لم تتخيل “أمل.ح”، أنها ستخوض معركة الثانوية العامة، أو “بعبع كل بيت مصري” وسط جائحة “كورونا”، التي أطلت برأسها لتزيد الوضع سوءًا، فهي تعاني الأمَرَّيْنِ، حيث قلق وحرص وتوتر مضاعف، يوازي في حدته الحروب الأممية والمعارك الإقليمية، وكأن كل ما عاناته في السنوات السابقة لا يكفي.
وانطلقت امتحانات الثانوية العامة اليوم، وتستمر حتى 21 يوليو المقبل، وأعلنت وزارة التربية والتعليم أن “المديريات التعليمية بالمحافظات تتولى التنسيق مع مديريات الصحة والسكان لموافاة اللجنة الثلاثية بالمحافظة بقوائم طلاب الثانوية العامة المصابين بفيروس كورونا، وكذلك المخالطين لحالات مصابة بالفيروس، لتعميمها على رؤساء لجان سير الامتحان”.
وتطبق الحكومة قواعد التباعد الاجتماعي حيث بالاكتفاء 14 طالبًا فقط في كل لجنة، كما وفرت 34 مليون كمامة، و16 ألف و575 جهاز قياس حرارة على مدار ساعات الامتحانات، بالإضافة إلى 6.5 مليون زوج قفازات لزوم الاحتراز.
اقرأ أيضًا:
وأكدت وزارة التربية والتعليم، أمس السبت، أنه “سيتم السماح لطلاب الثانوية العامة بدخول اللجان من الثامنة حتى التاسعة صباحًا على أن يبدأ زمن الامتحان من 10 صباحاً، وذلك بهدف قياس درجة حرارة الطلاب، إضافة إلى منحهم الكمامات والقفازات والمطهر”.
معاناة الأمهات
رغم كل الإجراءات السابقة، لم يهديء ذلك روع القلقين، والتي منهم “أمل”، ربة المنزل، والتي عبرت عن ذلك بقولها “أنا مرعوبة”، كاشفة أن خوفها تخطى الحد الطبيعي للامتحانات مثل كل عام، وهو ما أثر على صحتها بشكل كبير،”مش عارفة أدعم ابني، عايزة اللي يدعمني”، وفق قولها.
وتابعت أن “خوض الامتحانات في هذا الوقت كالمخاطرة بحياة هؤلاء الطلاب، فرغم كل التأمينات والإجراءات التي اتخذتها الوزارة ان لا أشعر بالأمان، فأين الحل؟!”.
لتوافقها في ذلك، “سلوي.م”، ربة منزل أيضًا، والتي تخشي من ذهاب ابنتها الوحيدة للامتحانات خوفًا من انتقال العدوى، موضحة أنها صرفت مبالغ ضخمة على أدوات التعقيم والكمامات الطبيبة، حتى تكفي لآخر يوم في لامتحانات، إلا أن هذا لا يجعلها مطمئنة، متسائلة كل دقيقة لما لم تتأجل الامتحانات للعام المقبل؟.
وقد فرضت أزمة كورونا، التي قلبت العالم رأسًا على عقب، تأجيل امتحانات الثانوية العامة بمصر، من يوم 7 إلى 21 من شهر يونيو الجاري، للتأكد من اكتمال إجراءات التعقيم كافة وتطهير اللجان، وذلك وسط مشاحنات وهاشتاجات للمطالبة بالتأجيل، إذا يخوض 653 ألفاً و289 طالباً وطالبة الامتحانات هذا العام.
قلق متزايد
بحسب دراسة حديثة، نشرتها صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، بأن تلاميذ المدارس الثانوية يعانون من مشاكل صحية نفسية كبيرة، وخصوصًا الفتيات ، حيث قام باحثون من جامعة يورك، البريطانية، بفحص بيانات الاستبيان حول الصحة العقلية من أكثر من 6300 تلميذ في المدارس الثانوية، ووجدوا أن واحدًا من كل سبعة تلاميذ كان يعاني من مشاكل عاطفية مثل القلق وضعف الحالة المزاجية.
