جذب بريق  الذهب المصريين منذ قديم الزمن، فالآثار المصرية تزخر بمئات الرسومات التي تشرح باستفاضة خريطة استخدامه، وعلى رأس المكتشفات التي تؤكد قدرة وبراعة المصريين في هذا، البردية التي تم اكتشافها أوائل القرن الـ 19 والتي تعود لعام 1400 قبل الميلاد وتحتوي على خريطة مناجم وتضم نحو 120 منجم في مصر القديمة، وفي العصر الحديث تم رصد عدد المناجم وتقدر بنحو 254 منجما أكبرها على الإطلاق هو منجم “السكري” الخاضع في إدارته للحكومة المصرية.

ثقتفة اقتناء الذهب

الذهب من المعادن التي لها طابع خاص في نفوس المصريين، ارتبطوا به منذ القدم ليس فقط بزينة المرأة، بل وتحول إلى أداة لكسب ودها ورضاها، وارتبط في النفوس بالتهادي، إلا أنه في الطقوس الفرعونية كان مرتبطا إلى حد كبير بالطقوس الجنائزية، لما كانوا يعتقدونه عنه من خلود، فلونه لا يتغير لذلك نسبوه لأشعة الشمس التي عبدوها.

واكتسب الذهب وصناعته قدسية من نوع خاص عند المصريين، واصطحبوه معهم في رحلة الخلود ليكون أحد رموزها ودعائمها، وبرعوا فى صنع التماثيل والمشغولات منه، كما تم إضفاء قدر كبير من القداسة على العاملين في الذهب وصانعيه.

وتحول الأمر مع الوقت وتغير الاستخدام، فبدلا من اصطحاب الذهب في رحلة الخلود والمقابر، أصبح أحد أسس الزواج، وظهر مفهوم “الشبكة”، وهى مقدار ما يقدمه الزوج لزوجته من ذهب قبل إتمام الزفاف وتعددت مفاهيم الشبكة، فالبعض أرجعها إلى “الهدية” التي أشير إليها في الأحاديث النبوية، وآخرون اعتبروها وسيلة ادخار أو بمفهوم أدق بوليصة تأمين للأسرة الناشئة تلجأ إليها وقت الحاجة، وفي الريف المصري والأحياء الشعبية عادة ما تستخدم الشبكة أو الذهب بشكل عام في الادخار فهو “حصّالة التحويش”، وكثيرًا ما يفضل رب الأسرة ومتوسطى الدخل ادخار أموالهم في الذهب نتيجة المفهوم السائد والحقيقي عنه أنه لو لم يربح فلن يخسر.

الميزان الاقتصادي

نادي نجيب، سكرتير عام شعبة المشغولات الذهبية بالاتحاد العام للغرف التجارية، أكد أن ثقافة شراء الذهب تغيرت وتحولت في الآونة الأخيرة، فقد اهتز الميزان الاقتصادى للأسرة ولم يعد هناك فائض للإدخار إضافة الى عدم وجود السيولة، وأصبح الجميع يسعى لتوفير احتياجاته الأساسية قبل “التحويش” في الذهب على حد تعبيره، مضيفًا أن “الشبكة” تقلصت إلى حد ملحوظ وأصبحت تقتصر على دبلة ومحبس أو قطعة أخرى من الذهب، بل إن هناك بعض الأسر لم تعد تهتم بأمر الشبكة ولم تعد ضرورية في ضوء التغير الاقتصادي الذي حدث.

تغير مفهوم شراء الذهب لا يعنى انتهاء تداوله، فالمؤشرات العالمية تتجه نحو الارتفاع مما يؤكد على زيادة حجم الطلب عليه في البورصات العالمية، بل ولا زال هناك حركة شراء محلية وذلك في القطاع الاستثماري باعتباره ملاذا آمنا للمستثمرين، خاصة مع وجود الأزمات الراهنة في القطاع الصحي وما تبعها من تدهور اقتصادي وسياسي وتغير في بعض المفاهيم الاجتماعية.

 

ارتفاع أسعار الذهب 

شهدت أسعار الذهب ارتفاعا ملحوظت على الصعيد العالمي ومن ثم تأثر السعر المحلي، العديد من الأسباب أدت إلى ارتفاع السعر، ويأتي على رأسها الركود الاقتصادي بشكل عام والذي جعل من الذهب ملاذا آمنا للمستثمرين وأصبح محل مضاربة في البورصات العالمية.

