خلف الأبواب تقبع الأم  مكلومة طريحة الفراش، تسمع صرخات أحد صغارها وتوسل الآخر بأن تفتح أبوابها لتحدثهما، يخبرها أحدهم بأنه يريد أن يلعب معها كما اعتاد، ويخبرها الآخر بأنه يريد الطعام الذي اعتاد أن يتناوله من يديها، أما الطبيب فقد أخبرها بأنه غير مسموح لها بأن تخطو خارج غرفتها حتى تشفى من إصابتها بفيروس كورونا.

تعيش الأمهات أصعب فترات حياتها في العزل المنزلي الذي يقرره الأطباء بعد التأكد من الإصابة بفيروس كورونا،  ولأن الأم تعتبر هي عمود البيت وأساسه فإصابتها بمثابة حالة توقف تام لكافة أنشطة الحياة داخل هذا المنزل، تحمل السطور القادمة قصص لأمهات اختلفت تفاصيلها، لكن معاناة فترة العزل مع أطفالهم  تشابهت كثيرًا.

“أمنية سليمان” أم لفتاتين الأولى 5 سنوات ونصف، والثانية 3 سنوات ونصف، أصيبت بفيروس كورونا مع نهايات شهر مايو وظلت ما يقرب من 20 يومًا في عزل منزلي داخل غرفتها، تروي ما مرت به تلك الفترة قائلة: “كانت أيام تحمل قدرًا كبيرًا من الصعوبة، ليس فقط  للمرض الذي أصابني وجعلني طريحة الفراش معزولة في غرفة منفصلة عن زوجي وأولادي”.

وتضيف: “لكن الأمر ازداد صعوبة مع توسلات بناتي لوالدهن بالدخول عندي، لكن والدهم الذي تحمل الكثير من المتاعب في هذه الفترة خاصة في إقناع البنات بأن التعامل معي سيكون عبر مكالمات الفيديو كول وفقط حتى أن يتم شفائي تماما”.

وتتابع “أمنية”: “كانت مرحلة صعبة وربنا قوى زوجي عليها، وتحمل هو كافة مطالب البنات من أكل وشرب ولبس ولعب  وأنشطة مستمرة وكل شيء، وبدأ البنات يتأقلمن مع الوضع”، لكنها ترى أن الأثر النفسي السيء خلال تلك الفترة لم يكن عند أطفالها فقط، وإنما هي أيضًا كانت دائمًا ما تشتاق لحياتها الطبيعية مع أطفاها، وظل هذا حافزًا لها حتى تستعيد صحتها من جديد”.

حالة نفسية سيئة

أما “نهى” والتي لديها من الأطفال اثنان الأولى تبلغ من العمر 6 سنوات، والثانية عامان ونصف العام، تروي تجربتها مع العزل داخل غرفتها قائلة: “زوجي قام بمجهود كبير جدًا أثناء فترة عزلي وهي 20 يومًا، فقد غلق عيادته الخاصة وقام بعزل نفسه معي وتكفل بمسئولية البنت الصغرى بالكامل، أما الكبرى فقد ظلت تلك الفترة عند جدتها، بعد اتصال هاتفي بينها وبين والدها شرح لها الأمر وأخبرها بأني أصبت بالفيروس، وأصبح الأمر يتطلب أن تظل بعيدًا حتى لا تصاب هي الأخرى”.

وتتابع قصتها: “تحول زوجي الطبيب من رجل لا يعرف أي شيء في أمور المنزل إلى رجل يفعل كل شيء من تنظيف للبيت وطبخ أكل صحي ورعاية للبنت الصغرى”، وتضيف: “كانت الوسيلة الوحيدة للتواصل مع بنتيّ هي المكالمات الهاتفية والفيديو كول، حتى يطمئن قلبي عليهما وتطمئنان هما أيضًا، البنت الكبرى كانت متفهمة الموقف لكن مع طول الوقت بدأت تبكي أثناء مكالمتنا لأنها تريد العودة للمنزل”.

 

وتتابع: “أما الصغرى فمع مرور الوقت رفضت حتى التحدث معي عبر الهاتف، غضبًا منها حيث أنها شعرت أنني لا اريد أن أخرج من غرفتي حتى ألعب معها كما كان المعتاد”، تقول نهى: “ظللت لمدة 14 يوما صامدة لكني في الأسبوع الأخير ساءت حالتي النفسية مع الصحية أيضًا فقد طالت فترة المرض وبنتيّ وحشوني”.

