عرفت مصر زراعة الأرز فى أواخر القرن السادس وبدايات القرن السابع الميلادي، ليصبح بعدها محصول الغذاء الرئيسي للمصريين، والذى يحتل المرتبة الثانية بعد القمح على المائدة المصرية.

يتميز الأرز المصري بجودته الفائقة، ويحتل المرتبة الثانية عالميًا في معيار الجودة، بينما يتصدر الترتيب العالمي في وفرة الإنتاج بإنتاجية تتجاوز أربعة أطنان للفدان، وفى السنوات الأخيرة اتجهت الدولة لتقليل المساحات المنزرعة، وتعويض انخفاض الإنتاج بالاستيراد، لتوفير ما يستهلكه من مياه.

وكالعادة انقسمت وجهات النظر بين مؤيد لقرار الدولة بخفض مساحات زراعة الأرز بحجة حاجة مصر لتوفير المياه التي تستهلكها زراعة الأرز، خاصة بعد احتمالات انخفاض حصة مصر منها حال بدء ملء سد النهضة، وبين من يرى أن الأرز سلعة استراتيجية ومكون رئيسي للغذاء تحتاج مصر لتأمين إمدادات محلية منه دون اعتبار للتكلفة الاقتصادية، بل ويعتبر البعض أن كلفة زراعته محليًا تقل عن تكلفة الاستيراد، ومن ثم فإن تقليل المساحات يشكل عبئًا على الاقتصاد المصري من خلال ارتفاع فاتورة الاستيراد.

 

احتياجات مصر

تحتاج مصر ما يقارب 4 ملايين طن سنويا من الأرز لتلبية الاحتياج المحلى بواقع 40 كيلو للفرد في العام، وبمتوسط إنتاجية الفدان بين 3 إلى 4 طن حسب النوع، بما يمثل مليون فدان لتلبية احتياج السوق.

اقرأ أيضًا:

رؤية مصر 2030.. “المركزية.” تهدد خطط التنمية المستدامة

 

وفى السنوات الأخيرة قبل تخفيض مساحة الأرز هذا العام، كان هناك فائض يتم تصديره يقترب من مليون طن، بعد أن تم زراعة مليون ومائة ألف فدان خلال عامي 2016 و2017، بينما تم تخفيض المساحة إلى 750 ألف فدان فقط عام 2018، لتصل إلى 724 ألف فدان وفقًا لخطة وزارة الري لموسم 2020 بالإضافة إلى 200 ألف فدان تزرع بمياه الصرف الزراعي و150 ألف فدان من النوع الموفر للمياه بإجمالي يقترب مليون و74 ألف فدان.

بينما توقعت نقابة الفلاحين، أن تصل المساحة المزروعة بالأرز هذا العام إلى 2 مليون فدان، وهو أمر متكرر كل عام، حيث يخالف الكثير من المزارعين قرار وزارة الري ويزرعون بالمخالفة مع دفع غرامة، نتيجة ربحية زراعة الأرز.

تخفيض المساحة

بعد تخفيض المساحة يتوقع أن يبلغ إنتاج مصر من الأرز 3 ملايين طن، على أن يتم استيراد مليون طن من الخارج لتغطية العجز من الـ 4 ملايين طن التي تحتاجها مصر، ويتراوح سعر الأرز عالميا بين 400 و450 دولار للطن حسب الصنف، لتصبح التكلفة الإجمالية للاستيراد نحو 420 مليون دولار.

يضاف إلى ذلك خسارة مصر لحصتها التصديرية التي بلغت مليون طن أخرى حتى عام 2017 بقيمة إجمالية أيضًا تقترب من 420 مليون دولار من عوائد التصدير.

 

زراعة الأرز 

قرار التخفيض حرر ما يقرب 250 ألف فدان من زراعة الأرز، بالإضافة إلى توفير ستة آلاف متر مكعب من المياه مقابل كل فدان كان سيتم زراعته، بإجمالي 1.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا من إجمالي حصة مصر من مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب، في حين أن إجمالي الموارد المائية لمصر تبلغ 79 مليار متر مكعب سنويا، ويمكن ترجمة هذه الأرقام إلى قيمة اقتصادية مضافة لغرض المقارنة مع كلفة الاستيراد، كالتالي:

250 ألف فدان يمكن زراعتها بالقمح أو الذرة، لو اتخذنا القمح معيارًا للمقارنة، حيث تستورد مصر نحو 10 ملايين طن سنويًا وتعد أكبر مستورد في العالم للقمح، وتبلغ إنتاجية فدان القمح في أفضل أحوالها 3 أطنان للفدان، وتستورد مصر الطن بـ500 دولار، أي أن 250 ألف فدان يمكن أن تنتج نحو 750 ألف طن قمح بقيمة إجمالية مقدرة بالسعر العالمي حوالى 375 مليون دولار.

