حفلت الحياة الحزبية بحوالي 104 أحزاب، لكنها بدت جميعا غائبة عن هموم الشارع المصري وأزماته ومعاناته اللهم إلا في أوقات الانتخابات التشريعية والرئاسية، لحث المواطنين خاصة الشباب، على الذهاب إلى الصندوق ومنحهم أصواتهم، ناسية أو متناسية دورها المستمر طوال العام، وشعاراتها ذات العبارات الرنانة، التي بدت “خرساء” أمامه، لا تحمل سوى وعودًا تثبت زيفها على عتبة مواقفه وأزماته.

sss

“مصر 360″، حاول استطلاع رأي عدد من المواطنين عن دور الأحزاب في الماضي والحاضر، وما ينتظره منها حتى تصبح ذات جدوى بالنسبة إليه، فضلا عن معرفة وجهة نظر قيادات حزبية في الاتهامات القديمة الجديدة” ضدها، و الأوضاع الحالية وما قد يحدث مستقبلا لزيادة الترابط، وإثراء الحياة الحزبية في مصر من جديد.

علاقة وصولية

البداية كانت مع محمود أبو طويلة (عامل)، والذي بدا مندهشًا من سؤاله عن “الأحزاب”، واصفا ذلك بمحاولة “نبش قبر ميت”، مبينا أن العقدين الماضيين لم يشهدا تغييرًا يذكر، سوى في زيادة أعداد الأحزاب بصورة كبيرة، عن السنوات العشر الأخيرة قبل أحداث ثورة 25 يناير 2011.

 

محمود أوضح لـ”مصر 360″، أنه بعد الأحداث التي شهدها الشارع وخصوصا مع فوز جماعة الإخوان بأغلبية برلمان عام 2012، وبزوغ نجم العديد من الأحزاب المناهضة للحكم الإسلامي، وعزل الرئيس الراحل محمد مرسي العياط، وشبه انتهاء الأزمة السياسية في البلاد، بقيت الأمور على حالها، الأحزاب في واد بعيد عن المواطن المصري، ومطالبه وحقوقه، وحاضرة في أوقات الانتخابات فقط.

 

اقرأ أيضًا:

تعديل قانون مجلس النواب.. تجاهل للأحزاب وتعزيز لسلطة المال

 

وأضاف الحاصل على ليسانس لغة عربية بجامعة الأزهر، أن العلاقة حاليا “وصولية”، فلم يعد هناك ظهور للأحزاب سوى في أوقات الاستحقاقات الانتخابية والدستورية، حيث تبدأ الأحزاب الترويج لنفسها بدون إيضاح من مبادئها الرئيسية معتمدة على مدى شهرة مرشحها في دائرته فقط، علاوة على نشر لافتات تأييد للرئيس في انتخابات 2014 و2018، والتعديلات الدستورية التي أجريت في عام 2019.

تهميش مستمر

صلاح عزازي، خريج كلية الإعلام، لم يكن أكثر تفاؤلا هو الآخر، فبين أن الأحزاب حاليا أصبحت غير فاعلة أو مؤثرة في العملية السياسية، ما دفع المواطن إلى هجرتها، بسبب التهميش المستمر لها، والاضطرابات الأمنية الذي جعلت المواطن قلقا من الانخراط في أي عمل حزبي قد يعرضه للخطر، وزيادة نسبة الأمية في البلاد، وانشغال المواطنين بهمومهم الحياتية، متابعا: “هناك حالة انعزال مسببة بين الأحزاب والمواطن”.

وأكد ضرورة إنعاش الحياة السياسية في مصر حتى تتمكن الأحزاب من الاستفاقة، وبدء أنشطتها “الحقيقة”، بدلا من بيانات الشجب والإدانة والتأئييد، حتى تستعيد رصيدها عند المواطن، منوها بأن فرصة الأحزاب الكبرى كانت بعد ثورة 25 يناير، والتي نتج عنها تعددية حزبية، ولكن تم إجهاض المحاولة، وبقاء الوضع على ما هو عليه.

وشدد لـ”مصر 360″، على أنه ينبغي في الوقت الحالي أن تفرق الحكومة بين الأحزاب ذات الطابع السلمي، والأحزاب الدينية التي تنوي الشر وتقصده، متمنيا أن تبدأ الأحزاب الانخراط في المجتمع للظهور كصوت للناس لا صوت تصفيق وتأييد.

مواجهة الأفكار التدميرية

محمد أحمد الدلجموني (محاسب)، ذكر أنه بعد نجاح ثورة يناير، حرص كثيرا على التعرف على الحياة السياسية، والتي كان يجهل عنها الكثير، وأنه بقي متابع عن بعد مجرى الأمور في البلاد، والصراعات الحزبية التي أطلقت في البلاد، مشددا على أن الجميع حينها كان يسعى وبشدة إلى الوصول إلى الحكم بدون النظر إلى أي اعتبارات أخرى مستغلين حالة الجهل لدى المواطنين عموما.