واصف أمين واصف، رئيس شعبة المشغولات الذهبية، أكد أن انتشار فيروس كورونا جعل الكثيرين يتجهون الى الاستثمار في الذهب باعتباره الملاذ الآمن، فضلًا عن الارتباك في سعر الدولار وكذلك النفط وخروج الكثير من الشركات من البورصة والتغيير الحاد في أسعار الأسهم بشكل عام، هذه الأسباب مجتمعة تجعل الكثيرين ممن يبحثون عن الأمان والاستقرار لأموالهم للاحتفاظ بقيمتها للتوجه نحو الذهب الذي تتوفر به هذه العناصر بوضوح.

وأضاف أنه لا علاقة للسوق المحلي بسعر الذهب فالأمر يعتمد على العرض والطلب في البورصات العالمية وهى من تقوم بتحديد السعر بشكل دوري والجميع يلتزم به.

وقال إن أسعار الذهب الأسبوع الماضي سجلت رقما قياسيًا جديدً، ليصبح السعر العالمي للأوقية اليوم 1733 دولار.

 

معوقات صناعة الذهب في مصر

 تواجه صناعة الذهب في مصر  العديد من المعوقات، يأتي على رأسها احتياج مصر معمل لتنقية الذهب الخاص بها، وسبق وحدث توافق بين غرفة الصناعة الكندية ووزارة البترول المصرية في هذا الشأن باستثمارات تًقدر بنحو 70 مليون دولار، وتحتكر كندا نحو 60% من هذه الصناعة عالميًا.

60 طنا

رفيق عباسي، رئيس شعبة المشغولات الذهبية في اتحاد الصناعات المصرية، أكد أن قطاع الذهب يعانى منذ فترة طويلة، فالتراجع الأخير في الإنتاج ليس مرتبطًا فقط بفيروس كورونا، فيمكننا أن نلقي نظرة عامة على إنتاج مصر من الذهب الذي انخفض بشكل كبير من إنتاج 300 طن في التسعينيات إلى 30 طنا في عام 2011 وأخيرًا التعافي النسبي في الإنتاج الذي أصبح في هذه الآونة يقدر بنحو 60 طنا سنويًا.

وأضاف أن أحد أبرز معوقات صناعة الذهب في مصر هو قلة الطلب عليه رغم توافر التكنولوجيا والجودة النموذجية، فضلا عن تعثر التصدير وذلك نتيجة التعامل الروتيني المحمل ببيروقراطية معوقة لنشاط التجار والمصنعين، فعلى سبيل المثال: “ذهبت لدبي ومعي 10 كيلو مشغولات استوقفوني في المطار وطرحوا بعض الأسئلة منها إلى أين تذهب، وعندما حددت التاجر الذي أذهب له اتصلوا به هاتفيًا وأخبروه أني قد وصلت وطلبوا منه الجمارك التي تقدر بـ 2% أخبرهم أنه ملتزم بسدادها وأن يتم تسجيلها في حسابه وخرجت من المطار خلال 10 دقائق بمكالمة التليفون فقط حتى لو مشغولات مش خامات، في مصر يمكن أن يتكرر هذا المشهد بعيدا عن اختلاف قيمة الجمارك التي لازالت قيد التنفيذ بعد التفاوض عليها، فالتاجر يتم تفتيشه والتأكد من إجمالي ما بحوزته من ذهب ثم يتم إرسالها الى قرية البضائع ويحصل على إيصال ثم يتم إرسالها الى الدمغة للتأكد من كونها ذهب وتعيدها الدمغة بعد التأكد ثم يتم الاستلام من قرية البضائع هذا الأمر يستغرق نحو أسبوع لمن يجيد التعامل ولديه معرفة بالإجراءات المتبعة داخل الجمارك”، مضيفًا أن هناك نحو ثلاثو مصانع على أقصى تقدير هي التي تقوم بالتصدير تأثرت سلبياً بهذه الإجراءات.

وأضاف رئيس شعبة المشغولات الذهبية باتحاد الصناعات المصرية، أن أحد معوقات الصناعة أيضا تكمن في تركيز تواجد المصنعين في منطقة الجمالية وهناك ممنوع البناء ومن ثم لا توجد تراخيص والعمل يتم بعشوائية، مؤكدًا أنه لا يوجد حصر لدى اتحاد الصناعات بعدد المصانع والورش حتى الآن.

