تُخفي أسباب المناكفة الإثيوبية المستمرة في مفاوضات سد النهضة مع مضي الماراثون الطويل للمفاوضات، رغبة أديس بابا القوية في بيع المياه لدول المصب بالدولار، واستحداث استثمار هو الأول من نوعه في التاريخ لتحقيق عائد اقتصادي سريع وبالمخالفة للقوانين الدولية.

باتت تلك النقطة واضحة للعيان حاليًا، وأكدتها العناصر الفاعلة في ملف المفاوضات، ومنها الدكتور أحمد المفتي، ممثل السودان في لجنة التفاوض الأولى حول سد النهضة، الذي قال إن إثيوبيا تستهدف بيع المياه لمصر والسودان عقب الانتهاء من تشغيل السد بعد فرض سياسة الأمر الواقع.

يقول “المفتي”، في تصريحات صحفية لم تجد صدى كبيرًا في الإعلام المصري، “إن إثيوبيا لا تريد أن تخسر ما كسبته من خلال سنوات التفاوض الخادع منذ 2011، خاصة بعد أن أصبح السد أمرًا واقعًا”.

من المتوقع أن يخفض السد حصة مصر التي تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويًا بما يتراوح ما بين 5 إلى 15 مليار متر، حسب كمية التبخر من البحيرة التي تتكون خلفه، ونسب التسرب ومقدار الفيضان والسقوط السنوي من مياه الأمطار.

 

يؤكد الدكتور محمد نصر علام، وزير الري المصري السابق الرأي ذاته، مشددًا في تصريحات متلفزة مؤخرًا، على أن هدف أديس بابا الخفي والحقيقي هو التحكم الكامل في مياه النيل الأزرق وبيعها، مطالبا بـ”تدويل قضية النيل وسد النهضة حتى يشعر العالم كله بخطورة الموقف”.

اقرأ أيضًا:

سد النهضة.. تمويل سياسي وأدوار خفية وترقب إسرائيلى

 

يرى محللون سياسيون أن مصر يمكنها اللعب على رغبة إثيوبيا في بيع المياه وحشد جميع الدول التي تقف في مصبات الأنهار عالميًا في مؤتمر أو قمة مصغرة لاتخاذ موقف جماعي فالخطر يهدد الجميع، وحال نجاح إثيوبيا في مسعاها، ستلجأ دول أخرى لتكرارها وتسليعها.

حشد دولى

يمكن لمصر حشد دول كثيرة تعاني شحًا في المياه بسبب وقوعها في المصب مثل سوريا والعراق المتضررين من سياسة تركيا في بناء السدود، واستغلال المناطق التي قد تشهد أزمات مشابهة في أي وقت مثل الدول الواقعة على نهري السند والجانج” الهند وباكستان والصين”، والدول المطلة على بحر “أرال” الذي تعرض لشبح الجفاف من السدود وهي “قريغيزستان وكازاخستان وتركمانستان وطاجيكستان وأوزباكستان”، ودول نهر ميكونج بجنوب شرق آسيا بعد بناء جمهورية “لاوس” الصغيرة سدًا تتضرر منه كمبوديا وفيتنام وتايلاند.

وتقول إثيوبيا إنها تسعى لاستثمار السد في توليد الطاقة لصالح التنمية وبيع الفائض منها للسودان والدول المجاورة، لكن تلك التصريحات يثبت عدم منطقيتها خاصة أن كفاءته في توليد الطاقة لا تزيد على 30%، وفي ظل حصولها أيضًا على قروض ضخمة لإنتاج الكهرباء الشمسية بجانب أنها تمد السودان يوميا بنحو 200 ميجاوات من الكهرباء ما يعني أن ها دولة مصدرة قبل السد.

