يبدو أن الجدل الذي يشتعل على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” عند كل قضية متعلقة بالأخلاق والدين والعادات والتقاليد لن ينتهي، بعدما أصبحت قضايا الحريات عمومًا، وما يخص المرأة خصوصًا هدفا لمن لا هدف له، فبين التلصص والترقب والمحاسبة، يقبع المئات إن لم يكن الآلاف خلف شاشتهم في انتظار قضية اليوم “التريند” ليقوموا بدورهم في “السب والتشهير” ورفع راية الدفاع عن القيم والأخلاق وأحيانا الدين.

ما بين “مراقبة صفحات النساء، وإصدار الأحكام، وتطوع البعض بالإبلاغ عن غيرهم، والتشهير بآخرين”، أصبح مقص الرقيب مفتوحًا على مصراعيه، ليس فقط بسبب القوانين التي شرعت خلال السنوات الأخيرة وتضمنت بعض المواد التي تحمل الجمل الفضفاضة – كما وصفها بعض الحقوقيين- والتي تسببت في الزج ببعض مشاهير “السوشيال ميديا” خلف القضبان، ولكن هناك نشطاء آخرين نصبوا أنفسهم حكماء ومراقبين على مواقع التواصل، حتى أصبح الاتهام والتكفير والتشهير أسهل ما يكون.

 

بين “التكفير والتوعد بالنار”

كان لوفاة الناشطة الحقوقية سارة حجازي دويًا واسعًا على مواقع التواصل، ورغم أن انتحارها جاء منذ ما يقرب 6 أيام إلا أنها لازالت حديث موقع فيس بوك، وبين ترحم أصدقائها والدفاع عن حقها في الحياة، شن البعض هجومًا لاذعًا على الأصدقاء والمقربين من الفتاة، ووصفها البعض بـ”الكافرة”، فيما توعدها آخرون بدخول النار بسبب إقدامها على الانتحار إلى جانب ميولها الجنسية.

لكن علماء الدين كان لهم رأي آخر، فقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى نشرتها على “تويتر” أكدت فيها أن الانتحار كبيرة من الكبائر وجريمة في حق النفس والشرع، مؤكدة أن المنتحر ليس بكافر، ولا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم، وأشارت إلى ضرورة التعامل معه على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين”.

 

 

فيما قال الدكتور “مبروك عطية”، ردًا على حالة الجدل: “إن الإيمان والكفر محلهما القلب ولا يعلمهما إلا الله فقط، وإنقاذ شخص من الإقدام على الانتحار هذا أمر في صميم العمل الديني والإنساني”.

وتابع في مداخلة هاتفية ببرنامج “يحدث في مصر” على “إم بي سي مصر”: “إذا حدث ومات شخص منتحر، قبل ما يموت له عليا إعلامه بضرر الانتحار وحب الحياة وضرورة حفظ الحياة وأن أساعده وأعينه، وإذا مات فإنه بإجماع علماء الأمة الإيمان محله القلب وكذا الكفر محله القلب ولا يعلم ما في القلوب إلا الله، والحكم على إنسان أنه كافر أو ملحد أو أي شيء لا يثبت بسهولة أبدًا” مضيفًا، “من المفترض أن نتلكك لأي سبب في بعضنا البعض يرحمنا به الله، لذلك يجب علينا أن نتوسم ونرجوا الرحمة من الله للجميع”.

واستشهد بواقعة أحد الصحابة عندما طلب من الرسول (ص) عدم صلاة الجنازة على أحد الأشخاص ووصفه بـ”الفاجر”، ولكن الرسول (ص) شهد له بالجنة.

اقرأ أيضًا:

 الوجه الطبقي لكورونا.. حينما هبط رائد فضاء على المترو في سعد زغلول

 

دعم مجتمعي للقمع

خرج “اليوتيوبر ناصر حكاية” عبر قناته الخاصة على “يوتيوب” في حالة احتفاء شديدة عقب خبر إلقاء القبض على “اليوتيوبر شريفة رفعت” وشهرتها ” شيري هانم” وابنتها نورا هشام وشهرتها “زمردة”، مؤكدًا أنه تقدم بالإبلاغ عنهما بسبب المحتوى الذي تقدمانه عبر صفحتهما الخاصة، لما رآه من وجهة نظره محتوى خادش للحياء ويهدد الأسر المصرية.

