كانت في حياتي نوعان من التعليم، الأول يأتي من الكتب المدرسية والتعاليم المنزلي، والثاني من العمل، فعندما كنت مسئولاً عن “مستشعر إلكتروني” في طائرة هليكوبتر ثقيلة في شمال المحيط الأطلسي، مهمتها رصد الغواصات المعادية والبحث والإنقاذ، كانت أول مرة أرى صاروخًا باليستيًا محمولًا على غواصة يمكن أن يدمر قارة كاملة، وهناك غواصات تحمل 224 رأساً نووياً، تذكرت كلمات روبرت أوبنهايمر ، صاحب الفضل في اختراع القنبلة النووية، الذي قال إنها أصبحت سلاحاً للموت، لتدمير العالم، رؤية مثل هذه الآلة تتحرك على سطح المحيط تمنحك نظرة ثاقبة حول الكيفية التي من الممكن أن ينتهي بها العالم.

المرحلة الثانية في معرفة العالم الحقيقي كانت عندما عملت ضابط استخبارات خلال الحرب في يوغوسلافيا السابقة، كنت قد قرأت عن الحرب، لكن رؤية الموت والدمار بنفسك غالباً ستغير حياتك، لم تكن يوغوسلافيا دولة مثالية في الثمانينيات، ولكن كان لديها بنية تحتية حديثة، ونظام رعاية صحية فعال وكان معظم الناس يأكلون ويعيشون في سلام.،من المثير للدهشة أن الجماعات العرقية الرئيسية، التي أجبرت على العيش معًا بعد الحرب العالمية الثانية كانت متعاونة، كانت الأجيال الأخيرة من الثمانينيات تتزاوج بالفعل، تزوج الكروات من الصرب، تزوج الصرب من السلوفينيين، كان المسلمون يتزوجون من الكروات والصرب، كان أطفالهم قادرين على اللعب في الشارع معًا.

لكن عدم الاستقرار في أواخر الثمانينيات غيّر كل ذلك، بعد وفاة المؤسس جوزيف تيتو، فقدت الأيديولوجيته التأسيسية لشكل ناعم من الشيوعية جاذبيتها، كانت سلوفينيا تميل بوضوح نحو أوروبا والاتحاد الأوروبي، تم تقسيم الكروات، رأى البعض أن أوروبا هي المستقبل، لكن البعض الآخر، ولا سيما أولئك الكروات في البوسنة، كانوا يميلون نحو التاريخ وسياسات اليمين المتطرف في الماضي، استخدمت الكثير من دعايتهم صور الحرب العالمية الفاشية، تم تقسيم الصرب أيضًا، لكن العديد منهم تأثروا بشدة بالإيديولوجية الاشتراكية والشيوعية التي كانت ذات إيحاءات عنيفة بشكل كبير.

لكن الجزء المثير للاهتمام كان المسلمون البوسنيون، لم يكونوا مجموعة دينية خاصة أو مجموعة متدينة من الناس، المساجد كانت قليلة ومتباعدة، أكل معظمهم منتجات لحم الخنزير المدخنة الشائعة في المنطقة، لكن قيادة “جمهورية” البوسنة التي تم إعلانها حديثاً تأثرت بشدة بجماعة الإخوان المسلمين وإيديولوجية الإسلاميين، لم يكن أداء الرئيس علي عزت بيجوفيتش جيدًا تحت قيادة يوغوسلافيا، تأثر عزت بيجوفيتش سياسياً بالرابطة الإسلامية المعروفة باسم “ملادي مسلماني” أو “الشباب المسلم”، لقد كانوا نتاج الإخوان المسلمين في مصر، تم سجن عزت بيجوفيتش لأول مرة بسبب آرائه الإسلامية في عام 1946، وتم حظر رابطة “الشباب المسلم”، الذي تشكل خلال الحرب العالمية الثانية في عام 1941، أخيرًا في عام 1949، تم سجن عزت بيجوفيتش مرة أخرى في عام 1983 بعد محاكمة 13 مسلمًا في يوغوسلافيا، في مارس 1990 ، بينما كانت يوغوسلافيا تعاني حاول عزت بيجوفيتش تشكيل حزب سياسي جديد يسمى الحزب الإسلامي اليوغوسلافي، تم رفض هذه الفكرة، لذلك تغير الاسم إلى “حزب العمل الديمقراطي”.

عندما بدأ تفككت البوسنة بالفعل في أبريل عام 1992، كان عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة، أو على الأقل أجزاء صغيرة منها كانت تحت سيطرة المسلمين، لم تستغرق الطبيعة الإسلامية لحكومته وقتاً طويلًا، بحلول يونيو 1992 ، كانت حكومة عزت بيجوفيتش قد اتفقت مع إيران على إرسال فيلق الحرس الثوري الإيراني إلى البوسنة للقتال نيابة عن المسلمين.

