في ظل تداعيات فيروس “كورونا” على جميع مجالات الحياة، لاسيما الاقتصادية والاجتماعية، عرض معهد التخطيط القومي، التابع لوزارة التخطيط المصرية، ورقة عن الأزمة لتسليط الضوء على الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لها على العالم ككل، ومصر بشكل خاص.

وتحت عنوان “مصر وعالم كورونا، وما بعد كورونا”، أصدر معهد التخطيط القومي سلسلة أوراق بالتنسيق مع قسم الدراسات المستقبلية بمركز الأساليب التخطيطية بالمعهد، لمناقشة التداعيات المحتملة للجائحة على مصر والفضاءات المحيطة المؤثرة إقليميًا وعالميًا.

 

المسئولية المجتمعية والقطاع الخاص

وفي الإصدار العاشر من سلسلة أوراق الأزمة بعنوان “المسئولية المجتمعية للقطاع الخاص في مواجهة أزمة كورونا “، تطرق المعهد في هذه الورقة إلى الآثار الاقتصادية لأزمة كورونا على شركات القطاع الخاص، والإجراءات المتخذة من قبل الدولة لمساندة القطاع الخاص، ودور مقايضة الصحة العامة بالصحة الاقتصادية في احتواء الأزمة”، والإجراءات التي يجب على القطاع الخاص اتباعها للمساهمة في احتواء الأزمة من واقع المسئولية المجتمعية.

وتوقعت منظمة العمل الدولية أن يبلغ النقص في الوظائف جراء الأزمة 200 مليون وظيفة خلال الشهور المقبلة نتيجة تخفيض القوى العاملة وتعتبر العمالة غير الرسمية هي الأكثر عرضة لفقد وظائفها وارتفاع معدلات البطالة بينها، حيث إنها أول من يتم الاستغناء عنه في وقت الأزمات، كما أنها تمثل نسبة مرتفعة من العاملين خارج القطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام ، والتي تمثل حوالى 83 % في مصر.

وبشأن مصر، أشارت الورقة إلى تنوع الآثار الناجمة عن الأزمة على القطاعات المختلفة، فبعض القطاعات تأثرت سلبًا بالأزمة وتضررت بشدة  مثل قطاع الطيران ووسائل النقل وأعمال البناء والسياحة والفنادق والمطاعم، في حين استفادت بعض القطاعات الأخرى من الأزمة مثل صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية والصيدليات، والتواصل المرئي بالفيديو والاتصالات والتجارة الإلكترونية.

كما كانت الآثار السلبية كبيرة على حرية النقل وغيرها من الأنشطة إذ تأثرت سلاسل الإمداد العالمية وحركة التجارة الدولية وأنشطة الاستهلاك والاستثمار والتصنيع وازدادت مستويات اللايقين، كما انخفضت ثقة المستثمرين والمستهلكين وزاد من ذلك عدم وجود توقيت زمنى لانتهاء الأزمة وزيادة التكهنات باستمرارها لمدة من 2 -3 سنوات.

وبالرغم من التحديات المصاحبة للإصلاح الاقتصادي التي كانت واجهتها شركات القطاع الخاص قبل الأزمة إلا أن أزمة كورونا ضاعفت من وتيرة التحديات السابقة، وأصبح الأمر أكثر صعوبة حيث أصبحت شركات القطاع الخاص تعاني من نقص في السيولة نتيجة تراجع الإنتاج والمبيعات، ومن ثم تراجعت قدرتها على دفع الضرائب للحكومة والأجور للعاملين، وهو دفعها لمواجهة بعض المشاكل في سير العمل، كتغير مواعيد العمل والطاقة الإنتاجية.

57 ألف جنيه حصة كل مواطن.. هل لا زال الدين العام في الحدود الآمنة؟

الصحة الاقتصادية

وأكدت المنظمات الدولية المتخصصة على أهمية تبني شركات القطاع الخاص لمفهوم المسئولية الاجتماعية باعتباره أحد أهم المفاهيم التي تسعى لإضفاء الطابع الإنساني والأخلاقي والمعايير المجتمعية على أعمال القطاع الخاص الذى يهدف أساسًا إلى تحقيق الربح.

إذا يسهم تبنى القطاع الخاص لمفهوم المسئولية الاجتماعية على وجه العموم في تحقيق العديد من المزايا، أهمها تحسين سمعة شركاته، وسهولة حصوله على الائتمان المصرفي، وزيادة المصداقية والثقة بين شركاته وعملائها وبينه وبين الحكومات، مما يرفع مستويات الأداء والنشاط الاقتصادي، علاوة على تحسين مناخ وبيئة العمل داخل الشركات مما يزيد من الانتماء .

