رغم جائحة كورونا وتأثيرها على القطاعات الاقتصادية، مازالت الحكومة المصرية تولي اهتماما متزايدا بتوطين أهداف التنمية المستدامة، وترسيخها في سياستها الاقتصادية، في إطار رؤية مصر 2030 .

تحت عنوان “تعزيز سياسات توطين أهداف التنمية المستدامة في مصر”، اقترح معهد التخطيط القومي، التابع لوزارة التخطيط، مجموعة من السياسيات لصانعي القرار لتوطين أهداف التنمية المستدامة، عبر عملية تدرجية تضم ثلاثة مكونات متوازية تعتمد على المحفزات والفرص المتاحة وأدوات التوطين والتحول نحو اللامركزية.

وأطلق المعهد كراسة بهدف تحليل الوضع الراهن للعملية التخطيطية في مصر باعتبارها حجر الأساس لعملية التوطين، مع التركيز على الفرص المتاحة، وتقديم إطار يتضمن الأدوات المتعلقة بعملية التوطين .

ويعد تحقيق التنمية الشاملة الهدف الرئيسي  لحكومات الدول سواء النامية منها أو المتقدمة، ولا تقع أهداف التنمية على عاتق الحكومات وحدها، بل يلعب كل من المجتمع المدني والقطاع الخاص دورًا محوريًا  في هذه التنمية.

وفي السنوات القليلة الماضية، اتجهت الحكومة المصرية إلى الحديث عن أهمية توطين أهداف التنمية المستدامة في إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية على مستوى المحافظات، وتبنّت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية جهود عملية التوطين من خلال التعاون مع بعض المنظمات الدولية عبر التوعية بأهداف التنمية المستدامة في المحافظات، وأهمية التخطيط الفعّال في تعزيز عملية التوطين.

اقرأ ايضًا: تداعيات “كورونا” في رصد لـ”القومي للتخطيط”.. خسائر اقتصادية ومقايضة للصحة

العملية التخطيطية

ولعل الحكومة المصرية تولي تلك العملية اهتماما خاصا إدراكًا منها للآثار التنموية السلبية التي من الممكن أن تنتج من عدم وضعها في الاعتبار، وتربتط أهداف التنمية المستدامة في أي دولة ارتباطًا وثيقًا بالعملية التخطيطية.

وتتعدد التشريعات التي تحكم عملية التخطيط من حيث المنهج والأدوات، فبخلاف الدستور تتضمن القوانين والتشريعات المنظمة للعملية التخطيطية في مصر قانون البناء الموحد رقم 119/2008 ،وقانون الإدارة، الدور المحلية رقم 43/1979 ،والقانون الخاص بإعداد الخطة ومتابعة تنفيذها رقم 70/ 1973 ، فضلاً عن الدور الذي تقوم به هيئة التخطيط العمراني من حيث إعداد المخططات الاستراتيجية للتنمية العمرانية القومية والإقليمية ومخططات المحافظات .

ورغم أن الوحدات المحلية هي المستفيد الرئيس من العملية التخطيطية من الناحية التنموية، إلا أن دورها محدود للغاية في الوضع الحالي نتيجة للمركزية الشديدة التي تتمتع بها الدولة المصرية والسلطات المحدودة للمحافظين والإدارة المحلية لاتخاذ قرارات في نطاق اختصاصاهم.

أما عن الدور الرقابي الذي تلعبه المجالس المحلية، فهو منعدم تماما نتيجة لغياب تلك المجالس منذ عام 2011، مما  يُضعف العملية الرقابية المتعلقة بتوطين أهداف التنمية المستدامة، كما تجدر الإشارة إلى الدور التنموي الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية على مستوى المحافظات في تقديم الدعم للمواطنين محدود للغاية.

اقرأ ايضًا: فيروس كورونا.. التعايش مع المخاطر أو الانهيار الاقتصادي

العدالة الاجتماعية

وعادة ما ترتبط عملية توطين أهداف التنمية المستدامة بتسريع تحقيق الأهداف الاجتماعية المتعلقة بالتعليم والصحة على المستوى المحلي، وبالتالي فإن الاستحقاقات التي ضمنها الدستور المصري في تعزيز تمويل خدمات الصحة والتعليم بكافة مراحله والبحث العلمي هي في مجملها تدعم توفير الموارد المالية اللازمة لعملية التوطين .

