تتعدد أسباب الانتحار بين ظروف نفسية ومادية وفلسفية حتى، وتتعدد أشكاله برًا وبحرًا وجوًا، يراه البعض حلا دائما لمشكلة مؤقتة فيما يؤمن آخرون بأنه حل لجميع المشاكل، هل الانتحار كُفر؟، في هذا التقرير نرصد رأي الدين فقط في مصير المُنتحرين.

 

قالت دار الإفتاء المصرية من قبل بعدم جواز تكفير المنتحر حينما نشرت فتواها القائلة: “إن الانتحار حرام شرعا؛ لما ثبت في كتاب الله، وسنة النبي الكريم، وإجماع عموم المسلمين؛ قال الله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما»، وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة».

اقرأ أيضًا:

الإنسان قبل الأرباح.. مطالبات بإشراف الدولة على المستشفيات الخاصة

وعن مثار حديثنا أوضحت بأن المُنتحر لا يخرج بفعلته تلك عن الملة وإن كانت من عظائم الذنوب، لذا فإنه يعامل نفس معاملة باقي الأموات من صلاة عليه وتغسيل وتكفين ودفن في مقابر المسلمين.

ويروي الإمام مُسلم في صحيحه أن الطفيل بن عمرو الدوسي كان قد هاجر مع رجل من قومه، ثم مرض الرجل وجزع، فقطع شراينه وهكذا مات منتحرًا. فما كان مصيره؟.

يقول الطفيل بن عمرو بأنه قد رأى في منامه هذا المُنتحر في هيئة حسنة مغطى اليد فسأله ماذا فعل الله به فأتاه الجواب على لسان الرجل: “غفر الله لي بهجرتي إلى النبي”، أما عن تغطية اليد فقال: “قيل لي لن نُصلح منك ما أفسدت”.

وذهب الطفيل للنبي يقص عليه ما رآه فرد: “اللهم وليديه فاغفر”، أي كما غفرت لبقية بدنه فاغفر ليديه.

تلك القصة تحديدًا ترد بشكل قاطع على من يدعي كفر المنتحر أو من يُجزم بتخليده في النار كالمعتزلة والخوارج.

فماذا عن الكنيسة؟

عندما تحدث البابا فرنسيس في إحدى عظاته الصباحية حول رحمة الله، قص على الحاضرين قصة لأرملة مسكينة ذهبت إلى القدّيس جان ماري فياني كاهن آرس تقول له إن زوجها في الجحيم إنه انتحر بقفزة عن جسر في النهر، ولأنها تؤمن بأن الانتحار خطيئة مميتة فقد اعتقدت أنه في الجحيم بلا شك”، فرد الكاهن على السيدة قائلًا: “سيدتي، بين الجسر والنهر، هنالك رحمة الله”، ويكمل البابا فرانسيس: “وحتى النهاية، هناك دائماً رحمة الله”.

اقرأ أيضًا:

“كيف الدماغ”.. كورونا يعكر أمزجة المدخنين في مصر

إذًا فالدين -أي دين-، وإن كان يرى أن قتل النفس إثم عظيم إلا أن ما للانتحار من كواليس نفسية صعبة للغاية جعلت باب الرحمة موجود لهؤلاء دائمًا سواء اعتبرهم البعض ضعفاء يفرون من الحياة أو شجعان اكتفوا بما عاشوه فرحلوا، لكنهم على كل حال لم يكفروا بالله قطعًا بل أنه أحيانًا كثيرة تقرأ في رسائل المنتحرين ما يفيد شوقهم لمرافقة الله بدلًا من البشر، الأمر الذي جعلهم يسرعون في الرحيل، فكيف يكون هذا كفر؟.

بالطبع ليس المقصود هنا التشجيع على الانتحار، وإنما مواساة لمن فقدوا أحبائهم في تجربة مريرة مثل تلك بأنه حتى ولو هاجم الناس فقيدهم ولعنوه، فالله -وهذا كل ما يهم- تسع رحمته كل شيء، وعد بذلك وأكد أنبياؤه هذا الوعد.