جدل كبير وتباين في الآراء انتشر عقب انتحار الناشطة المصرية سارة حجازي، في كندا، بعد أن تركت رسالة تتحدث فيها عن قسوة تجربتها في الحياة التي لم تتحمل البقاء فيها كثيراً.

أثارت رسالة “سارة” تساؤلات عديدة ودفعت كثيرين للبحث في تفاصيل حياتها وما مرت به من تحولات، ومن ثم ما الذي دفعها للانتحار؟، كاشفة عن نماذج كثيرة تتشابه حالاتهم معها من حيث الضغوط وأسباب الانتحار.

ومن هؤلاء من انتحر بالفعل، ومنهم من فشل وعاد للحياة من جديد ليروي قصته عن هذه التجربة.

تحت عربة المترو

تقف بمفردها تتطلع لأنوار القطار المقبلة من بعيد، تتأهب وتستعد جيداً للقفزة الأخيرة في حياتها، تتأرجح ذكرياتها، يمر شريط حياتها أمام أعينها في لحظات، ولا يتحرك لها ساكناً فقرارها كان أقوى من عمر السعادة القصير الذي عاشته “فتاة المترو”، التي أقدمت على الانتحار بدمٍ بارد، تمتد يد مرتعشة لتلتقطها سريعاً وتنقذها في اللحظات الأخيرة قبل أن يدهسها القطار، ليُكتب لها عمر جديد، تدخل “سمر” في حالة إغماء تفوق منها لتجد نفسها في مستشفى المنيرة العام عام 2019 لتخرج بعد الحادث فتاة جديدة.

 

تعول أسرتها

تقول “سمر” إنها مرت بأزمة نفسية حادة بسبب ضغوط الحياة، وبعض المشاكل الاقتصادية فهي شابة عشرينية مسؤولة عن أسرة من 4 أفراد هي من تعولهم، وبعد مساعدتها لهم طوال 5 سنوات منذ وفاة والدها تسببت لها تلك العائلة في صدمات عدة، بدأت برفضهم زواجها بحجة أنها تساعدهم مادياً وأن الزواج سيحرم العائلة كلها من مساعدتها، فهي تعمل صباحاً في متجر لبيع الملابس بمنطقة مصر الجديدة، ومساءً تعمل في أحد مراكز التجميل، وتتحصل على مبالغ كبيرة خلال الشهر يستفاد منها أمها و3 أشقاء أصغر منها.

حاولت “سمر” الانتحار في لحظة يأس، وتقول إنها ندمت وبشدة على تلك الخطوة، وتشكر الله على حمايتها في تلك اللحظة، فلا شيء يستحق أن تخسر حياتها بسببه، هكذا تؤكد.

رفض ارتباط

أما هبة محمد، البالغة من العمر 23 عاماً ، فأقدمت على الانتحار بتناولها أقراص مضاد حيوي، بعدما رفض والدها ارتباطها بشاب زميلها في الجامعة، وبعد دخولها في غيبوبة استمرت 48 ساعة استطاع الأطباء إنقاذها.

تروي “هبة” أن هذه المآساة حدثت لها عام 2017، وشعر والدها وقتها بندم كبير دفعه للموافقة على العريس الذي تريده، حفاظاً على حياة ابنته حتى لا تقدم على الانتحار مرة أخرى.

 

وأثبت الأيام رجاحة رأي الأب أكثر من ابنته، فطلبت “هبة” الطلاق من الرجل الذي اختارته بعد 6 أشهر فقط من الزواج، وعن إحساسها الآن بعد محاولة قتل نفسها من أجل هذا الرجل طالبت هي بنفسها الابتعاد عنه بعد فترة وجيزة من الزواج تقول: “أشعر بغباء شديد وضعف ثقة بنفسي .. رأي والدي كان صحيحًا.. ولا أتخيل إقبالي على إنهاء حياتي مرة أخرى تحت أي سبب”.

