انتحار شاب جامعي ينتمى الى “البدون” الكويتيين، أعاد صخب الجدال الدائر حول المحرومين من الحصول على الجنسية داخل الكويت، بعد هدوئه النسبي خلال الفترة الأخيرة هناك، الأمر الذي نال الكثير من الاهتمام العالمي، خاصة بعد تكرار حالات الانتحار كنتاج للحياة المنقوصة التي يعيشها غير محددي الجنسية، ليصبح التخلص من الحياة رد فعل على فقدان الهوية داخل دولة النشأة.

أن تحيا “بدون”:

كلمة “البدون” لها الكثير من التعريفات، ولكن حينما يتساءل المرء كيف يحيا ووصفه “بدون”؟، فهو بدون أوراق رسمية وبدون شهادة ميلاد أحيانًا، وبدون عمل في أغلب الأحيان، يعيش بدون قدرة على الزواج لأنه سيكون بدون عقد رسمي أو وثيقة تثبت ذلك، يرغب أن يكمل حياته بدون إنجاب حتى لا يجلب المعاناة لحياة من يعيش بدون هوية، هو أيضًا يتعامل مع غيره من أبناء دولته والتي قد يكون محبًا ومنتميًا لها أكثر من كثيرين، بدون قدرة على التعامل على قدم المساواة.

 

اقرأ أيضًا:

سد النهضة.. تمويل سياسي وأدوار خفية وترقب إسرائيلى

 

فـ “البدون” يعيشون وكل آمالهم أن تقل نظرة “الدونية” لهم، ففي الدراسة تتم معاملتهم على أنهم “بدون انتماء” وأقل من بقية الزملاء، بل إن بعضهم يحصل على التعليم من صندوق التبرعات، هل تساءلنا يوما كيف يحيا الشخص بدون جنسية؟، فهو الذي ولد ونشأ في البلد، بل وتلقى تعليمه داخلها، بدون وثائق رسمية يذهب إلى المؤسسات الحكومية محاولًا استخراج وثائقه، فيقال له لا يحق للـ “بدون” باستخراجها، يذهب طالبًا العمل ورغم حمله للشهادات اللازمة بل وأكثر، يقال له “لن تُقبل لأنك بدون”، لينتظر أمام باب اليأس الذي قد يجعله بدون تفكير يقرر إنهاء حياته، أو يقرر بدون إرادة الاستمرار حرصًا على أفراد أسرته.

أعداد البدون في الكويت

وترصد عدة إحصائيات عدد المواطنين “البدون” في الكويت منذ عام 1965، ويُلاحظ فيها حجم التفاوت في الأرقام، إلا أنها متفقة على ضخامة عددهم، ونستعرض أبرزها كما يلي:

1965 سجل تعداد البدون نحو 45 ألف نسمة.

1985 سجل تعداد البدون نحو 220 ألف نسمة.

1991 سجل تعداد البدون نحو 110 آلاف نسمة.

2000 صدر تقرير عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” قدر عدد البدون في البلاد بنحو 120 ألف نسمة.

2019 /2020 صدرت العديد من الإحصائيات التي تراوح عدد البدون بها بين 90 لـ 100 ألف مواطن.

 

 

التخلص من الحياة

تُعد دوافع الانتحار أول ما يرد على الذهن فور التيقن من حدوث الواقعة، فلا يُنكر أيًا منا الفضول الذي يراوده عندما يعلم أن هناك شخص قرر إنهاء حياته، متعجبًا من قدرته على فعل ذلك ومتسائلا عن الأسباب التي دفعته لارتكاب هذه الواقعة الشنعاء، ولكن حينما تأتي الإجابة على هذا التساؤل “أنه بدون”، يجب أن نتوقف عند هذا الأمر كثيرًا، فمن أنهى حياته هنا وجد أنها بلا معنى، وأنه فاقد لجميع حقوقه داخل موطن ميلاده ووسط جيرانه وذويه.

حالات الانتحار لهذا السبب لا يوجد حصر لها، ولكن هناك عدد من الحالات لاقت رواجًا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة “فيس بوك تويتر إنستجرام”، وكانت الحالة الأشهر للشاب بدر الفضلي في عام 2019 الذي كتب قبل وفاته: “ما جيت جايع للحياة ولا عشت بالدنيا أكون.. ولا رجيت الضيق رغم صعوبات الوقت الردي، أنا ما أنسى الرفيق لا ذاع صيته من يكون، ولا ثورة حليم لا جارت الأيام ضدي”، والذي كتب رسالة لوالده يؤكد له أن الحياة قد ضاقت به ليتناول السم ويتخلص منها، وخلال نفس العام انتحر أيضًا الشاب زايد العصمي، بينما قام ثلاثة أشخاص في فترات متتالية بمحاولة حرق أنفسهم، الا أن قوات الأمن حالت دون ذلك وأنقذت أرواحهم.

