رغم إصدار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ضوابط لمحتوى الإعلام الديني، إلا أنه ما زالت هناك وقائع تؤدي لحالة من الجدل عند مناقشة قضايا تتشابك مع المعتقدات الدينية، كان آخرها تداول مواقع التواصل الاجتماعي غلاف لمجلة “روزا اليوسف” الذي جمع صورة الأنبا رافائيل، أسقف كنائس وسط القاهرة، سكرتير المجمع المقدس السابق، بجانب صورة مرشد جماعة الإخوان الإرهابية، محمد بديع، وعليها عنوان “الجهل المقدس.. أساقفة يتحالفون مع كوفيد 19 ضد البابا”، الأمر الذي يطرح تساؤلا حول كيفية مناقشة القضايا التي تتماس مع الملف الديني دون أزمات؟.

حرية الرأي وعدم الإساءة

رئيس لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى للإعلام، جمال شوقي، يقول إن المجلس الأعلى أصدر أكواد ومعايير ملزمة لجميع الإعلاميين والصحفيين في كافة التغطيات وقواعد مهنية عامة تتمثل في “التأكد من صحة ما ينشر والدقة من المعلومة من خلال مصادرها المختصة، وعدم النقل من وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم إهانة الشعب المصري أو فئاته”.

ويؤكد “شوقي” في تصريحاته لـ”مصر 360″ أنه ليس من المنطقي تخصيص كود لكل فئة من فئات المجتمع، خاصة أن الالتزام بالمعايير المهنية العامة يتناسب مع أي تغطية ويرتقي بالرسالة الإعلامية، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أهمية حرية الرأي والتعبير بشرط عدم الإساءة لأي قطاع.

تنظيم البرامج الدينية

وكان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، قد أصدر كودًا منظمًا للبرامج الدينية، نص على أن يكون مقدم البرامج الدينية ملمًا بالقضايا الدينية، وأن يكون لديه قدر من حفظ آيات القرآن الكريم والنطق الصحيح لها، وكذا إلمامه بالسيرة النبوية، وأن يكون الضيوف من علماء الدين أو أساتذة الجامعات المعروفين.

كما تضمن الكود ألا تكون مواقع التواصل الاجتماعي مصدرًا لإبداء الرأي أو الإفتاء، فيما عدا مواقع ومراصد الأزهر الشريف ودار الإفتاء والأوقاف وجامعة الأزهر، وعدم إثارة قضايا خلافية أو آراء تثير الفتن أو تحرض على التطرف، ومراعاة عدم بث إعلانات قبل أو أثناء أو بعد البرنامج مباشرة لا تتناسب مع القيم الدينية.

السياق السياسي والاجتماعي

أما الخبير الإعلامي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ياسر عبد العزيز، فيرى أن المنظمات الإعلامية الكبيرة وأنظمة الإعلام في الدول المتقدمة طورت معايير التغطيات في الشأن الديني من بينها عدم الطعن في أي مقدسات دينية، وعدم ازدراء واحتقار اتباع أي دين أو مذهب، فضلا عن عدم استخدام وسائل الإعلام في استقطاب دين معين، والبعد عن التناول الإيثاري والصدامي.

ويتابع: “لذلك إذا تم تطبيق المعايير السابقة في معالجة أي محتوى إعلامي ذات طابع ديني، سنتلافى البلبلة التي تحدث بعد مناقشة القضايا الدينية”، مستشهدا بتغطيات اخترقت تلك المعايير أدت لحوادث كبرى وفتن طائفية مثل “قضية عبير، والكشح”.

يستنكر “عبد العزيز” في تصريحاته لـ”مصر 360” بعض التغطيات الإعلامية التي تحدث في بعض البرامج الدينية التي تطعن في أتباع دين آخر، وتشكك في مقدسات أديان أخرى، منوهًا في الوقت نفسه بأن أزمة التغطيات الدينية متعلقة بالسياق السياسي والاجتماعي السائد في السنوات من عام 2010 حد 2013 على مستوى المجال المصري لأنه كان حافلا بالتغطيات المسيئة، لكن من عام 2014 شهد ابتعادًا كبيرًا عن هذه الانتهاكات.