وبالفعل ألقت قوات الأمن القبض عليهما، وقبل أية أنباء من قبل النيابة العامة خرج “حكاية” يدلو بتفاصيل القضية وكيف تمكنت قوات الأمن من القبض على شيري هانم ونجلتها.

 

لم تكن تلك هي المرة الأولى، ففي الحادي عشر من الشهر الماضي، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على حنين حسام، بعد انتشار مقطع مصور عبر حسابها في تطبيق “تيك توك” تدعو فيها فتيات أخريات للانضمام إلى وكالتها لتصوير أنفسهن كمذيعات على إحدى التطبيقات الإلكترونية مقابل مبالغ مالية.

وقبل القبض عليها انتشرت مقاطع فيديو لأشخاص على موقعي “يوتيوب” و”فيس بوك” تطالب بتدخل أجهزة الدولة، لأنهم رأوا أن الطالبة الجامعية تحرض الفتيات على ممارسة الجنس التجاري الرقمي، أو كما وصفوه بـ “دعارة إلكترونية”، فيما ساهمت موجات التنمر الإلكتروني العنيفة التي تعرضت لها “حنين حسام” في القبض عليها، هذا التنمر الذي تحوّل إلى “تريند”، يحاول الجميع اللحاق به والسخرية منها.

لكن المفارقة كانت في أن أحد الذين طالبوا بضرورة القبض على حنين حسام بتهمة الدعارة والفسق والفجور، كان مخرج كليب “سيب إيدي” وائل الصديقي، الذي تسبب في حالة جدل كبيرة على فيس بوك عام 2015، وانتهت أيضاً ببلاغ من أحد الاشخاص ضد صانعي “الكليب”، لكن المخرج  فر هارباً بعد خبر القبض على مؤدية “الكليب” سلمى الفولي بتهمة خدش الحياء والتحريض على الفسق والفجور، الأمر نفسه الذي تكرر مع “مودة الأدهم” الناشطة على “فيس بوك”.

اقرأ أيضًا: 

الإنسان قبل الأرباح.. مطالبات بإشراف الدولة على المستشفيات الخاصة

 

سلطة أبوية

من جانبها، رأت المحامية الحقوقية، انتصار السعيد، أن هناك بعض الأشخاص من “اليوتيوبر” متخصصين في مراقبة المحتوى الرقمي للسيدات وتقديم بلاغات بها.

وأكدت أن هؤلاء الأشخاص اعترفوا بأنفسهم بالتبليغ عن الفتاتين و”شيري” وابنتها وبعد القبض عليهم قاموا احتفوا بذلك، ومشيرة إلى أن هذا الأمر يساهم في تغذية فكرة السلطوية وإحساسهم تجاه المجتمع وخصوصا النساء بضرورة المراقبة والتحكم.

وأوضحت أن تطوع البعض بالإبلاغ عن آخرين لمجرد تقديم محتوى يراه غير مناسب، يرسخ لمبدأ محاربة الحريات ويزيد من فرض السلطة الأبوية من قبل الدولة، مؤكدة على أن النظرة الدونية للنساء لازالت متفشية في المجتمع المصري، وأن أي اختلاف للمرأة غير مقبول بالمرة وقد يعرضها للخطر، وهو ما حدث في القضايا المشار إليه، كما لفتت إلى أن بعض مواد قانون العقوبات الخاصة بمخالفة الآداب العامة تستخدم لغة فضفاضة، غامضة ومطاطة –بحسب تعبيرها”، حيث إن هذه اللغة لا تعرف الأفعال التي يتم تجريمها، وإنما تضعها تحت مظلة واسعة من التفسيرات، وفق قولها.

وأوضحت أن بعض الألفاظ مثل ( فسق، فجور، رذيلة) في القضايا المخالفة للآداب العامة تترك لتقدير القاضي إن كان يعتد بالفعل محل الاتهام كجريمة أو لا، وبالتالي يكون مصير المتهمين أو المتهمات في هذه الحالة مرهون بالسلطة التقديرية للقاضي.