ونّصت المادة 18 من الدستور على أن تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 ٪من الناتج القومي الإجمالي، ونصت المواد 19 و21 و23 أيضا على التزام الدولة بتخصيص نسبة لا تقل عن 4 ٪من الناتج القومي الإجمالي للتعليم، ونسبة لا تقل عن 2 ٪من الناتج القومي من إجمالي التعليم العالي، ونسبة لا تقل عن 1% للبحث العلمي، ونظرًا لأن الخدمات التعليمية والصحية أهم الخدمات التي تعاني من تحديات على المستوي المحلي، فإن الاستحقاقات الدستورية تفتح الطريق أمام توسع الحكومة في ضخ المزيد من المخصصات في هذه المجالات ورفع المؤشرات المتعلقة بها على المستوي المحلي .

كما تُعد مراعاة الضوابط العامة الواردة بمنشور الموازنة فيما يتعلق بالباب السادس الخاص بشراء الأصول غير المالية “الاستثمارات” أحد المحددات المهمة التي تساعد في عملية التوطين، وتتضمن تلك الضوابط العامة أن يُراعى البعد المكاني بتوزيع مكونات الاستثمارات عينيا ونقديا تبعا للمحافظات التي سوف تستفيد من هذه الاستثمارات، والتأكد من وجود دراسات جدوى توضح الجدوى الاقتصادية للمشروعات، مما يساعد في الوصول  لتخصيص ممكن للموارد الاقتصادية، ويساهم في اتخاذ القرارات الاستثمارية السليمة وبالأخص تلك المتعلقة بأولويات الاستثمار.

ولذلك، فإن وجود مثل تلك الضوابط يساعد على سد الفجوات التنموية من خلال التوزيع العادل للاستثمارات، وبالتالي العمل على توطين أهداف التنمية المستدامة من خلال الحد من الفقر وتعزيز خدمات التعليم والصحة وغيرها من الخدمات الاجتماعية الأخرى على المستوى المحلي.

وفي الوقت نفسه، تقوم الدولة المصرية بتنفيذ مشروعات قومية كبرى بهدف تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وخلق فرص العمل، وتحسين الأوضاع المعيشية، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية في مناطق بعينها، مثل مشروع المثلث الذهبي الذي يخدم محافظات الصعيد ويعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في محافظات البحر الأحمر وقنا وهي من المحافظات الأكثر فقرا، بالإضافة إلى مشروع تنمية محور قناة السويس الذي يهدف أيضا إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في محافظات السويس والإسماعلية وبورسعيد.

اقرأ ايضًا: تخصيص 32 مليار جنيه.. هل تراجعت “الكهرباء” عن “صفر دعم” بالموازنة الجديدة؟

أدوات التنمية

تحتاج عملية توطين أهداف التنمية المستدامة في مصر إلى مجموعة من الأدوات التي تعمل على تهيئة المناخ المناسب لتلك العملية من خلال التواصل المستمر ورفع الوعي، وتشخيص الوضع القائم للتعرف على نقاط القوة والضعف الخاصة بعملية التنمية، وإعداد الاستراتيجيات والخطط، وتعزيز عمليات الرصد والتقييم.

فتنفيذ أهداف التنمية المستدامة يعتمد إلى حد كبير على تعدد مستويات الحكومة والتي يكون لها سلطات ومسئوليات ووظائف مختلفة تخدم مؤشرات التنمية المستدامة المختلفة.

وتعد اللامركزية أحد الدعائم المهمة في تحسين جودة وفعالية وكفاءة الخدمات المحلية، وتدعم اللامركزية التخطيط المحلي وتوفر الموارد المحلية اللازمة لتنفيذ المشروعات التنموية، وتعمل على دعم المبادرات مع القطاع الخاص والقطاع الأهلي، وتعزز التركيز على احتياجات الفئات المهمشة.

وتمثل الترتيبات المؤسسية لبرنامج التنمية المحلية في صعيد مصر النواة الحقيقية لتوطين أهداف التنمية المستدامة لما فيها من قدر كبير من تمكين المستوى المحلي وتعزيز عملية المشاركة والمساءلة من خلال الآليات المختلفة، ولذلك يمكن اعتبار محافظتي قنا وسوهاج هما خط الأساس الخاص بعملية التوطين، خاصة في ظل اعتزام وزارتي التخطيط والتنمية الاقتصادية والتنمية المحلية تطوير منظومة التخطيط المحلي وتوفير أدوات التمويل اللازمة لعملية التنمية على المستوى المحلي.