 

مناقشة حذرة

من جانبه، يقول أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة وعضو الهيئة الوطنية للصحافة، الدكتور محمود علم الدين، إن القضايا التي من الممكن أن تؤثر على التماسك التقليدي بين عنصري الأمة يجب أن تناقش بحذر، خاصة أنه من الصعب تخصيص أكواد خاصة لكل القضايا الصحفية والإعلامية.

ويشير “علم الدين” إلى أن هناك ميثاق شرف إعلامي وصحفي يتناول بنود عامة تتعلق بأخلاقيات المهنة، مثل مراعاة الدقة والموضوعية، وإسناد المعلومة لمصدرها، بالإضافة إلى عدم اختراق الخصوصية، والحفاظ على القيم والكرامة.

ويؤكد في تصريحاته لـ”مصر 360″ أن هناك موضوعات في قضايا معينة ترتبط بخصوصيتها الثقافية على الإعلاميين التعامل معها بشكل مختلف، مدللًا على قوله بأزمة العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا والتي تطلبت مفردات مختلفة في الإعلام عند ذكر ذوات البشرة السمراء بطريقة مختلفة عن ذي قبل.

يطالب أستاذ الإعلام بكود للقضايا الدينية والموضوعات الحرجة منها أسوة بأكواد القضايا الرياضية والعلمية لاختلاف طبيعة مضمونها، خاصة أن مواثيق الشرف الصحفي مر عليها أكثر من 22 عامًا، مناشدًا الهيئات الإعلامية مع نقابتي الإعلاميين والصحفيين بالتواصل لتعديل ميثاق الشرف وإقرار أكواد للتغطية تكون مرجع للإعلامي والصحفي في شتى القضايا المسببة للجدل.

 

غضب كنسي من غلاف “روزاليوسف”

وكانت قد بدأت الواقعة بتداول رواد موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” لغلاف مجلة “روزا اليوسف” يحتوي على صورة الأنبا رافائيل، أسقف كنائس وسط القاهرة، سكرتير المجمع المقدس السابق، بجانب صورة مرشد الإخوان محمد بديع، وعليها عبارة الجهل المقدس.. أساقفة يتحالفون مع كوفيد ١٩ ضد البابا”.

وأعربت الكنيسة القبطية وعلى رأسها البابا تواضروس، عن غضبها بشدة جراء ما وصفته بتطاول إحدى المجلات القومية على الكنيسة الوطنية في شخص أحد أساقفتها ووضع صورته على غلافها أسوة بصورة أحد خائني الوطن.

 

اقرأ أيضا: 

عيد القيامة فرحة مختزلة.. كورونا يكسر احتفالات الأقباط ويحول بيوتهم لكنائس

 

وذكر بيان الكنيسة: “لا يعتبر هذا تحت مجال حرية التعبير، بل هو إساءة بالغة وتجاوزًا يجب ألا يمر دون حساب من الجهة المسؤولة عن هذه المجلة، كما أن مثل هذه الأفعال غير المسؤولة سوف تجرح السلام المجتمعي في وقت نحتاج فيه كل التعاون والتكاتف في ظل الظروف الراهنة”.

وأضاف البيان: “تنتظر الكنيسة رد الاعتبار الكامل مع احتفاظها بالحق القانوني في مقاضاة المسؤول عن ذلك”.

إحالة رئيس التحرير والمحرر للتحقيق

ولامتصاص غضب الكنيسة، قررت الهيئة الوطنية للصحافة إحالة رئيس تحرير مجلة روزاليوسف للتحقيق، بسبب ما تضمنه غلاف العدد الأخير للمجلة من إساءة للكنيسة، ووقف المحرر المسئول عن الملف القبطي إلى حين الانتهاء من التحقيقات.

كما قررت الهيئة تقديم اعتذار للكنيسة، و”أن تقوم المجلة بالاعتذار عن الإساءة، في ظل العلاقات الطيبة التي تربط الهيئة والصحافة والإعلام بقداسة البابا والأخوة الأقباط، وحفاظاً على التاريخ العريق لمجلة روزاليوسف في الدفاع عن قضايا الوحدة الوطنية، وفتح صفحاتها وقلبها وعقلها منذ نشأتها لشركاء الوطن”.