لم يقتصر الانتحار على الإناث فحسب، فهناك تجارب لذكور أقبلوا هم أيضًا على إنهاء حياتهم لأسباب عدة، كان من بينهم طارق الأسيوطي، الذي تم إنقاذه بعد إلقاء نفسه في نهر النيل عام 2016، وقد كان عمره وقتها 22 عامًا.

التعيين في النيابة

يقول طارق حصلت على ليسانس الحقوق وقتها بتقدير عام جيد جداً وكنت أنتظر تعيني في النيابة إلا أن هذا لم يحدث، الأمر الذي ضاعف معاناتي حيث كنت أعمل في محل فطائر، بجانب دراستي لمساعدة أسرتي البسيطة على الحياة وتعليم شقيقي الأصغر.

كان ينتظر أن تكلل جهوده بالتعيين والمنصب المشرف، وعندما لم يجد ما ينتظر قرر إنهاء معاناته بيديه، وألقى نفسه في نهر النيل في أحد أيام شهر سبتمبر 2016، إلا أن تم إنقاذه على يد أحد المواطنين الذين يحمل طارق جميله في عنقه إلى الآن، موضحاً أنه تم تعينيه في وظيفة مرموقة لم يكن يحلم بها، وهو يتذكر تلك الأيام ويسخر منها الآن، وينصح “طارق” أي شخص بعدم الإقبال أبداً على تلك الخطوة التي ربما لم يجد فيها من ينقذ حياته.

أرقام ضخمة

أفادت منظمة الصحة العالمية، بأن أكثر من 800 ألف شخصًا يتوفون سنويا بالانتحار في العالم، أي ما يعادل حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية تقريبًا، وتحدث 75% من حالات الانتحار في الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل.

وعلى صعيد متصل تقول “نادية محمد” أستاذ علم النفس الاجتماعي أن الانتحار له أسباب عديدة يأتي على رأسها  الضغوط النفسية والاجتماعية التي يمر بها الأفراد خاصة خلال تلك الفترة بسبب ارتفاع نسبة القلق والتوتر لدى الجميع، بالإضافة لتدهور الأحوال المعيشية وارتفاع الأسعار، وهو ما يضغط على الأفراد ويزيد معدلات إصابتهم بالإكتئاب ومنه لضغوط أكثر.

وأوحت أن هناك عدة خطوات من الممكن أن تساعد في الحد وإيقاف حالات الانتحار، وتتضمن  العلاج والرعاية للمصابين باضطرابات نفسية ومن يعاني من الألم المزمن والاضطرابات العاطفية الحادة، وتقليل طرق الحصول على وسائل الانتحار مثل الأسلحة النارية وبعض أنواع الأدوية والرعاية المستمرة وتوفير الدعم النفسي لمن حاول الانتحار سابقا.

أشهر المنتحرين

الانتحار لم يكن من نصيب الطبقات المتوسطة فحسب أو الذين يعانون من أزمات اقتصادية، فهناك عدد من الأسماء الشهيرة انضمت لقائمة المنتحرين كان من بينها زعيم الحزب النازي أدولف هتلر، الكاتب إرنست همنجواي صاحب جائزة نوبل في الأدب، الملكة كيلوبترا، الفنان فان جوخ، الممثلة والعارضة مارلين مونرو، المغنية داليدا والتي كانت لها رسالة شهيرة قبل وفاتها تقول خلالها “سامحوني الحياه لم تعد تحتمل” وغيرهم من الأسماء الشهيرة.

وقد تعددت الأسباب والانتحار واحد، وهي النظرية التي أقرتها جميع محاولات الانتحار مؤخراً فبعض الأفراد يستخدمون الأقراص المنومة أو سم الفئران أو إلقاء أنفسهم من أماكن شاهقة أو في النيل، أو على عجلات المترو أو أمام القطارات، بالإضافة لبعض الأفراد الذين يلجأون لحرق أنفسهم أو الشنق أو قطع شرايين اليد أو إطلاق النار.