تناولت العديد من التقارير والإحصائيات الرسمية تداعيات كورونا على الاقتصاد العالمي، وتأثيره على القطاعات الحيوية، إلا أنه مع بدء الدول تخفيف الإجراءات الاحترازية، بدأ الحديث عن تأثير الأزمة على دخل المواطن يأخذ منحنى أكثر أهمية عن ذي قبل.

وكشف الجهـاز المركزي  للتعبئة العامة والإحصاء عن دراسة لقياس أثر فيروس كورونا على حياة الأسرة المصرية، وبحسب الجهاز، فإن نحو 25 بالمائة من أفراد العينة أفادوا بثبات الدخل منذ ظهور الفيروس، فيما أشار أغلبية الأفراد (73,5%) إلى أن الدخل قد انخفض، وأقل من 1% أفادوا بارتفاع الدخل، وأرجعت الدراسة أسباب انخفاض الدخل إلى الإجراءات الاحترازية بنسبة  60,3% ، يليها التعطل 35,5% ، ثم انخفاض الطلب على النشاط(31,5%.

وكان البنك الدولي، في يونيو الجاري،  قد توقع أن ينخفض دخل الفرد بشكل حاد، إثر فيروس كورونا، حيث تشهد أكثر من 90% من الأسواق الناشئة والبلدان النامية انخفاضا فى نصيب الفرد من الدخل، مع توقعات بارتفاع عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، بنحو يتراوح ما بين 70 مليون وإلى مائة مليون فرد هذا العام.  

 

مرحلة خطيرة

ومنذ مايو الماضي ، بدأت العديد من الدول في ترسيخ فكرة “التعايش مع كورونا”، لاسيما مع عدم التوصل للقاح فعال لمواجهة الفيروس وزيادة أعداد المصابين بشكل يومي، ودفعت الخسائر التي سببتها الأزمة والتي بلغت 9 تريليونات دولار، وربما يتضاعف هذا الرقم مع استمرار الأزمة، دفعت الحكومات لبدء تخفيف الإجراءات ودعوة مواطنيها للتعايش مع الوباء مع الاحتياطات الوقائية.

وقد حذت مصر حذو معظم الدول، خاصة أن الخسائر الاقتصادية للدولة فى شهر واحد وصلت إلى مائة مليار جنيه، ومؤخرا كشفت رئاسة الوزراء عن خطة للتعايش مع فيروس كورونا لعودة الحياة إلى طبيعتها، ما وصفه المختصون ب”قبلة حياة” للمواطنين المتضررين من أزمة كورونا، فالتعايش مع كورونا يعنى تحقيق التوازن بين دوران عجلة الإنتاج وعودة النشاط الاقتصادي، وبين الحفاظ على صحة المواطنين.

اقرأ ايضًا: الوجه الطبقي لكورونا.. حينما هبط رائد فضاء على المترو في سعد زغلول

 

 تيدروس أدهانوم جيبريسوس، مديرعام منظمة الصحة العالمية، خرج أمس الجمعة، خلال مؤتمر صحفي افتراضي، ليصدم الجميع بأن العالم دخل “مرحلة خطيرة” من جائحة كوفيد-19، مع بدء الدول تخفيف قيود العزل والتنقل.

وحذر الشعوب من عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية، قائلا: “الكثير من الناس بالتأكيد تعبوا من البقاء في بيوتهم، “لكن الفيروس يواصل التفشي سريعاً، ويبقى مميتاً، ولا يزال غالبية الناس عرضة له”. وأضاف أن المنظمة أحصت 150 ألف إصابة جديدة، الخميس الماضى ، وهو العدد الأعلى للإصابات خلال يوم واحد منذ بدء تفشي الفيروس.

التعايش مع كورونا

ومرارًا وتكرارًا، أشار الخبراء إلى أن المواطن البسيط هو “الضحية الكبرى” لأزمة كورونا، ففي مصر تضرر أكثر من ١.٥ مليون عامل، بعد توقف أعمالهم في المصانع والشركات والمولات التجارية والمطاعم السياحية، وفقدوا وظائفهم ومصادر أرزاقهم، وهو ما دفع الدولة للتفكير في عودة الحياة لطبيعتها، وفق ضوابط مشددة تضمن الحفاظ على سلامة وصحة الجميع، في ظل خطة التعايش التي تعتمدها الدولة.