فماذا كان الدرس لمراقب أمن الخارج مثلي؟، ما الذي يمكن أن تتعلمه من القتل الجماعي والاغتصاب الجماعي والمعسكرات؟، ما الذي يمكن تتعلمه من بلد تمكنت فيه المجموعات العرقية الرئيسية من العيش معًا، ولكن بعد التفكك؟، تعرف نفسك على أنك صربي أو كرواتي أو مسلم في البوسنة، ولابد أن تعمل لصالح هذه المجموعة أو تلك وإلا سوف يتم قتلك، وإذا قلت إنك متزوج من عرقية أخرى أو إنك ولدت من أب وأم مختلفين عرقيًا، أو أن تقول إنك تعارض النقاء العرقي، فهذا كافياً لقتلك.

باختصار، أصبحت الهوية هي الشعار المطلق لكل شيء في البوسنة، كانت حرفيًا مسألة حياة أو موت.

عدت إلى البوسنة وكرواتيا وصربيا ثلاث مرات أخرى، مرتين من خلال عملي كـ”استخبارات مدني” ومرة ​​كمشرف على الانتخابات من خلال منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1998.

وبعد عدة سنوات، طلبت مني الحكومة الكندية مراجعة الجماعات المتطرفة والإرهابية في كندا، كان المراجعة تركز بشكل خاص على تلك الجماعات التي ربما كانت تستخدم جمعيات خيرية فيدرالية في كندا لجمع الأموال لدعم التطرف والإرهاب، كان في الحكومة الكندية من يدركون أنه ربما كان هناك جمع أموال للإرهاب في كندا، لكنهم لم يتمكنوا من وضع الصورة الكبيرة معًا، بعد 911 ، اكتشفوا أن بعض التمويل لتنظيم القاعدة كان قادمًا من كندا، وقد مر من خلال الجمعيات الخيرية الفيدرالية، والسؤال الذي كان يواجههم هو ما إذا كانت هذه الممارسة لا تزال مستمرة وهل تزيد؟، لم تركز المراجعة فقط على الجماعات الإسلامية، ولكن أيضًا على مجموعة متنوعة من المتطرفين اليساريين وغيرهم من الجماعات المتطرفة.

نتائج البحث كانت مفاجئة لي، عدد من هذه الجماعات التي نشطت في كندا تتطابق مع الجماعات التي كانت نشطة في البوسنة، كان الأمر الأكثر إزعاجًا بالنسبة لي هو أن إيديولوجية هذه الجماعات في كندا والبوسنة معادية بشكل واضح للديمقراطية وحرية التعبير وحقوق المرأة والدستور في كندا.

كان للبحث بعض النتائج غير المباشرة كذلك، هناك عدد من الجماعات المتطرفة العاملة في كندا تعمل أيضًا تحت أسماء مماثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانا على علاقات مع مجموعتين أوروبيتين.

لم تعد عملية نشر الفكر الإسلامي المتطرف بتمويل من دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر والكويت، مجرد أمر شرق أوسطي، كان من الواضح تمامًا أن مجموعات مثل جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي والرابطة العالمية للشباب المسلم وغيرها تهدف حقًا إلى أن تكون مؤسسات عالمية، وكانوا ينجحون.

رأيت في البوسنة وكرواتيا بعيني كيف أن هذه الأيديولوجيا تخلق العنف الاغتصاب الجماعي والإبادة الجماعية، في نهاية المطاف، تؤدي ممارسة التطرف في أي مكان إلى العنف بسبب الطبيعة المتفوقة التي تؤمن بها هذه الجماعات.

كندا والولايات المتحدة وأوروبا تسير للأسف في نفس الطريق، الكثير من هذا مدفوع من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل الإخوان، ولكن هناك أيضًا مشكلة كبيرة مع ما يسمى الجماعات الماركسية التقدمية أو الثقافية، والأسوأ من ذلك، أنهم غالبًا ما يتعاونون مع بعضهم البعض لأن كلاهما شمولي بطبيعته، ومناهض للديمقراطية، ومناهض لحرية التعبير ويعارضان تمامًا الدولة التي تتساوى فيها حقوق المواطنين.

للأسف لم يكن القادة السياسيون للغرب قادرين على تعلم أي شيء، من صراعات مثل تلك في البوسنة على الرغم من أنها حدثت حرفياً في فنائنا الخلفي، إن العنف الذي نراه الآن في الولايات المتحدة ليس سوى البداية، مع استمرار انهيار الاقتصاد وتوسع الأزمة المالية، ستستمر الاضطرابات الاجتماعية في الانتشار.

سيتعلمون فقط عندما يواجهون عنفًا واسعًا، سيبدأ ساسة الغرب في النظر وراء الستارة لرؤية ما هو أصل العنف، ولكن بحلول ذلك الوقت قد يكون الوقت قد فات.

كندا – توم كويجان