فشلت مصر والسودان في التوصل إلى اتفاق نهائي مع إثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة، على مدار حوالي عقد من المفاوضات المباشرة، بسبب تعنت ومراوغات أديس أبابا، لتعلن الدولة الفقيرة أنها ستبدأ ملء خزان السد دون الانتظار للتوصل إلى اتفاق، مستخدمة لغة قوة لا تناسب قدراتها، وموقفا صلبا يتناغم مع فقدان مصر “قوتها الناعمة”.

جولات المفاوضات “الفاشلة” بين البلدان الثلاثة، والتي آخرها الأسبوع الماضي، دفعت القاهرة إلى اللجوء إلى مجلس الأمن لنيل حقوقها، وطلب الدعم العربي “مرارا وتكرارا”، من أجل الإفلات من أزمة تهدد 100 مليون مصر بالعطش، في الوقت الذي تضرب فيه أديس أبابا بالمحاولات المصرية عرض الحائط، مشددة على أنه لا يمكن لقوة داخلية أو خارجية أن تمنعها من ملء السد في يوليو المقبل.

وقال وزير الخارجية الإثيوبي، جيدو أندارجاشيو، في مقابلة مع وكالة الأنباء الإثيوبية، إن بلاده تناقش الآن مع مصر والسودان عملية بناء سد النهضة فقط، وليس القضايا المتعلقة بحقوقها في استخدام نهر النيل في قضايا التنمية، مدعيا أن مصر تحاول تقييد حقوق إثيوبيا المائية في استغلال النهر في غطاء من المفاوضات خلال المحادثات الثلاثية.

 

وفي وسط كل المفاوضات والعقبات التي أحاطت بالقاهرة، بقيت الأحزاب المصرية في مقعد المشاهد، اللهم إلا زيارة واحدة إلى أديس أبابا في مايو عام 2011، وإصدار بيانات تأييد وإدانة، مع كل مرة تفشل فيها المفاوضات، أو يجتمع فيها الرئيس المصري، بشأن الأزمة متنازلة عن دورها “الحقيقي” في التعامل مع الأزمة سواء من خلال استغلال لجان الشؤون الخارجية بها، أو عبر توجيه نصائح وتحذيرات بشأن سير المفاوضات، أو حتى توعية الرأي العام بمخاطر القضية، وسبل حلها.

 

اقرأ أيضا:

“المتر المكعب بالدولار”.. إثيوبيا تضغط لبيع المياه لدول المصب

 

وكان وفد دبلوماسي شعبي مصري ضم قيادات حزبية وشخصيات عامة، في مقدمتهم رئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي محمد أبو الغار، ونجل الرئيس المصري الراحل عبد الحكيم جمال عبد الناصر، ورئيس حزب الكرامة حمدين صباحي، زار أديس أبابا والخرطوم منتصف عام 2011، أسفرت عن تأجيل إثيوبيا التصديق على الاتفاقية الإطارية لحوض النيل، “اتفاقية عنتيبي”، لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مصر التي أجريت في عام 2012.

وأشاد وزير الخارجية المصري حينها، نبيل العربي، ضرورة أن تكون “الدبلوماسية الشعبية” الجناح الثاني للتحرك المصري بجانب الدبلوماسية الرسمية، على أن يكون هناك تنسيق تام بينهما.

وفد شعبي إثيوبي

 

وانقطعت الزيارات حتى عام 2014، حيث زار وفد دبلوماسي شعبي إثيوبي القاهرة، برئاسة رئيس البرلمان الإثيوبي عبد الله جيميدا، وضم ممثلين لأحزاب سياسية موالية للحكومة وأخرى معارضة، إلى جانب تمثيل شبابي ونسائي ورجال دين مسلمين ومسيحيين، وأستاذة جامعات، وإعلاميين، لتتوقف التحركات “الشعبية” على مدار السنوات الست الماضية.

“مصر لم تستطع الاستفادة من قوتها الناعمة، والتي كانت سببا رئيسيا في حل العديد من الأزمات السابقة، خصوصا بعد تخليها عن قيادة إفريقيا منذ منتصف السبعينات وحتى الآن عام 2011″، بحسب تصريحات رئيس الحزب العربي الناصري سيد عبد الغني لـ”مصر 360”.

عبد الغني رأي أن الأحزاب في مصر تعاني من “التهميش”، ما أفقدها قاعدتها الجماهيرية التي كانت سبيلا إلى قوتها، ومعينا لها في مواجهة ومعالجة العديد من القضايا القومية، مشيرا إلى أن الأحزاب المصرية لا يمكنها أن تتعامل أو تتعاون مع أي جهات خارجية، حتى لا تتهم بالتعاون مع قوة أجنبية، وتواجه اتهامات عدة.

 

اقرأ أيضا:

الأحزاب والشارع.. علاقة “وصولية” من أجل صناديق الانتخابات فقط

 

وأضاف رئيس الحزب العربي الناصري، أن الأحزاب تعاني من التحجيم بشكل كبير، وأنها “مغلوبة” على أمرها، مشددا على أن الأحزاب شرحت تفاصيل الأزمة، وكشفت أبعادها، مستغربا من الإصرار الإثيوبي على تعطيش مصر بما يخالف الاتفاقيات والأعراف الدولية.

وأكد عبد الغني، أن مصر حاليا ليس لديها سوى الضغط على الجانب الإثيوبي “سياسيا ودبلوماسيا”، واستخدام كل الطرق الممكنة لإعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي، وأن الحل ما زال ممكنا، لافتا إلى أن الحل العسكري غير ممكن لأن مصر لما تكن أبدا دولة غازية، فضلا عن العقوبات التي قد توقع على مصر في حالة اللجوء إلى ذلك الحل.

ورأى رئيس حزب الجيل الديمقراطي، ناجي الشهابي، إن الأحزاب قامت بدورها في الأزمة من خلال إصدار بيانات وتحذيرات بشأن الموقف الإثيوبي المتعنت، مشيرا إلى أن “الدبلوماسية الشعبية” لم تسفر عن شيء، خلال زيارة 2011، وأن التحركات المصرية الرسمية كانت تدل على رؤية واضحة قائمة على مبدأ حسن النوايا، مشددا على أنه لا يوجد تهاون نهائي من قبل مصر.

“إثيوبيا لديها أجندة أخرى ليست فقد داخليا ولكن خارجيا أيضا، فالحشد المعنوي المبالغ فيه يدل على وجود عداء لديها لمصر، رغم الموقف الداخلي الهش”، بهذا فسر الشهابي خلال تصريحاته لـ”مصر 360” الموقف الإثيوبي المتعنت من المفاوضات على مدار السنوات الماضية.

ويذكر أن مصر تتحرك في حدود الممكن، فعملت على كشف موقف أديس أبابا للعالم، ما جعل إثيوبيا منعزلة عن العالم، مشددا على أن التحركات المصرية ستؤتي ثمارها في النهاية وتصل مصر إلى غايتها المرجوة.