، فإن ذلك يتوقف على مدى قدرة القطاع الخاص بأي دولة على التكيف والتوائم مع تبعات الأزمة وتأثيراتها سواء على المدى القصير أو المدى الطويل، وخاصة فيما يتعلق بتراجع المبيعات وحجم الخسائر والركود الاقتصادي وغيرها إلى جانب دور الحكومات في مساندة القطاع الخاص.

اقرأ ايضًا: “الصحة والتعليم” ما بعد “كورونا”.. اهتمام عالمي وأولوية مصرية

تجارب مضيئة

ورغم ذلك، فهناك تجارب مضيئة، وشركات رائدة ساهمت بدور كبير في مواجهة الأزمة بدافع المسئولية الاجتماعية، على المستوي الدولي أو المحلي.

ويأتي على رأس هذه الشركات، مجموعة “على بابا”، لمؤسسها “جاك ما”، التي  خصصت مبلغ 100 مليون يوان، حوالي 14.4  مليون دولار أمريكي، للمساعدة في العثور على لقاح لفيروس كورونا منها 5.8 مليون دولار تم توجيهما إلى منظمتين حكوميتين بحثيتين في الصين، بينما سيستخدم المبلغ المتبقي لدعم تدابير “الوقاية والعالج”.

والجدير بالذكر أن الخسائر المبدئية للشركة حتي نهاية شهر يناير 2020 وفي فترة لا تزيد عن 12 يومًا، تم تقدرها بنحو 320 مليون دولار .

بينما تصدرت شركة أمازون عناوين الأخبار في منتصف شهر أبريل 2020 بوصفها أبرز الرابحين من أزمة فيروس كورونا، بعد تدفق الزبائن إلى مواقعها للشراء حيث قدرت قيمة المدفوعات بنحو 11 ألف دولار/الثانية، وقد ارتفعت أسهم شركة أمازون إلى مستوى قياسي في أعقاب ذلك.

وبالرغم من إعلان الشركة عن خسائر للمرة الأولى منذ خمس سنوات قررت الشركة إنفاق 4 مليارات دولار لمواجهة تفشي أزمة كورونا، ويشمل هذا المبلغ توفير معدات الوقاية الشخصية للعاملين لديها، ولعمليات التعقيم والتعفير لمخازنها الضخمة، ويذكر أن حجم الأرباح التي حققتها شركة أمازون في الربع الأول من عام 2019 بلغ نحول مليارين ونصف المليار دولار .

وعلى المستوي المحلي، تعد تجربة مجموعة شركات “العربي” من النماذج التي يجب الإشادة بها، حيث قامت باعطاء عامليها إجازة أسبوعين مدفوعة الأجر، بالإضافة لقيامها بإمداد مستشفيات  الحميات والحجر الصحي بأجهزة لتنقية الهواء من خلال مؤسسة العربي لتنمية المجتمع، وذلك للمساهمة في علاج المصابين بكورونا.

علاوة على ذلك قيامها بتوصيل مساعدات غذائية، لأكثر من 30 ألف اسرة على مستوي الجمهورية كما تم عزل جميع العاملين على خطوط الإنتاج من خلال فواصل للحد من التقارب بين بعضهم البعض، بالإضافة إلى توفير أدوات الوقاية اللازمة لهم مثل القفازات البلاستيكية والأقنعة الطبية .

ولم يختلف الأمر مع شركة “أورانج” للاتصالات، حيث ساهمت الشركة في حل أزمة كورونا من خلال تقديم أحدث الحلول الرقمية والمالية لمساعدة عملائها على إنجاز المعاملات اليومية أثناء بقائهم في المنزل دون الحاجة للخروج، من خلال مباردة “ابقى آمن” لتصبح أول مشغل في مصر يبادر ويتفاعل بحملات مكثفة للتوعية والوقاية من كورونا .

 

اقرأ ايضًا: “زمن التباعد الاجتماعي”.. قواعد جديدة للتنقل بين شركات “المحمول”

كما تبرعت الشركة بمبلغ 5 ملايين جنيه لدعم آلاف الأسر المتضررة ماديًا من أزمة كورونا.

كذلك لفتت الدكتورة هبة السويدي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة “أهل مصر”، على دور مؤسستها في هذا الإطار، حيث أشارت في تصريحات سابقة إلى التعاون مع وزارتي الصحة والتضامن الاجتماعي، لتحويل 3 مباني بطاقة استيعابية 520 سريرا، وتكون تحت إشراف وإدارة وزارة الصحة، للمساهمة في الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لمواجهة انتشار الفيروس.

وقالت “السويدى”، إنه تم توقيع بروتوكول مع بنك مصر مؤخرًا لتجهيز 14 غرفة فى مستشفى “أهل مصر”، بأحدث المعدات والأجهزة الطبية اللازمة للمرضى وفقًا لأفضل المستويات العالمية.

ويرى خبراء واقتصاديون أنه رغم التجارب الدولية والمحلية الناجحة، في مساهمة القطاع الخاص بدور توعي ومجتمعي كبير، إلا أنها لا تمثل سوى نسبة محدودة جدًا من القطاع الخاص، الذي يعاني من تداعيات أزمة كورونا وخسائر مالية ضخمة تتسبب في بعض الأحيان في تراجع قدرته إلى حد كبير في القيام بالمسئولية المجتمعية سواء للعاملين به أو للمجتمع المحلى.