ويستهلك فدان القمح بين 1200 متر مكعب في أراضي الدلتا و2000 متر مكعب فى الأراضي الصحراوية والمستصلحة.

وزراعة 250 ألف فدان بمتوسط 1500 متر مكعب ستستهلك ما يقارب نصف مليار متر مكعب، أي أن المساحة التي تم توفيرها من زراعة الأرز يمكن زراعتها بالقمح لتوفير مليون طن بقيمة 500 مليون دولار بالإضافة إلى توفير مليار ونصف متر مكعب من المياه لأغراض أخرى.

بحسبة أخرى يمكن للـ 1.5 مليار متر مكعب زراعة نحو مليون فدان قمح بإنتاجية ثلاثة ونصف مليون طن بقيمة إجمالية تزيد على 2 مليار دولار، وهو ما يزيد كثيرا عن تكلفة استيراد الأرز وخسارة عائد تصدير المتوفر منه، غير أن هذا التوجه الثاني يحتاج إلى مليون فدان إضافية غير ما تم توفيره من زراعة الأرز.

استهلاك الأرز للمياه يشكل عبئا على الموارد المائية المحدودة لمصر، كما أن محدودية الموارد المائية تجعل من الصعوبة بمكان التخطيط لاستصلاح أراضٍ جديدة في المستقبل.

اعتماد المصريين على الأرز كغذاء يومي رئيسي، وعدم توفيره محليا يجعل تلبية احتياج مصر منه مرتبط بتقلبات السوق العالمي والمناخ.

عجز الدولة عن ضبط وتحديد المساحة المزروعة بالأرز، وعدم استجابة الفلاحين لتوصيات الدولة بالحد من المساحة المزروعة.

الأرز هو المحصول الصيفي الوحيد الذي يعود بعائد مجزي للفلاح، وبدون زراعته سيهجر الفلاح الزراعة .

اقرأ أيضًا:

“الصحة” في الموازنة الجديدة..  أموال ضخمة وبند إضافي لـ”لقاح كورونا” 

 

تساهم زراعة الأرز بدور فى غسيل الأراضي وتقليل نسبة الملوحة بها والتي تنجرف مع كميات المياه المستخدمة فى زراعته، والتوقف عن زراعته خاصة فى بعض مناطق الدلتا التي تعانى أراضيها من ارتفاع نسبة الملوحة قد يسهم فى تبوير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية لمصر.

بدأ خبراء الزراعة فى مصر من خلال تكنولوجيا البيوتكنولوجى، فى البحث عن أصناف جديدة للأرز تستهلك كميات أقل من المياه، وهو ما يمكن أن يسهم فى عودة زراعة الأرز فى نطاق واسع لتغطية الاستهلاك المحلى والتصدير فى المستقبل فى حال تم تجاوز مشكلة إهدار المياه فى زراعته.

أقرا أيضا”

رؤية مصر 2030.. “المركزية.” تهدد خطط التنمية المستدامة

 تكلفة تخفيض المساحة واستيراد الأرز:

احتياج مصر من الأرز 4 ملايين طن.

إنتاج مصر بعد تخفيض المساحة 3 ملايين طن.

استهلاك فدان الأرز من المياه 6000 متر مكعب.

المساحة المنزرعة 724 ألف طن بالإضافة إلى 200 ألف فدان بمياه الصرف الزراعي و 150 ألف فدان لزراعة تقاوى أرز جاف.

حجم الاستيراد من الأرز مليون طن.

السعر العالمي لطن الأرز من 400 إلى 450 دولار.

تكلفة استيراد مليون طن 420 مليون دولار.

خسارة مصر من وقف التصدير 420 مليون دولار.

إجمالي التكلفة 850 مليون دولار.

استخدام وفر المياه لزراعة القمح بإجمالي عائد يصل إلى 2 مليار جنيه بشرط توفير مليون فدان إضافية لزراعة القمح.

 تكلفة زراعة الأرز محليا:

إضافة 250 ألف فدان من المساحة المنزرعة.

استخدام 1.5 مليار متر مكعب أخرى من مياه الري.

استهلاك فدان القمح من المياه 1500 متر مكعب في المتوسط.

زراعة مليون طن قمح بقيمة 500 مليون دولار.

أو زراعة مليون ونصف فدان بإنتاجية 4.5 مليون طن.

السعر العالمي لطن القمح 500 دولار.