وقال المؤلف الرئيسي، البروفيسور باري رايت، إن الدراسة تؤكد أن أطفال المدارس الثانوية يعانون من مشاكل نفسية أكثر من أي وقت مضى، حيث يواجه شباب اليوم العديد من الضغوط، من” التفوق الأكاديمي” المتوقع منهم في المدرسة، إلى الفقر الذي تفاقم بسبب التقشف والضغوط الاجتماعية والإجراءات الاحترازية.
لتستكمل “سلوى” حديثها، لـ “مصر 360″، بأن المجهود الذي أصبح على عاتقها “كبير” و”مضاعف”، فمن إجراءات وقائية لكل أفراد الأسرة، للاهتمام خاص بابنتها التي تخوض معركة بـ”كمامة وزجاجة كحول”، بحسب وصفها، فضلاً عن معاناتها مع باقي أطفالها والذي فرض وباء كورونا جلوسها طوال الوقت في المنزل.
“تمنيت تأجيل الامتحانات أكثر من أي عام مضى، نحن نعيش ظروف استثنائية وأولادنا لا يملكون المقدرة العقلية والتركيز في واجباتهم المدرسية”، لتضيف بصوت مهزوز “نحن كأمهات كائنات عادية وليس خارقات لنتجاوز كل هذا الرعب في العالم ولكننا نحاول وبشدة بث الاطمئنان في نفوسنا وتحمل كل الألم والضغط بمفردنا”.
اقرأ أيضًا:
تقول الدكتورة رضوى عبد العظيم، اسشارى الطب النفسى، إن الأسر المصرية تعيش حالة من الهلع والقلق غير المبرر خاصة مع ماراثون امتحانات الثانوية العامة، لافتة إلى أن الحل للتغلب على حالة الخوف والتوتر والقلق، هو المداومة على أخذ نفس عميق من الشهيق والزفير وتجنب التفكير في أي ضغوط والذى من شأنه الحصول على الراحة النفسية.
الصحة العقلية
ويبدو أن الحالة التي تعيشها معظم الأسر بسبب ضغوط الثانوية العامة، والتي زادت مع جائحة كورونا، دفع باحثين بجامعة يورك للقول بإن هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار في خدمات الصحة العقلية في المدارس لتطوير الدعم الموجه الذي يسهل الوصول إليه للطلاب المحتاجين للمساعدة بحسب دراسة نشروها.
وتعتبر الدراسة واحدة من أكبر دراسات الصحة العقلية للمراهقين منذ 20 عامًا، ووفقًا للمؤلفين، فقد وجدوا أن 15 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 16 عامًا يعانون من مستويات عالية جدًا من مشاكل الصحة العقلية .
ويقول الكاتب ستيفن ميم في رأي نشرته وكالة “بلومبرج” الأمريكية، “إنه رغم أنه ما زال هناك الكثير الذي لا نعرفه عن التأثيرات الصحية لأزمة فيروس كورونا على المراهقين، هناك إجماع متزايد على الضرر النفسي الذي ألحقته بهم بالفعل”.
ففي ظل التوقف عن التوجه للمدارس والحجر القسري وصدمة رؤية فقدان الوالدين لوظائفهم، فإن “هذا الفيروس يحمل تهديداً بأن يصبح ما يوصف بـ”كارثة الجيل”، وفق قوله.
لكن الضغوط أحيانًا قد يولد طاقات أيضًا، وهو ما دفع “ليلى.أ”، موظفة، إلى تجهيز عدتها بعد إقرار وزارة التربية والتعليم انطلاق الامتحانات في موعدها، حيث حرصت على تناول أبنائها الخضروات والمشروبات التي تزود المناعة، حتى لا يقعوا ضحايا للوباء اللعين، مع تحصينهم كل يوم بآيات الذكر الحكيم.
وتقول “ليلي” لـ “مصر 360″، “إن أزمة كورونا أثرت علينا كأمهات وعلى صحتنا البدنية والنفسية لا شك في ذلك، لكن أيضًا لابد أن نلتفت إلى الطاقات الكامنة التي فجرتها الأزمة في نفوسنا، وقدرة تحملنا التي اكتشفناها في نفوسنا، وهو ما أهلني للثبات أمام أبنائي حتى تمر هذه الأزمة”.