حددت المحكمة الجنائية الدولية في مدينة لاهاي الهولندية، 7 ديسمبر المقبل لبدء محاكمة السوداني علي كوشيب، القيادي السابق في ميليشيا” الجنجويد” المسلحة، المتهم بارتكاب 50 جريمة ضد الإنسانية منها جرائم حرب في إقليم دارفور بين عامي 2003 و2004.

ومثل “كوشيب” أمام القاضي المنفرد في الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية، أمس، في جلسة إجرائية تم خلالها تلاوة اسمه، وتاريخ ميلاده، والتهم الخمسين الموجهة إليه، إثر تسليمه نفسه طواعية للمحكمة في دولة أفريقيا الوسطى، مطلع الشهر الحالي، بعد 13 عاما من صدور أمر اعتقال صادر بحقه من المحكمة في 27 أبريل 2007.

 

وتتهم المحكمة الرجل بأنه قاد الآلاف من مسلحي ميليشيا “الجنجويد”، الذين ارتكبوا مذابح عرقية في دارفور، على خلفية التمرد المسلح الذي وقع هناك خلال عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، فضلا عن تنفيذه خططا شبه عسكرية لمكافحة التمرد ضد الحكومة، أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا والمصابين، وإحراق منازل الأهالي وتهجيرهم من الإقليم لأسباب عرقية.

 

وكان “كوشيب”، أحد الزعماء القبليين في محلية وادي صالح غرب دارفور، ويصفه البعض بأنه كان “حلقة الوصل” في تجنيد عناصر من قبيلة المسيرية وقبائل عربية أخرى في الميليشيات التي دعمتها حكومة البشير، ويُزعم أنه قام بتجنيد مسلحين، وبتسليح وتمويل وتأمين المؤن والذخائر لميليشيا “الجنجويد” التي كانت تحت قيادته آنذاك.

 

وبحسب لائحة الاتهامات التي ستؤيدها جلسة 7 ديسمبر، أو ترفضها، فقد شارك “كوشيب” بنفسه في بعض الهجمات على المدنيين بمناطق عدة، منها “كودوم، وبينديست، ومُكجر، وأراوالا”، تضمنت أعمال قتل عشوائي للمدنيين، واغتصاب للنساء، وتعذيب، ما قد يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.

صفقة مخابراتية

أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية في 27 أبريل 2007 أمرين باعتقال كل من “كوشيب”، وأحمد محمد هارون، المعتقل في السودان حاليا، مشيرة إلى أن الأول شارك عام 2002 في النزاع المسلح بين القوات الحكومية ومقاتلي حركة “تحرير دارفور”، كما قاد الرجل عدة هجمات ذات طبيعة منهجية واسعة النطاق على بلدات في الإقليم، وقامت قواته (الجنجويد) بارتكاب أفعال إجرامية ضد المدنيين من سكان دارفور، وعلى وجه الخصوص مجموعات عرقية منها “الفور والزغاوة والمساليت”.

 

 

من جانبه، قال المتهم خلال جلسة أمس، إنه غادر الأراضي السودانية في 3 فبراير الماضي، سيرا على الأقدام إلى دولة أفريقيا الوسطى المجاورة، وبعد ذلك انتقل إلى “بانغي” عاصمة أفريقيا الوسطى، وسلّم نفسه للسلطات في هذا البلد، ومنها إلى هولندا “بحثا عن العدالة”، نافيا الاتهامات الموجهة إليه نفيا قاطعا.

اقرأ أيضًا:

غضب اليمين المتطرف من رفض العنصرية.. مخاوف من الانتقام ومواجهات في الأفق

 

ويذكر أن “كوشيب” هو أول متهم سوداني يُسلم إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنه يُمثل المتهم الرابع في “قائمة المطلوبين” للمحكمة بعد البشير نفسه، ووزير دفاعه عبد الرحيم حسين، ووزير الداخلية السابق أحمد هارون. ويرى مراقبون أن محاكمة الرجل قد تمهد الطريق إلى محاكمات المطلوبين الآخرين للمحكمة، وعلى رأسهم البشير، الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال عام 2009 تتهمه المحكمة فيها بالمسؤولية عن أعمال “إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” في دارفور.

 

 

ويقول المحل السياسي السوداني عبد الله مجاهد، إن كوشيب “ذهب إلى المحكمة بقدميه” في إطار صفقة نسّقتها أجهزة مخابرات دولية، بمشاركة بعض النافذين من المكوّن المدني في الحكومة الحالية، وذلك بهدف إقناع المجتمع الدولي بأن موقفها من “العدالة الدولية” يختلف عن موقف نظام البشير، الذي كان يرفض التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، بحجة أنها “مسيّسة”.