 ويرى المراقبون أن إحدى خطوات المواجهة للقضاء على شبح البطالة، التي خلفته أزمة كورونا، هى إعادة تشغيل الأنشطة التجارية والسياحية، مؤكدين أنه قرار صائب للمحافظة على مصالح التجار والصناعة الوطنية، وربما يحقق التوازن بين دعم العمالة المتضررة بالعودة إلى أعمالهم ودعم الاقتصاد القومي باستمرار عجلة الإنتاج.

وبجانب الدعوات البرلمانية لعودة الاقتصاد، طالب مسئولو الغرف التجارية بتوفير قروض تشغيلية لمدة ٣ سنوات، وأول قسط يبدأ بعد ٦ أشهر من استلام القرض، وإعفاء كل القطاعات من دفع الفواتير الخاصة بالخدمات من الكهرباء والغاز والمياه والتأمينات الاجتماعية لمدة ٣ أشهر، لتخفيف الأعباء عن أصحاب تلك النشاطات الإنتاجية والتجارية والسياحية.

وعن كيفية مواجهة الأسر لأثار فيروس كورونا، كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن حوالي نصف الأسر تقوم بالاقتراض من الغير، وحوالي 17% من الأسر تعتمد على مساعدات أهل الخير، فى حين أن حوالي 5,4% من الأسر حصلت على منحة العمالة غير المنتظمة وذلك في حالة عدم كفاية الدخل .

اقرأ ايضًا: عروض وصفقات وتعقيم.. إجراءات حكومية لجذب السياحة

الالتزام الحل

“لا شك أن موضوع كورونا ليس فقط أزمة صحية، بل أزمة إنسانية على جميع الأصعدة سينتج عنها تداعيات اقتصادية دون شك، هذه الأزمة أزمة إنسان. أزمة مواطن. أزمة معيشة مواطن”، هكذا عقبت الأمينة التنفيذية للإسكوا، رولا دشني، عن أزمة كورونا.

وبحسب دراسة جديدة للإسكوا، لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، ومقرها بيروت، سيقع 8.3 ملايين شخص إضافي في براثن الفقر بالمنطقة العربية نتيجة انتشار فيروس كورونا، كما ستخسر المنطقة حوالي 1.7 مليون وظيفة على الأقل.

ويقول الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، إن 3 ملايين عامل فى قطاع السياحة، و2 مليون من العمالة غير المنتظمة، تأثروا بسبب أزمة كورونا، لذا لابد أن نرى أن استعادة الحياة الطبيعية واستمرار عجلة الإنتاج هو الملاذ الامن لنصف الأسر المصرية للخروج من براثن كورونا بسلام مع الحفاظ على الإجراءات الوقائية بالطبع”.

اقرأ ايضًا: “الملاذ الآمن”.. “كورونا” يغير خريطة مبيعات الذهب في مصر

وأضاف “الدمرادش” لـ مصر 360، بأن “الخسائر الاقتصادية التي نتنج عن أي أزمة أو وباء تكون دائمًا أكبر من حجم الوباء نفسه، لافتًا إلى أن الأزمة الراهنة سينتج عنها ارتفاع في معدلات الفقر والبطالة ومعدلات الجريمة، لذا تشبث المواطنين بالعودة مع اتخاذ الإجراءات لن يحمي الدولة فحسب بل سيحمي الاقتصاد الرسمي الذي يمثل أكثر من 80% “.

واختتم الخبير الاقتصادي، حديثه، بأن تخفيف الإجراءات الاحترازية وعودة بعض المجالات للعمل سيؤثر بشكل إيجابي وحتي أن كان محدود في دخل الفرد، ولكن ذلك يتوقف أيضًا على وعي المواطنين وعدم تحويل أماكن العمل لبؤرة جديدة لكورونا، فأهم عامل في المنظومة الاقتصادية هو العنصر البشري، لذا الحفاظ عليه مسئولية قومية بجانب العمل الفردي”.