حالة طوارئ في المنازل، وتنقل بين صفحات للمراجعة وشرح الدروس، والبحث عن الأسئلة الهامة، هذا هو حال العديد من الأسر المصرية مع انطلاق ماراثون امتحانات الثانوية العامة، والذي ينطلق هذا العام في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، لتعيش الأمهات قلقًا مضاعفًا على الأبناء بسبب الامتحانات والفيروس، ومخاوف جديدة بسبب انتشار الوباء.

منصات مراجعة

“تليفوني بقى عبارة عن جروبات لمراجعات الثانوية العامة، ومشاعر قلق وخوف بعيشها مع أمهات تانية، والجروبات اللي كانت متنفس لينا للفضفضة والحكي بقت كلها كلام عن امتحانات الثانوية اللي مش جاية في وقت عادي، ودعوات بحفظ الأبناء”، هكذا قالت “ثناء طلعت” أم لطالبة في المرحلة الثانوية، حيث تصف مشاعرها المركبة، ورغبتها في نجاح ابنتها وتفوقها، وأيضًا خوفهًا عليها من الإصابة.

قبل بدء الامتحانات بأسبوع، شهد منزل “ثناء” حالة طوارئ، نبهت الأم على نجليها الأصغر “مروان” و”مصطفى” بضرورة توفير المناخ المناسب حتى تستطيع ابنتها الكبرى “ميريهان” المذاكرة، ووصلت التنبيهات للأب أيضًا، فالهدوء الظاهري كان سيد الموقف في المنزل، ولكن مشاعر القلق والتوتر كانت تسيطر داخليًا على الجميع.

 

كانت الأم تبحث عن الأجزاء الهامة في المناهج الدراسية، والتي كان يرشحها معلمون وأمهات أيضًا، وتنقل تلك الترشيحات للابنة، حتى وصلت لمرحلة التجهيزات الوقائية قبل دخول الامتحانات.

أسلحة الوقاية

اشترت الأم كمية وفيرة من الكمامات الطبية التي تستخدم لمرة واحدة، وزجاجات من “الجل” المعقم للأيدي، استعدادًا للامتحانات، وفي ليلة امتحان اللغة العربية، لم تذق طعم النوم، قائلة: “قلبي كان هيقف كل لما أتخيل إنه ممكن يحصل للبنت حاجة برغم كل التحذيرات اللي وزارة الصحة والتعليم حطاهم بس برضه الطلبة كتير وممكن يكون في زحمة”.

اقرأ أيضًا:

أمهات الثانوية في زمن كورونا.. مخاوف الإصابة تطغى على أحلام التفوق

 

توجهت الابنة صحبة الأم لمدرستها في منطقة السيدة زينب، في اليوم الأول من الامتحانات في تمام الساعة السابعة والنصف صباحًا، ووصلتا في تمام الثامنة، لتجد جمعًا كبيرًا من الأمهات والطلاب، ينتظرون فتح باب المدرسة للدخول.

زحام أمام اللجان

وبرغم انتشار الوباء، وتحذيرات وزارة التربية والتعليم من الزحام، والمناشدات بعدم وجود الأهالي بمحيط المدراس، إلا أن الأمهات لم يلتزمن بهذا الأمر، فمشاعر الخوف على الأبناء هي المسيطرة، كما أن انتظار الطلاب أمام المدارس عادة صعب التخلي عنها بحسب وصف “ثناء” التي تقول: “دي أول سنة ليا في الثانوية العامة، وزمان كنت بتريق على الأهالي اللي بتستنى ولادها قدام المدرسة، بس لما أتحطيت في نفس الموقف حسيت إنه مش قادرة، مش هقدر أقعد في البيت واسيب بنتي لوحدها”.

دخلت “ميريهان” المدرسة، وانتظرت الأم في الخارج مع العديد من الأمهات اللاتي لا تجمعهن معرفة سابقة، ولكن جمعهن الدعاء للأبناء بالسلامة والنجاح، حتى تلقوا نبأ اكتشاف إصابة إحدى المعلمات بفيروس كورونا، ومنعها من دخول المدرسة، ليزداد القلق والدعوات.

حال “ثناء” تكرر مع “إيمان عبد الله” مع نجلها “علي” الابن الأصغر، حيث تقول: “السنة دي غير كل سنة، شقيق علي الكبير كان في ثانوية عامة من سنتين، وجيت معاه واستنيته برضه قدام اللجنة مع إنه كان رافض وقعد يقولي صحابي هيضحكوا عليا بس كان لازم أعمل كده، وكان في قلق وخوف بس مش زي السنة دي، السنة دي رعب، الرعب من الوباء ليوصل للولاد”.

“اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم”، واحدًا من المجموعات التي تضم عددًا كبيرًا من الأمهات والمعلمين، وفي المجموعة المغلقة الخاصة بالاتحاد على “فيس بوك”، طالب المسؤولون عن الاتحاد بعدم تزاحم الآباء والأمهات أمام اللجان، حفاظًا على الطلاب، ولكن مشاعر الأمهات المركبة التي جمعت بين الخوف والقلق كانت الأقوى من تلك المطالبات.

جلست “ثناء” تنتظر خروج ابنتها مع باقي الأمهات، ودرات بينهن أحاديث متعددة طيلة ساعات الامتحان، منها تمنيات لم تتحقق بتأجيل الامتحانات بسبب الخوف على صحة الطلاب، وتصفح لمواقع الإنترنت لمعرفة أي أخبار جديدة حول الامتحانات، أو اكتشاف حالات إصابة بين الطلاب أو المعلمين، وهو نفس الأمر الذي حدث مع “إيمان”.

نقابة الأطباء كانت قد تقدمت بطلبات لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، ووزارة التربية والتعليم، لتأجيل امتحانات الثانوية العامة بسبب زيادة أعداد الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وخرجت وزارة التربية والتعليم في رد رسمي على تلك المطالبات، لتؤكد أن موعد امتحانات الثانوية هو قرار دولة، كما أن هناك إجراءات وقائية واحترازية لمنع انتشار الفيروس، وتعقيم للجان وضوابط لدخول الطلاب.

وزارة التربية والتعليم، وضعت عدة ضوابط لدخول الطلاب للجان الامتحان، منها حضور الطلاب من الساعة الثامنة للساعة التاسعة قبل موعد الامتحان بساعة ليتم الكشف على الطلاب وقياس درجة الحرارة، وتسليمهم كمامات طبية وعبوة “جل”، وجوارب بلاستيكية معقمة لارتدائها فوق الأحذية لمنع انتقال العدوى.

عدم تسليم الكمامات

“ميرال أحمد” طالبة في الثانوية العامة، قالت لوالدتها سهير محمد، إنها لم تتسلم الجورب أو الكمامة، وتم الكشف عليها هي وزملائها وقياس درجة الحرارة، بعد مرورهم من بوابة التعقيم الموجودة في المدرسة التي أدت بها الامتحان بمدينة نصر، ودخل الطلاب اللجان بالكمامات التي حضروا بها من الخارج ولم يتسلموا كمامات طبية من المدراس.

مخاوف الوباء انتقلت من أولياء الأمور للطلاب، كما تروي “سهير”: “بنتي رجعت من الامتحان مرعوبة بتقولي الدنيا كانت زحمة واحنا داخلين الامتحان واحنا كمان خارجين ولو في حد عنده كورونا أكيد هيجيلنا كلنا”، فحاوت الأم طمأنتها متابعة: “حاولت أطمنها علشان نفسيتها طبعًا بس مشاعر خوفها دي زودت قلقي عليها أكتر”.

 

وزارة التربية والتعليم، أوضحت في بيان لها، أن هناك عدد من الطلاب والمعلمين تعرضوا لحالات إعياء واشتباه الإصابة بكورونا قبل الامتحان وأثنائه، ثم تم نقلهم إلى المستشفى، وعددهم 7 معلمين و11 طالبًا، وبعد انتهاء الامتحان أكد اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، أن امتحان اللغة العربية جاء في مستوى الطالب المتوسط.

اقرأ أيضًا:

كيف يقضي سكان العشوائيات والمقابر العزل المنزلي؟.. أسرة مصابة في حمام

 

وانتهى اليوم الأول من امتحانات الثانوية العامة، وأدى 667 ألف و315 طالبًا وطالبة الامتحان في مادة اللغة العربية داخل 56 ألف و591 لجنة فرعية على مستوى الجمهورية، ليعيش أسر هؤلاء الطلاب في مشاعر خوف وقلق، لتبدأ الأمهات في البحث عن المراجعات للمواد القادمة عبر ما يطلق عليه “جروبات الماميز”، التي تحولت لمنصات مراجعة للثانوية العامة.