وطرحت أزمة “كورونا” مفهومًا جديدًا وهو”مقايضة الصحة العامة بالصحة الاقتصادية”، وبين تحقيق المكاسب وتجنب الخسائر للقطاع الخاص، برزت هذه المفاضلة من خلال دعوات لممارسة النشاط الاقتصادي وعودة الحياة الاقتصادية لطبيعتها.

ويبدو أن الخسائر الاقتصادية دفعت متنبي هذه الدعوات لإغفال التضحية بمجموعة من أفراد المجتمع، وهذا يعنى إما بقاء المواطنين في المنازل وتحقيق التباعد الاجتماعي في سبيل إبطاء انتشار الفيروس وتكلفة هذا الخيار مرتفعة جدًا بالنسبة للقطاع الخاص، أو فتح الأنشطة الاقتصادية ودوران عجلة الإنتاج حتى لا تتأثر الأحوال الاقتصادية، وهو ما يعنى التضحية بالصحة العامة وسلامة المواطنين ويمثل ذلك مخاطرة كبيرة جدا في حالة تفشى عدم قدرة الدولة على السيطرة عليه صحيا وعلاجيا.

في المقابل، ظهرت بعض الآراء المعارضة ما بين الإغلاق والذى قد يؤدى إلى الانهيار المؤسسي والسوقي وذلك على غرار ما حدث عقب تفشى فيروس إيبولا عام 2014 في سيراليون وما نتج عنه من مجاعات، والإغلاق الجزئي والقدرة على تحمل تكلفة المرض والعالج، ويمكن القول أنه سواء تعارضت الآراء بشأن الإغلاق أو إعادة تسيير الأنشطة الاقتصادية فإن ذلك يتوقف على مدى قدرة القطاع الخاص بأي دولة على التكيف والتوائم مع تبعات الأزمة وتأثيراتها سواء على المدى القصير أو المدى الطويل وخاصة فيما يتعلق بتراجع المبيعات وحجم الخسائر والركود الاقتصادي وغيرها إلى جانب دور الحكومات في مساندة القطاع الخاص.

وقد أدت هذه المفاضلة إلى ضرورة توافق الحكومة والقطاع الخاص على حزمة من الإجراءات لتحقيق الصحة العامة والحفاظ على سلامة المواطنين ومنهم العمال في القطاع الخاص، وفى نفس الوقت الحفاظ على الصحة الاقتصادية وعودة النشاط الاقتصادي لطبيعته، وهو ما أصبح اتجاها عالميا منذ منتصف مايو 2030 ،وبدأت الحكومات في طرح إجراءات للتعايش مع تلك الجائحة مع الحفاظ على سالمة المواطنين وهو ما يمكن أن يعطي أولوية للصحة الاقتصادية على حساب الصحة العامة.

 

الحفاظ على السلامة العامة

ومن هذا المنطلق، طرحت الورقة بعض الإجراءات والسياسيات التي يمكن اتباعها للحفاظ على الصحة العامة وسلامة العمال والمواطنين، موضحة أن هناك العديد من الإجراءات التي يمكن للقطاع الخاص القيام بها للتخفيف من آثار أزمة كورونا، وذلك من واقع المسئولية الاجتماعية، وأهم تلك الإجراءات ما يتعلق بحماية العاملين في شركاته ومؤسساته والمحافظة على حقوقهم في العمل وعدم تسريحهم وإعطائهم أجورهم كاملة غير منقوصة، حيث يجب أن يدرك القطاع الخاص أن ما سيقدمه للعاملين به سيكون بمثابة رصيد مستقبلي له يتمثل في زيادة ولاء العاملين للمؤسسة وزيادة الإنتاجية وتحسين سمعة شركاته، ويمكن اعتباره استثمارًا في هؤلاء العاملين من أجل عدم التفريط في هذه العمالة وما تمتلكه من خبرات ومهارات قد لا تتوافر للشركات فيما بعد.

وتتمثل الإجراءات التي يقترح أن يقوم بها القطاع الخاص لحماية سلامة العاملين والمواطنين في الآتي، تحقيق التباعد بين العمال في الشركات للمحافظة على صحتهم وتحقيق مستوى أمان اجتماعي كاف، وتطبيق العمل عن بعد إن أمكن لإنجاز أعمال الشركات من خلال التطبيقات السحابية المختلفة.

كما ناقشت الورقة، السياسات والإجراءات الخاصة بحماية المجتمع المحلى من تداعيات الأزمة، والتي لخصتها في تقديم جزء من خدمات الشركات ومنتجاتها بأسعار مخفضة وبهامش ربح محدود للتخفيف عن كاهل المواطنين.

 

ولقراءة الروقة كاملة انقر هنا..