وعن المناجم المصرية ومدى استغلالها في ضخ الخامات وتعزيز حجم الصناعة المصرية من الذهب، أكد أن منجم السكري على سبيل المثال يخضع للحكومة المصرية التي تقوم بإرسال الذهب ليتم تحليله وتحدد درجة نقائه ثم يصدر الى كندا وتحصل الحكومة على حصتها كاش وليست خامًا لذا فلا توجد أية استفادة من هذا المنجم أو العقود الشبيهة للمصنعين أو الصناعة المحلية بشكل عام ولا يتم تعزيز احتياطي الذهب من خلاله بل تحصل الحكومة المصرية على حصتها نقدًا.

لكن سكرتير عام شعبة المشغولات الذهبية في اتحاد الغرف التجارية يؤكد أن هناك عدد من الإجراءات التي تم اتخاذها في الآونة الأخيرة والتي ساهمت بشكل ملحوظ في تعزيز حجم الإنتاج في قطاع الذهب منها استيراد ماكينات تصنيع متطورة وإنشاء مدرسة لتعليم فن صناعة الذهب بالتعاون مع وزارة التموين والتجارة الداخلية تم افتتاحها بالفعل، وجميع طلابها معينين مسبقًا في شركات ومصانع الذهب، بالإضافة إلى الاستعداد الكامل في الورش التي تحتوي على صناع مهرة لتنفيذ أي منتج أو موديل يتناسب مع الذوق العام.

 

 مبيعات الذهب 

تراجعت المبيعات في مصر  بنسبة لا تقل عن 90% نتيجة الإجراءات الأخيرة التي تقوم بها الدولة لمواجهة فيروس كورونا والتي يأتي على رأسها إلغاء الزفاف وكذلك تحديد مواعيد عمل المحلات التجارية فضلًا عن تأثر المواطن بشكل عام. بحسب نادي نجيب. 

وأضاف أن المصنعية تحددها عدد من العوامل لكنها تأتي بالتوافق بين البائع والمشترى وليست محددة بنسبة يتم إلزام التجار بها ولكن الأمر الآن دخل حيز الأزمة نظرًا لقلة الطلب على الذهب الذي تأثر بقلة السيولة وسوء الأوضاع الاقتصادية للأسرة المصرية.

ولفت رئيس شعبة المشغولات الذهبية في الاتحاد العام للصناعات، الى أن السبب في زيادة المصنعية يرجع الى ما يتحمله التاجر من تكلفة مستطرداً :” هناك بعض الشركات تقوم بحملات دعائية تكلفها ملايين وتًحضر فنانة ترتدي الذهب وتعطيها أيضا المقابل لذا فهي تحتاج لتعويض هذه الدعاية، وكذلك المحل التجاري فلا يمكن المقارنة بين محل تجاري في الجمالية أو داخل الصاغة يدفع إيجار قديم جنيهات معدودة بمحل إيجاره الشهري 30 ألف جنيه”، مؤكدًا أن هذه التكلفة يتم تحميلها على المنتج النهائي في ثوب المصنعية، والمواطن هو من يختار من أين يشتري، والشركة التي تصنع أيضًا، لكن المؤكد أنه لا يوجد أي اختلاف في التصنيع والمنتج واحد أيًا كان اسم الشركة المًصنعة له.

وأضاف أن 80% من مبيعات الذهب تتجه نحو الطبقة المتوسطة التي تشتري الذهب عيار 21 وهذه الطبقة في هذه الآونة أصبحت معدمة ولا تستطيع الشراء بل يقبل الكثير منهم على البيع للتخلص من الأعباء التي تقع عليهم في ظل الأزمة الراهنة، فضلا عن قلة الأفراح فالشبكة في حقيقتها هي بوليصة تأمين الأسرة الجديدة ومخزن قيمة لوقت الحاجة وهو ما تراجع مؤخرًا، وفق قوله.

كورونا ومسار سوق الذهب

رئيس شعبة المشغولات الذهبية بالاتحاد العام للصناعات المصرية أكد أن كورونا جاء ليغير من طبيعة شراء الذهب، فهناك توجه لشراء السبائك والتي لم تكد على قائمة اهتمامات المصنعين حتى وقت قريب، لأنها كانت تأتى من البنوك أو يتم استيرادها، إلا أن الإقبال على شرائها جعل الكثير من المصنعين يعملون على توفيرها.

وعن حجم السبائك أكد عباسي قائلا: “على حسب الطلب”، مؤكدًا أنها متوفرة بالفعل بداية من 2 جرام وحتى 1 كيلو ومهما كان الطلب عليها يتم تصنيعها لأن الأمر سهل فقط يتم تسييح الذهب ودمغ السبيكة.