كانت عقارب الساعة تشير للخامسة صباحا، في ليلة لم تذق “نوران” بها طعم النوم، فهي على موعد في التاسعة صباحا، مع طبيبها الخاص، لولادة طفلتها الثانية، ولكن تلك المرة مختلفة عما قبلها، فالخوف والقلق كانا رفيقاها مع اقتراب الموعد،تزامنا مع انتشار فيروس كورونا المستجد.
بدأت نوران عبد الله، شهرها التاسع من الحمل في مارس الماضى، واتخذت كافة التدابير الاحترازية مع بدء انتشار حالات العدوى بالفيروس المستجد في مصر، تقول: “رعب لم أشعر به من قبل، مع أنها ليست أول ولادة لي، لأن الحامل ليس لديها مناعة، خفت على الطفل وعلى نفسي، وكنت تقريبا لا أنام، ولو كنت في الشهور الأولى من الحمل ربما كنت أسقطت الجنين”.
مشاعر الخوف والقلق التي روتها “نوران”، شعرت بها أمهات أخريات تزامن موعد ولادتهن مع حلول أزمة كورونا، لتصبح مخاوفهن مضاعفة، فبجانب الخوف من آلام الولادة أصبح هناك خوف جديد من الوباء، وتجهيز المستشفيات، والتطهير والتعقيم.، هل تكون كافية لمنع انتقال العدوى؟، وما الاحتياطات التي يجب اتخاذها، أسئلة دارت بذهن “نوران” قبل تحديد موعد الولادة، والتي شاركتها مع طبيبها الخاص.
استعدادات للولادة
تواصلت نوران مع طبيبها الخاص في بداية الأمر الذي حاول طمأنتها، وطلبت منه وصف أنواع من العقاقير والأدوية التي تعمل على زيادة مناعتها، ولكنه أخبرها أنها لا تحتاج لهذا الأمر، وعليها البقاء في المنزل، والمتابعة الهاتفية معه، حتى تحديد موعد الولادة والاهتمام بتناول الطعام الجيد، كما كانت تفعل في حملها السابق بنجلها الأول.
كانت “نوران” قد أكملت شراء احتياجات مولودتها، لخبرتها وحملها للمرة الثانية، ربما كان الحظ حليفها لتمكنها من شراء مستلزمات طفلها قبل بدء الجائحة، ولكن “شيماء الخول” لم تتمكن من هذا الأمر، والتي وضعت طفلتها الأولى منذ ما يقرب من شهرين، فكما قالت: “كان صعب عليا جدا أنزل أشتري حاجة بنتي، دي أول بنت لي وشراء مستلزمات الطفل فرحة تانية ولازم اختارها بنفسي”.
استشارت “شيماء” طبيبها، الذي نصحها أيضا بالبقاء في المنزل، والاستعانة بالأقارب والأصدقاء لشراء احتياجات الطفلة، لكنها لم تستطع وخرجت بالفعل لشراء ملابس الطفلة، وما سوف تحتاجه عقب الولادة، وحرصت على اتخاذ الاحتياطات اللازمة، من التعقيم والتطهير.
جاء موعد ولادة “نوران” في الأسبوع الأول من شهر أبريل، وقبل ولادتها بيومين زارت طبيبها الخاص، وحدد معها الموعد، وطلب منها الحضور في التاسعة صباحا، حتى تلد الطفلة وتترك المستشفى عقب ذلك، وطلب منها أيضا عدم حضور أحد معها سوى زوجها فقط، بعكس ولادتها الأولى التي أجرتها مع نفس الطبيب، ولكن تلك المرة التعليمات مختلفة لتتناسب مع الجائحة.