 

الفن أول الضحايا

وقع العديد من المشاهير تحت وطأة اتهام خدش الحياء، وآخرين بتهمة ازدراء الأديان، حتى أصبحت كالشبح تطارد الكثير.

بدأت تلك القضايا في الظهور على ساحة مواقع التواصل بعد إثارة الجدل بشأن بعض الأعمال الفنية والأدبية، ذلك الجدل الذي غالبا ما ينتهي في ساحات المحاكم بعد تطوع أحد المحاميين بالبلاغ في من تسبب في هذا الجدل.

من بين من طالهم سلاح الاتهام ما حدث مع الروائي أحمد ناجي، والكاتبة فاطمة ناعوت، ففي عام 2016 حكمت المحكمة ببراءة الروائي أحمد ناجي بعدما ظل 10 أشهر في سجن طرة بتهمة خدش الحياء، وقعت تلك الأحداث بعدما تقدم أحد المواطنين يُدعى هاني صالح توفيق، ببلاغ ضد الكاتب بعدما  قرأ الفصل الخامس من روايته “استخدام الحياة”، في صحيفة أخبار الأدب التي نشرته في عددها رقم 1097، في أغسطس 2014، لتتحرك الدعوى في ساحات المحاكم ويتم القبض على الروائي ويقبع في السجن 10 أشهر ومن ثم يخلي سبيله في عام 2016 بعد حكم البراءة.

لم تكن تلك القضية هي الأولى من نوعها، ففي عام 2016 تمت محاكمة “ناعوت” بتهمة ازدراء الأديان، بعدما قام أحد المحامين بتقديم بلاغ ضدها بسبب رفضها عبر حسابها في “تويتر” ذبح الأضاحي فى عيد الأضحى المبارك، وفي عام 2018 قدم أحد الأشخاص بلاغ للنائب العام ضد الفنانة رانيا يوسف لارتدائها فستانًا شفافًا بمهرجان القاهرة السينمائي، ولم يتم التنازل عن البلاغ حتى اعتذرت علانية في برنامج حواري مع الإعلامي عمرو أديب.

وفي عام 2019، تم القبض على الممثلتين مُنى فاروق وشيما الحاج بتهم الفسق والفجور لاتهامهما بالظهور في فيديو جنسي مسرب، ورغم أن الفيديو تم تسريبه ولم يتم نشره بموافقتهما، إلا أنه اُعتبر تحريضًا على الفجور ونشر للرذيلة بسبب ممارستهما للجنس الثلاثي.

وغيرها من القضايا التي طالت بعض المشاهر والفنانين خلال السنوات الماضية بنفس التهم التي أصبحت كالأشباح التي تطارد أي اختلاف في مجتمعنا.

 

ازدراء الأديان

ويرى الدكتور أحمد كريمة، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، أن كلمة “ازدراء الأديان” ليس لها أصل في الشريعة الإسلامية، مضيفًا أن الردة هي العقوبة الوحيدة التي يُحاكم عليها الإسلام، لأنها كفر صريح المقتضي لرجوع المسلم عن دين الإسلام، لافتًا إلى أنه في هذه الحالة إذا ثبت على مسلم بواسطة الأحكام القضائية “الردة”، فيجب قبل إصدار الحكم عمل ما يسمى بـ”الاستتابة”.

وأكد أن الاستتابة تتم عن طريق إحضار بعض علماء الإسلام للشخص المرتد 3 أيام متتالية لإزالة شبهة “الردة” عنه، موضحًا أن هذا الشخص إذا اقتنع وتاب فلا عقوبة له، وأما إذا أصر على ردته ففي هذه الحالة تجري عليه أحكام القضاء.

أما سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، يرى أن هناك أناساً رأوا في أنفسهم وكلاء عن الأخلاق الحميدة وأصبحوا يطاردون كل من يخالف عقيدتهم، مؤكدًا أن الهدف الحقيقي وراء مطاردة بعض الشخصيات بدعوى الأخلاق ما هى إلا الشهرة، خاصة أن قضايا الجنس هي أكثر القضايا التي تلقى اهتماما من الرأي العام.