إجمالي عائد زراعة القمح محليا 2 مليار دولار.

توفير مليون فدان أراضي لزراعة محاصيل أخرى.

 

الفلاحون .. الأرز زراعة أساسية

حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، أكد أن الأرز هذا العام متوفر بكميات كبيرة خاصة أن عدد كبير من الفلاحين خالفوا القرار الصادر بتقليص المساحة المزروعة من الأرز، فهناك نحو 500 ألف فدان زرعت بالمخالفة للقرار، مضيفًا أن كمية الأرز الموجودة في الداخل بالإضافة الى ما قامت وزارة التموين والتجارة الداخلية باستيراده تكفى حتى نهاية عام 2021.

وأضاف في تصريحاته لـ “مصر 360” أن أسعار الأرز انخفضت بشكل ملحوظ، فالطن من الأرز الأبيض سعره الآن نحو 7000 جنيه أي أن الكيلو يسجل نحو 7 جنيهات، وسعر الشعير يتراوح بين 4 لـ 4.5 ألف جنيه في الطن.

نقيب الفلاحين أكد “أن الأرز أحد أهم ما ينتجه الفلاح خلال العام وهو ما جعل من زراعته ضرورة لتعويض أرباح العام نظرًا لما يُجنيه من عوائد لذلك أصبح الفلاح يفضل الغرامة والمخالفة عن وقف الزراعة، كما أن تطبيق الغرامة على جميع الفلاحين أمر صعب للغاية فالغرامة تُفرض على الأماكن المشغولة بالسكان ويتم فرضها على البعض للردع ولكن هناك غض للطرف عن هذه الغرامات نسبيًا لأن تطبيق القانون على الجميع صعب خاصة أنه لا يوجد حصر بهذه المخالفات”.

أقرا أيضا 

استيراد الغذاء في الدول العربية.. سياسة واحدة ومجاعة في الأفق

وأضاف أن آخر اجتماع لنقابة الفلاحين كان على طاولته المطالبة بإلغاء الغرامات التي تم توقيعها على بعض الفلاحين المخالفين، والتي تتراوح ما بين 3 لـ 15 ألف جنيه حسب المساحات، فضلا عن تأجيل الأقساط هذا العام، مؤكدًا “أن القرار يحتاج مراجعة مرة أخرى فهناك محافظة كالفيوم بها نحو 40 ألف فدان مخالف لأن الدولة قررت زراعة الأرز في 9 محافظات الفيوم ليست واحدة منها ولكن هذه المحافظة قام فلاحوها بالمخالفة والزراعة، وكذلك الوادي الجديد فهو يزرع بالمياه الجوفية وله حصة إلا أن هذه المحافظة أيضا تم منع الزراعة بها رغم أنها لن تشكل عبئًا على المياه”، مشيرًا إلى “أنهم يخاطبون وزارات التموين والزراعة والري بالعدول عن هذا القرار أو إعادة النظر فيه ولكن الرد واحد وهو أزمة المياه وزراعة الأرز قرار سيادي غير قابل للتفاوض”.

واعتبر نقيب الفلاحين أن هناك أولوية للإبقاء على الأراضي نفسها والزراعة بشكل عام، حيث إن بعض الأراضي وفقًا لتقديره ستصبح منتهية الصلاحية في حال عدم زراعتها خاصة في الفيوم لأنها قريبة من البحر قائلا: “فيه أراضي سينتهى بها الحال الى أن تصبح مالحة أو تطبل وهنا سنخسر الأرض بشكل نهائي”، معتبرًا أن هناك زراعات بديلة يمكن الاستغناء عنها وتوفير الأرز، منها على سبيل المثال البرسيم الذي يُزرع منه نحو مليون ونصف فدان، مشيرًا إلى أن طعام المواشي ليس أهم من طعام المواطن الأساسي.

لا مشاكل

رجب شحاتة، رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات المصرية، أكد أنه لا توجد أي مشاكل هذا العام ناتجة عن تقليص المساحة المنزرعة من الأرز لتوافر كميات منه تكفي لسد احتياجات المواطن.

وأضاف أن مصر تزرع نحو “مليون و 200 ألف فدان” وهذا يكفي الاستهلاك يخرج منها نحو 4 ملايين طن شعير ويتم استهلاك نحو 2.5 مليون طن أرز أبيض وهو كافي للاحتياج، مؤكدًا أن الأرز أيضًا متوفر ويمكن استيراده في حال الاحتياج، معتبرًا أن التأثير السلبي فقط جاء على التصدير، موضحًا: “فمصر حاليًا لا تصدر أرز ولكنها تكفى احتياجها المحلي”.