في الولادة الأولى لنوران، ذهبت المستشفى قبل موعد الولادة بليلة، وقضت الليلة في المستشفى، ومعها والدتها ووالدة زوجها، وزجها الذي حضر الولادة معها، ولكن هذه المرة لم يكن الزوج رفيقا لزوجته في غرفة العمليات بناء على طلب الطبيب “إحساس صعب وإحساس بالوحدة حسيته وأنا داخلة العملية وجود جوزي طمني في الولادة الأولي بس المرة دي مينفعش ووافقت لمصلحتي ومصلحة بنتي”.
ظلت المخاوف تراود “نوران” حتى أخذت حقنة البنج الكلي، لبدء الجراحة القيصرية، التي خرجت منها على غرفة الولادة، وظلت حتى فاقت من أثر البنج، واطمأن الطبيب عليها وعلى صحتها، كما فحص طبيب الأطفال الطفلة، وغادرت الأم والزوج والطفلة المستشفى.
تكرر الأمر مع “شيماء” التي وضعت مولودتها الأولى في شهر أبريل أيضا، ولكنها زارت المستشفى قبل موعد الولادة للاطمئنان على النظافة والتطهير، وتأكدت من عدم وجود حالات مصابة بفيروس كورونا في المستشفى، وفي اليوم المحدد للولادة، ذهبت بصحبة زوجها ومعها الكحول فكانت تستخدمه بعد كل خطوة، قبل دخول غرفة العمليات وعقب الخروج منها وبعد الإفاقة من تأثير البنج أيضا، ظلت الأم في المستشفى حتى الصباح بسبب ولادتها عقب المغرب، وأثناء تواجدها في المستشفى كانت عمليات التطهير للأسطح والأرض مستمرة من العاملين بالمستشفى، وعمليات التطهير الخاصة بها باستخدام الكحول أيضا حتى عودتها للمنزل.
قلق وخوف
الدكتور محمد سلامة، طبيب أمراض النساء والتوليد، يقول إن هناك مشاعر من القلق والخوف يقابلها يوميا من السيدات الحوامل اللاتي يترددن على عيادته الخاصة، فيحاول طمأنتهن بأن الحوامل ليسوا عرضة للإصابة أكتر من غيرهن بالفيروس المستجد وفقا لما هو شائع، بحسب ما أعلنته الكلية الملكية والجمعية الأمريكية، كما أنه لا ينتقل للجنين.
يحاول “سلامة” ترتيب المواعيد الضرورية في العيادة، والحرص على استقبال حالة واحدة في مكان الانتظار، ثم استقبال الحالة التالية لها بعد الكشف، أما الحالات التي يمكنها الاستشارة من خلال الهاتف أو تطبيق “واتس آب” فيطلب منها عدم الحضور للعيادة، والرد على استفساراتهن هاتفيا.
الدكتور سلامة يوفر ماسكات لكل الحالات المترددة على العيادة سواء للكشف أو للولادة، وفي اليوم المخصص للولادة يطلب عدم حضور عدد كبير من الأهل مع الحالة والاكتفاء بمرافق واحد فقط، وأيضا توفير ماسك للمرافق، مع تعقيم العيادة ومكان الولادة باستمرار بالكلور والمنظفات المعتمدة من وزارة الصحة، ولا يدخل حجرة العمليات سوى السيدة الحامل وطاقم التخدير والمساعدين فقط.
نشرت رويترز تقريرا بعنوان “بسبب كورونا.. مشاعر القلق والغضب تستبد بالحوامل المقبلات على الولادة”، يتطرق لمشاعر ومخاوف الأمهات المقبلات على الولادة، واللاتي ولدن بالفعل وتجاربهن.
اقرأ أبضا:
المستشفيات الحكومية
ربما يكون الاعتقاد السائد بأن المستشفيات الخاصة تحظى بنوع من الرعاية والاهتمام أكثر من المستشفيات الحكومية، ولكن مشاعر الخوف واحدة لدى السيدات، فنفس مشاعر الخوف والقلق التي راودت كل من نوران وشيماء، راودت أيضا نبيات علي، التي وضعت طفلها الثالث بأحد المستشفيات الحكومية، مثلما اعتادت من قبل، ولكن تلك المرة كانت مختلفة عن المرتين السابقتين.
