على مدى عقود، استطاعت إيران بناء شبكة من الميليشيات التابعة أو المتحالفة معها داخل المنطقة العربية، لضمان الحفاظ على نفوذها، وضمان استمرار تأثير نظام الملالي.

إيران التي تلقب بالدولة “الثعلب” لما تمتلكه من أدوات دبلوماسية، تُصنف على أنها من أفضل الدبلوماسيات العالمية، وكذلك لقوتها العسكرية الخاطفة التي تمكنها من خوض أعتى المعارك، وتحقيق نتائج مرضية لقيادتها، وكان قائد فيلق القدس السابق، الإيراني قاسم سليماني، والذي قُتل مطلع العام الحالي في غارة أمريكية بالقرب من مطار بغداد بالعراق، أهم أدوات نفوذها خارج حدودها.

تولى “سليماني” قيادة فيلق القدس في الحرس الثوري (جيش الجمهورية الإيرانية خارج أراضيها) في عام 1998، وقام بعدة مهام عسكرية وسياسية خارج بلاده، حيث يعتبر المسؤول عن عمليات إيران السرية خارج حدودها، إضافة لدوره في العراق، كما اتهمته الولايات المتحدة الأمريكية بأنه المسؤول عن مقتل المئات من أفراد القوات الأمريكية وقوات التحالف بالعراق، خلال  الأشهر القليلة التي سبقت مقتله.

 

أحدث مقتل “سليماني”، هزة عنيفة للهيمنة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن إلى أي مدى تأثرت تلك الهيمنة بمقتله، خاصة مع التشكيك في كفاءة خليفته إسماعيل قآاني؟.

الرجل الثاني في إيران

يقول الدكتور نيما مينا، أستاذ الدراسات الإيرانية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بلندن، لصحيفة “أراب نيوز” البريطانية: إن مركزية سليماني في الجيش وأجهزة السياسة الخارجية لإيران لا يمكن التشكيك فيها، سليماني كان ثاني أقوى رجل في إيران، بعد المرشد الإيراني الأعلى “على خامنئي”، يمكنك التأكد من ذلك، إلا أنه لايمكن قول ذلك على خليفته إسماعيل قاآني”.

اقرأ أيضًا:

غضب اليمين المتطرف من رفض العنصرية.. مخاوف من الانتقام ومواجهات في الأفق

ويضيف: “خلال تنصيب، إسماعيل قاآني، خليفة سليماني، تعهد بمواصلة العمل نحو الهدف المركزي لسليماني، وهو إزالة الوجود الأمريكي من المنطقة، إلا أن قلة خبرته في الشرق الأوسط تطرح الأسئلة حول قدرته على السير على خطى سليماني”.

تقلص النفوذ بالعراق

من جانبه يقول قائد القوات الأمريكية الجنرال كينيث ف. ماكنزي جونيور: “أعتقد أن قتل سليماني كان له تأثير كبير في إنشاء وإعادة تأسيس شكل تقريبي من الردع لإيران”، دون أن يصرح لا هو ولا أحد من القادة العسكريين الأمريكيين، بما هو سر قوة “سليماني” الحقيقية الذي يبدو أنه دفن معه.

في العراق، يبدو أن النفوذ الإيراني تراجع بشكل كبير، وذلك مع تنصيب رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي، حيث واجه النفوذ الإيراني عدة انتكاسات، خاصة الفشل في تعيين رئيس وزراء موالٍ لإيران.

ووفقًا لشبكة راديو فردا الإيرانية، فقد تفقد إيران السيطرة على الميلشيات الموالية لها في العراق “الحشد الشعبي”، حيث خابت آمال الفصائل الموالية لها في تلقي الدعم المادي والمالي من قبل طهران، بعدما زارها قائد فيلق القدس الجديد إسماعيل قآاني خليفة “سليماني” خاليًا إلا من هدايا رمزية.

زمن الضعف

وترى الباحثة في الشأن الإيراني سمية عسلة، أن مقتل “سليماني”، الراعي الخارجي الأهمّ للميليشيات التابعة لإيران والعمليات الإرهابية التي تقوم بها خارج إيران، وحلقة الوصل بين الملالي وداعش، جاء في زمن ضعف لإيران وحلفائها في العراق.

وتضيف “عسلة” في تصريحات خاصة لـ “مصر 360″، أنه في الأشهر الماضية، عبر المحتجّون العراقيون عن غضبهم من دور الجهات التابعة لإيران وقوّات الحشد الشعبي في قمع المحتجين واستخدام العنف مما أسقط عدد كبير من الشهداء العراقيين وصل إلى  ١٥٠٠ عراقي في المظاهرات الأخيرة بخلاف التعدي على النساء العراقيات المتظاهرات ضد التدخل الإيراني وخطفهن من أمام منازلهن، ممّا غذى عزيمة المواطنين العراقيين الشيعة منهم والسنة، لخلع واستبعاد هذه المجموعات الموالية لإيران من السلطة العراقية ومحاربتها.

 

 

وتتابع “عسلة”، أن عدم اليقين السياسي وتزعزع الثقة في إيران لدى المجموعات الموالية لها، ازداد بشكل كبير في 3 يناير الماضي عندما نجحت طائرة أمريكية في النيل من سليماني وعدد من رجاله.

مراكز القوى

وتشير “عسلة” إلى أن مقتل “سليماني” شكل فرصة لإعادة توزيع مراكز القوى داخل  النظام السياسي الإيراني، عبر تبديل مواقع بعض القيادات من مؤسسة لأخرى بما يؤدي في نهاية المطاف لتصاعد نفوذ التيار المتشدد داخل النخبة السياسية الإيرانية، تزامنًا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية لمجلس الشورى الإسلامي “البرلمان” في فبراير الماضي، وبعدها الانتخابات الرئاسية في مايو 2021.

اقرأ أيضًا:

“محاصرة التطرف”.. النرويج تسجن “تلميذ” منفذ مذبحة نيوزيلاندا 21 عامًا

وتؤكد أنه بات واضحًا أن الميليشيات الإيرانية بدأت تضعف على الأرض وأصبح الحشد الشعبي ذيل إيران في العراق لا يمتلك أي قوة سياسية يضغط بها على حكومة الكاظمي الجديدة، ولا حتى على الشعب العراقي، مشيرة إلى أن هذا برز بوضوح في منع دخول إسماعيل قاآني العراق إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول مثله مثل أي سائح عادي.