ورأى “محمد” أن الوضع استمر في السوء بعد انتخابات البرلمان الماضية، وأنه خلال تلك الفترة لم تحاول الأحزاب سواء المؤيدة أو المعارضة التواصل مع المواطن، لمحاولة تثقيفه بشأن حقوقه وواجباته السياسية، وبقيت محافظة على عهدها في السعي فقط إلى الحصول على مقاعد في البرلمان، ومن ثم البدء في تنفيذ كل مطالب الحكومة، بدون النظر إلى معاناة المصريين وحالتهم وما يحتاجون لتحسين أوضاعهم المعيشية والتعليمية والصحية.

وتمنى “الدلجموني” أن تتغير سياسات الأحزاب بشأن المواطن، وتبدأ في تقديم وجبة سياسية لهم، تمكنهم من مواجهة الأفكار التدميرية وعدم الوقوع فريسة لها، وكيفية التلاقي مع القضايا الموجودة في البلاد، منوها بأن ذلك يمكن أن يحدث من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عبر السعي إلى تقديم محتوى خفيف يجذب المواطنين، ويمكنهم من تعويض ما فاتهم.

علاقة معدومة

ومن المواطنين، إلى بعض القيادات الحزبية، إذ بين عضو مجلس النواب عن حزب المصريين الأحرار أحمد يوسف إدريس، أن العلاقة بين الأحزاب عموما والمواطنين تكاد تكون معدومة سوى في أوقات الانتخابات، سعيا من الأحزاب لجني أكبر قدر من المنافع لصالحها، بدون النظر إلى المواطن، والمخاطر التي تحيط بالوطن، منوها بأن الأحزاب قديما كانت تحمل على عاتقها قضية “قومية” تمثل الدفاع عن الوطن ومقدراته سواء في مكافحة الاحتلال، وصالح المواطن.

وأشار “إدريس” في تصريحات خاصة لـ”مصر 360″ إلى أن المشهد المصري تغير كثيرا في السنوات العشر الأخيرة إذ ظهر على الساحة أكثر من 100 حزب، لم يكن لها أي تأثير إيجابي على المواطن، أو معروف حتى أهدافها ومبادئها ما جعلها تفقد أهميتها”، ما دفع المواطن إلى العزوف عنها، داعيا الأحزاب إلى إنفاق أموال الدعاية الانتخابية “الكبيرة” على معاونة المصريين، وحل مشكلاتهم.

وشدد عضو مجلس النواب، على أنه يجب أن تدرك الأحزاب خطورة ذلك على الشارع المصري، والتي أدت في فترة من الفترات إلى تمكن الجماعات المتطرفة من التوغل بين الناس، وتكوين قاعدة لهم كادت أن تتسبب في كارثة في البلاد، مطالبا الأحزاب الموجودة على الساحة الآن بتنفيذ مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالاندماج فيما بينها، وتكوين قاعدة كبيرة تكون قادرة على التواجد بين الناس، وزيادة الوعي المجتمعي لدى المواطنين.

توترات داخلية وخارجية

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب الوفد المهندس حسين منصو، أن العلاقة بين الأحزاب حاليا ليست على ما يرام، ومتأثرة بالمناخ العام في ظل الأزمات المتتابعة والتوترات الداخلية والخارجية، لافتا إلى أن العمل العام حاليا غير قادر على أن يكون في أفضل صوره، أو يؤدي الدور المنوط به لمساعدة المواطن، ما ينعكس على الفور على علاقة المواطن بالأحزاب.

 

اقرأ أيضًا:

البرلمان وانتخاباته.. انتهاء جدل القائمة المغلقة وبدء البحث عن التحالفات 

 

ولفت في تصريحات خاصة لـ”مصر 360″، إلى أن الأحزاب عليها دور كبير في تحفيز المواطنين وزيادة الوعي لديهم، ومساندتهم، إلا أن ذلك يتطلب أن يكون المناخ العام في البلاد مفتوحا، وليس مناخ أسقفه منخفضه، ما يجعل التعبير عن الرأي أقل والحركة في الشارع أقل.

حراك منتظر

أما عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، خالد عبد العزيز شعبان، فرأى أن التغيرات التي شهدتها مصر عموما بعد ثورة 25 يناير كان لها تأثير إيجابي وسلبي، على البلاد عموما وعلى الحياة الحزبية خصوصا، مشيرا إلى أن الوضع الحالي طبيعي في ظل تأسيس حياة سياسية جديدة في البلاد، بعد حالة الانغلاق التي شهدتها واقتصار الحياة الحزبية “تقريبا” على الحزب الوطني.

 

وأوضح لـ”مصر 360″، أن زيادة أعداد الأحزاب خلال السنوات العشر الماضية كان مألوفا في ظل حالة التخبط الحزبية، وأنه من المنتظر أن تشهد السنوات القليلة المقبلة حراكا حزبيا، بعد استقرار الحياة السياسية، وفتح المجال، وسعى الدولة والأحزاب معًا إلى إعلام المواطن بدور الأحزاب وأهميتها، واستبدال الاختيار الانتخابي لدى المواطن القائم على منح صوته لصاحب الخدمات.