تقول “نبيات” إن زوجها عامل بأحد المحلات “جوزي عامل يومية ولا يستطع دفع فوق الـ10 آلاف جنيه فاتورة الولادة وده أقل سعر ، في المرتين الماضيتين كنت بتابع مع الدكتور في العيادة ووقت الولادة بولد في أي مستشفى تبع الحكومة “.
وضعت “نبيات” مولودها الثالث في شهر مايو الماضي، وكان من المقرر بحسب الطبيب المعالج لها وضعه في نهاية الشهر، ولكن قبل الموعد المحدد بـ10 أيام شعرت بألم شديد “حسيت بوجع وجريت أنا وجوزي على مستشفى دكرنس القريبة مننا، المستشفى كانت زحمة جدا”.
ظلت “نبيات” أكثر من ساعة تقاوم الألم حتى دخلت غرفة العمليات في كشك الولادة، ووضعت طفلها الثالث، ثم نقلت لعنبر به العديد من الأسرة، وبه سيدة أخرى وضعت طفلها أيضا، وهنا تنعدم ما تصفه “نبيات” بالخصوصية، وهذا الأمر اعتادت عليه في ولادتيها السابقتين “طبعا في المستشفى الخاصة ليكي أوضة بسرير لوحدك ومقفول عليكي باب وفي دكتور أطفال يكشف على الطفل ويطمن عليه، لكن للأسف الولادة ممكن توصل لـ20 ألف جنيه وده مبلغ مش معانا”.
بعد وضع الطفل، طلب الطبيب من الزوج والأم وأم الزوج ترك العنبر والذهاب للمنزل أفضل للأم والطفل “في تعليمات إن لا أحد يدخل أو يقعد في العنبر ولا في مرافقين بس الأمور دي بتعدي لأن المستشفى أصلا بتكون زحمة”.
تطهير وتعقيم
محمد خالد طبيب، بمستشفى دكرنس الحكومية بمحافظة الدقهلية، يقول إن أعمال التطهير والتعقيم خاصة في قسم الولادة تتم بشكل دوري قبل أزمة كورونا باستخدام الكلور والمطهرات، لأن الحوامل من الفئات التي تكون معرضة للعدوى، موضحا أن ما يتم في المستشفيات الخاصة يتم في المستشفيات الحكومية في ما يطلق عليه كشك الولادة، وهو المكان المخصص للولادة، ولكن الاختلاف يكون في خصوصية الأم الحامل، فبعد الولادة يتم نقلها لعنبر به العديد من الأسرة من الممكن أن يصل عددها لـ10 أسرة، كما أن استقبال المستشفى لجميع الحالات يجعل فرص انتقال العدوى أكثر للمرأة الحامل.
ويضيف الطبيب أنه قبل جائحة كورونا، كانت المستشفى تستقبل عشرات حالات الولادة يوميا، ومع بداية الأزمة قل العدد بسبب الخوف من انتقال العدوى للأم أو للجنين، بسبب المخاوف التي تراود العديد من السيدات حول قلة الإمكانيات بالمستشفيات الحكومية، أو إمكانية انتقال العدوى، فيذهبن للمستشفيات الخاصة.
“سبوع”.. رغم “كورونا”
وضعت “نوران” مولدتها الثانية وحرصت على عدم إقامة “سبوع”، منعا للتجمع، وهو ما فعلته “شيماء” أيضا مع مولدتها الأولى، بعكس “نبيات” التي تجمع حولها في المنزل أسرتها وأسرة زوجها في اليوم السابع من الولادة، للاحتفال بمولودها الثالث، لتفرغ الأمهات الثلاث من مخاوف الولادة، وتبدأ في مخاوف الذهاب لأخذ التطعيمات الأساسية التي يحتاجها الأطفال في مكاتب الصحة، مع رحلة جديدة من المخاوف في زمن الوباء.