الانتحار في الكويت بشكل عام

وفي إحصائية صدرت العام الماضي، أشارت إلى أن نحو 80 شخصًا في الكويت انهارت حياتهم، وجاء تقسيم من أقبلوا على الانتحار وفقًا لجنسياتهم على النحو التالي:

70 منتحرًا من الذكور و10 من الإناث.

70% منهم من الشباب وتتراوح أعمارهم بين “19 لـ 45 عامًا”.

42 شخصًا يحملون الجنسية الهندية.

7 أشخاص يحملون الجنسية البنغالية.

5 يحملون الجنسية النيبالية.

5 مواطنين حاملين للجنسية الكويتية.

4  يحملون الجنسية السيلانية.

4 يحملون الجنسية الفليبينية.

2 من فئة غير محددي الجنسية “البدون”.

11 جنسيات عربية وإفريقية.

جدير بالذكر أنه وفقًا لبعض التصريحات التي نشرت عبر المواقع الكويتية فقد تم إنقاذ 15 شخصًا خلال العام الماضي من براثن الانتحار.

يذكر أنه وفقًا للبيانات الرسمية الكويتية فقد سجل عدد المنتحرين في الكويت خلال عام 2015 نحو 75 منتحرًا، وفي عام 2016 سجل عدد المنتحرين نحو 94 شخصًا، بينما سجل عدد المنتحرين في عام 2017 نحو 78 شخصًا، وفي عام 2018 بلغ العدد نحو 77 شخصًا.

 

التقسيم القبلي في الكويت:

تشكل القبائل نحو 52% من تركيب المجتمع الكويتي، وتعد قبيلة”العوازم” أكبر القبائل في البلاد، تليها في الترتيب “العنزة”.

 

اقرأ أيضًا:

تهاوي النفوذ.. الثعلب الإيراني يواصل دفع ثمن مقتل “سليماني”

 

وعن بقية القبائل فوفقًا للرصد الانتخابي الأخير فقد جاءت على النحو التالي: ” قبيلة مطير، والعجمان، و الرشايدة، و عتيبة، و شمر، و الظفير، و بنى هاجر، و بنى غانم، و حرب، و بنو خالد، و القحطان، و الدواسر، و السهول، و سبيع، و بنو تميم، والفضول، و عدوان”.

تطور تعامل السلطات الكويتية مع “البدون”

1961 خلال حقبة الستينيات والسبعينيات تعاملت السلطات الكويتية مع البدون بشكل متساو مع حاملي الجنسية الكويتية ولكنهم حرموهم من ممارسة الحياة السياسية.

1986 فتح المجال دمج البدون لأن حصة الكويت من النفط كانت تُحدد بحسب عدد السكان.

1990 خلال الحرب الكويتية كانت الدولة في حاجة للبدون ففتحت مناخ من العدالة في التعامل حتى انتهت الحرب باستشهاد الكثيرين منهم .

1991 بدأ الكثير من البدون يتأكدون أنه لا مجال أمامهم سوى الرحيل عن البلاد ليرحل نصف تعدادهم الى دول أخرى بعد انهاء تعليمه في الكويت.

1999 أصدر أمير الكويت جابر الأحمد الجابر الصباح مرسوم بمنح الجنسية لـ 2000 من البدون سنويًا.

2000 تم وضع تعديل قانون مشروط لحصول البدون على الجنسية ولكن النتيجة أن هذه التعديلات فاز بها فئات أخرى وكان نصيب البدون منها هو الأقل.

2001 حصل 626 من البدون على الجنسية الكويتية.

2009 كان يوم تاريخي فارق في تحول سياسات الكويت تجاه البدون لتحول قوات الأمن من خلال غلقها للمنافذ والطرق ومنع عبور السيارات وتحويل مسارها دون اكتمال النصاب القانوني لمجلس النواب لإبطال أي تحرك في اتجاه تقنين حقوق البدون.

2010 حتى 2019 ظل البدون يتظاهرون ويعتصمون للحصول على حقوقهم وبعضهم انتحر وآخرون حاولوا حرق أنفسهم تنديدًا بما يلاقوه داخل الكويت من فقدان للهوية والحرمان من الجنسية.