اقرأ ايضًا: الإنسان قبل الأرباح.. مطالبات بإشراف الدولة على المستشفيات الخاصة

غضب طفولي

أما “أماني محمد فهي” لديها من الأطفال اثنان الأول 3 سنوات والثاني 8 أشهر، تروى قصتها مع فترة العزل المنزلي قائلة:” بالرغم من الأعراض الهالكة التي تملكت من جسدي فكنت أتكئ وارتدي كمامتي وقفزات الأيدي، وأقوم حتى أعد الطعام لأطفالي، ثم أعود لغرفتي مرة أخرى وأخبر أطفالي أن اليوم لن نستطيع أن نلعب أو نشاهد التلفاز سويًا كما نفعل كل ليلة”.

تضيف أماني:” لأن أطفالي كان سنهم صغير فهم لم يتفهموا أمر المرض أو العدوى، وفسروا ابتعادي عنهم بعدم رغبتي في اللعب والجلوس معهم، حتى بدأت نظراتهم تتغير فطفلي الكبير الذي في الثالثة من عمره كان ينطر لي غاضبا ويقول يلا أمشي،  كنت أتألم وجعًا لكن سلامتهم الصحية كانت أهم عندي من أي شيء آخر”.

عزل الأطفال

فيما وصفت “شيرين أحمد” فترة عزلها بالعذاب وتقول في روايتها: “لدي طفلان الأول يبلغ من العمر 8 سنوات والثاني 6 سنوات، وعند تأكيد إصابتي بدأت فترة العزل المنزلي، لكني لم أعزل نفسي كما وصف الطبيب فقد قمت بعزل أطفالي في غرفة واحدة”.

وتتابع “فقد عزلتهما هم حتى أتمكن  من القيام بمهامهي التي اعتدت عليها من إحضار طعام وتنظيف وغسل ملابس الأولاد وغيرها، رغم اشتداد التعب علي، إلا أني كنت أعلم أن من دوني لا أحد يتحمل أبنائي”.

وتضيف: “لكن ما زاد الأمر سوءا هو خوف أطفالي مني ورعبهم من فرصة انتقال العدوي إليهم، فكانوا غالبا ما يرفضون الطعام الذي أقوم بطهيه خوفا من أن أنقل لهم العدوى، لكن زوجي دائما ماكان يتدخل في الأمر ليطمئنهم”.

 

هناك جانبان من الضغط النفسي، جانب يقع على الأطفال، والآخر يقع على الأم في فترة عزلها منزليًا، هكذا بدأت “ريهام خليل” الأخصائية النفسية حديثها عن فترة عزل الأم عن أبنائها بعد الإصابة، وتقول خليل: “هناك ضغط نفسي يصيب الأم  منذ اللحظات الأولى بعلمها بخبر الإصابة، فأول ما يخطر ببالها هو احتمالية تدهور حالتها الصحية وتبدأ تفكر في أمرين أساسيين الأول مصير أبنائها من دونها، والثاني تخوفات من أن تكون العدوى قد انتقلت لأحدهم”.

اقرأ ايضًا: “صحفيون في مواجهة كورونا”.. نقطة مضيئة في عتمة الوباء

 

وتضيف: “أما الأمر الأخير وهو من سيتكفل بمطالبهم واحتياجاتهم، خاصة إذا كانت الأم مطلقة أو أرملة، وهنا تبدأ حالة من الضغط النفسي على الأم مما قد يساهم في تدهور حالتها الصحية “، وتتابع: “لذلك أنصح جميع الأمهات بضرورة الهدوء وضرورة المحافظة على الحالة النفسية حتى تستطيع أن تتعافى سريعًا”.

وتضيف: “أما بالنسبة للأطفال فالأمر يتفاوت وفقًا لأعمارهم، فمن عمر عامين لـ 4 أعوام لابد أن يقوم الأب باللعب معم وممارسة الكثير من الأنشطة، فهذا يساعد الطفل كثيرًا على حالة الإلهاء التي تساعده على بعد والدته عنه تلك الفترة، أما العمر الأكبر فلابد من أن يتم التحدث إليه وإخباره بالأمر دون توتر أو ضغط، فأطفالنا يتعلمون منا كيف ندير الأزمات”.