وثيقة البنك الدولى

وربما يكون البنك الدولي المسئول عن اختمار تلك الفكرة في رأس إثيوبيا، حينما اقترح وثيقة “1992” تحويل المياه إلى سلعة اقتصادية وتسعيرها والتي أسيء توظيفها، فالبنك حينها كان يتحدث على الصعيد المحلي بمعنى أن يتم خصخصة المياه بهدف ترشيد استخدامه عبر إدارتها بشركات خاصة وليس أن تتحول إلى تجارة دولية.

ويعرف البنك الدولي تسعير المياه بأنه عملية يتم بها تحديد سعر للمياه طبقا لسوق العرض والطلب، وبما يساوى تكاليف استخراجها الحقيقية، لكن الأمم المتحدة ترى أن من حق كل المواطنين الحصول عليها، وبالتالي لا تعتبر سلعة استراتيجية.

 

ويقول الدكتور مغاوري شحاتة دياب، أستاذ المياه ورئيس جامعة المنوفية السابق، في كتابه “نهر النيل بين التحديات والفرص”، إن بعض دول حوض النيل ترى أن من حقها بيع المياه لمن يرغب، وهذا يتنافى مع أن الماء لا يعتبر سلعة استراتيجية ولا ينطبق علها مبدأ البيع بين الدول، أما بيع المياه وتسعيرها داخل كل دولة فشأن خاص يدخل ضمن كيفية إدارة المياه وصيانة مرافقها.

وتقدمت مصر أكثر من مرة بطلبات أن يكون الملء للسد بالكامل على مدار سبع سنوات لتفادي العجز الكبير المتوقع في حصتها بالمياه لكنه إثيوبيا تصر على أن يكون في ثلاثة سنوات فقط.

يشير الكتاب إلى بعض نقاط الخلاف – التي تسعى إثيوبيا لاستغلالها حاليًا- حول تقسيم المياه، وهل يكون على أساس عدد السكان أم كفاءة استخدام المياه”، أم على مساحة الحوض داخل كل دولة ومدى المساهمة في حصة النهر بكمية المياه الساقطة عليها؟، والحقوق التاريخية ومشروعات التنمية القائمة والمنطق أن ذلك التقسيم يجب أن يعتمد على نسبة الاعتماد والاحتفاظ بالحقوق المكتسبة ومدى وجود مصادر بديلة.

 

اقرأ أيضًا:

مطالب جديدة.. التوتر بين السودان وإثيوبيا يغير محور مفاوضات السد

 

نفوذ أجنبي

يذكر أن تغلغل النفوذ الأجنبي داخل بعض دول الحوض النيل وراء بيع المياه الحالية، حيث تساهم العديد من الدول في إنشاء مشروعات متعددة مثل إنشاء السدود ومشروعات مياه الشرب وغيرها، بما يعني أنها تريد الحصول على عوائد اقتصادية ضخمة بأي وسيلة من وراء ذلك الاستثمار.

ويلمح “شحاتة” إلى الدور الإسرائيلي في حوض النيل والمساعدات التقنية التي تقدمها لهم عبر إرسال خبراء في مجال المياه والطاقة والزراعة، فالسفارة الإسرائيلية في أديس أبابا، أعلنت في فبراير الماضي، عزم تل أبيب إقامة مشاريع مرتبطة بالمياه في إثيوبيا.

كما تدعم إسرائيل مبادرة الحكومة الإثيوبية لزراعة القمح في الأراضي المنخفضة، وإنشاء مركز في تقنية الري في المناخ الجاف وشبه الجاف، وتقديم خبرتها في “تقاسم تجربتها الواسعة في إدارة المياه” مع أديس أبابا.

ويطالب الخبراء بحملة إعلامية عالمية في جميع وسائل الإعلام تظهر الموقف الرسمي المصري وتكشف الادعاءات الإثيوبية، تركز على فكرة سعي إثيوبيا لبيع المياه لدولة تعاني شحا أصلا في الوصول لاحتياجاتها، لخلق موقف عام دولي ضاغط على أديس بابا يجبرها على التنازل والتوقف عن المماطلة.