تنطلق سردية رواية “النجدي” مستندة على وقائع حقيقية حدثت للنوخذة “القبطان” الكويتي “عليّ ناصر النجدي” عام 1979 م، والنجدي أحد رجالات جيل اعتمد في حياته ورزقه على البحر، حيث صنعوا بكفاحهم وصبرهم وعزمهم تاريخًا لدولة الكويت قبل ظهور النفط.
ومنذ المقدمة يصرح الروائي بتصرفه في القصة الحقيقية، حيث أخضعها لمنطق السرد الفني، أي أنه لا يقدم محاكاة للواقع، أو مجرد سرد للقصة الحقيقية، بل يخلّق ويصور ما يمكن أن يكون قد حدث للنجدي ودار بسريرته، سواء في لحظات النهاية، أو طيلة حياته الممتدة لسبعين عاما، فمن أهم أدوار الأدب حين يتناول الواقع أنه يضفي على الشخصيات الحقيقية الواقعية بعض التغيرات أو الإضافات الأدبية لتكون أبلغ معنى وأكثر غنى، ذلك من خلال إبراز أوجه الصراع في ذواتهم، وتجسيد أطرافه، وإثبات سمات خاصة تميزهم، فيصبحوا صورا شعرية ونماذج أدبية، أي أن الأدب يمزجهم بالخيال الذي يكمل مناطق الفراغ التي لم يطلع عليها أحد، كما يخلّق لهم المشاهد الموحية المكتنزة بالدلالات، ويهبهم أجمل وسائل التعبير اللغوي، ويستبطن ذواتهم العميقة التي ربما لم يفصحوا عنها أبدًا، كما يصف مشاعرهم البينية، أي التي تقع في المناطق الرمادية مذبذبة الوجود والتأثيرات.
“البحر لا يصادق أحدا”
تدور الرواية حول يوم غرق علي النجدي النوخذة هو وصديقيه سليمان، وعبد الوهاب، في شهر فبراير عام 1979، بعد تعرضهم لعاصفة سوداء ليلة خروجهم في رحلة لصيد الأسماك، وقصة صراعهم مع الأمواج والرياح والأمطار بعد غرق اليخت.
يتقلص زمن الرواية في اثنى عشر ساعة بالضبط، من الساعة الحادية عشر ونصف صباحا وصولا إلى نفس الوقت ليلا، وفي ثمانية فصول مرقمة بلا عنوانات ينبني النص، وتتوالى سرديته في نصفه الأول كأنها موجات متفاوتة القوة والكثافة لحياة ارتبطت بالبحر منذ الطفولة ثم امتدت لسبعين عاما هم عمر الشخصية الرئيسية “على النجدي”، فيسترجع السارد الرئيسي “عليّ” رحلة عشقه للبحر واختياراته في الحياة التي فضل فيها العمل في البحر الذي عشقه أكثر من أي شيء آخر، حتى أنه قد أقامه مقام معشوقته، فيحكي عن طفولته وكيف ترك التعليم من أجل أن يكون نوخذة مثل والده الذي اشتغل على سفن صيد اللؤلؤ، يحكي في الاثني عشر ساعة بتقنية التداعي الحر حول سبعين عاما، يستحضر ذاته في الرابعة عشر من عمره مصاحبا لوالده على مركب صيد اللؤلؤ، ثم كيف كره حياة الغواصين وأراد أن يصبح نوخذة في مركب لنقل البضائع والبشر، كيف تعلم على يد استاذه “يوسف بن عيسى القطامي” حين اختاره له أبوه وقال له:” ستتعلم من النوخذة يوسف، تتنوخذ على يديه. ليس من بحار يصير نوخذة بدون تعب واجتهاد” 56. ثم وصايا أبيه المتعددة ليستنبط قانونه الخاص في إدارة المركب التي تتحرك بالأشرعة إذا أراد أن يكون قبطانا، وكيف لن يتحقق له ذلك إلا من خلال شدة الملاحظة لكل ما يحدث على السفينة، والتعلم والوعي بكيفية الإدارة، فعلى حد قوله:” كثيرون البحارة، وقلة هم النواخذة”. يُظهر الصبي اليافع الجلد واعتداده بنفسه منذ أول رحلة له مع أستاذه القطامي، ذلك حين اصطدم به جسم فوقع بالبحر لكنه ظل يسبح ليلحق بالمركب، ورفض الهزيمة منذ البداية والعودة إلى الشاطئ، ثم انتظر بحارة المركب عائما على ظهره إلى أن التقطوه. 56 ـ 60، فنظر إليه القطامي القبطان وراق له إصراره وحرصه على كرامته.
يقص حول زواجه بشمّة وتكوينه لأسرته، أولاده وأحفاده، كما يشير لعادات المجتمع المحافظ في العلاقات الأسرية والزواج وإصراره أن يرى صديقة اخته قبل الاقتران بها والزفاف.
يقص ملابسات بنائه لسفينة الأسرة الخاصة الشراعية “بيان” عام 1937، ورحلاته بها، والحفلات الغنائية التي كان يقيمها عليها، ثم موت امرأته وزواجه مرة أخرى من “نورة”، يحكي بشجن حول بيع أخوته للسفينة بعد الكساد الذي لحق بمجال السفن الشراعية بعد ظهور النفط، يذكر عرضا مشاريعه التي أقامها وفشلت، فلقد شعر دوما أن حياته ونجاحاته تتعلق بالبحر لا في البعد عنه.
وتتوالى تلك الاستدعاءات التي تتوارد على خاطره أثناء قيادته اليخت، في الوقت الذي يعد “سليمان” فيه السنانير للصيد ويقرأ “عبد الوهاب” في جريدته. تنجلي ذاكرة عليّ وهو في أحضان معشوقه البحر، يقول:” مجيئي إلى البحر للاستماع بتجدد ذكرياتي معه. وحده يحفظ حوادث حياتي.”118
وتنحصر أحداث النص وحياة شخوصه على أرض “الكويت” وطن “النجدي”، أو على الأرجح في البحر، فكل أرض ومكان في هذا النص مجرد جسر للعبور إلى البحر وعوالمه الغامضة التي يحكمها عنصر المفاجأة، البحر في هذا النص هو الشخصية الرئيسية بجوار عليّ النجدي و بينهما تتشكل العلاقة الأهم، وتتذبذب أوجه الصراع، وتتفاوت درجات علاقتهما بين المحبة والعطاء أو الخوف والترقب حيث البنية الدالة للرواية.
يصف ويحكي الروائي حول جزء مهم من تاريخ الكويت حين كان صيد اللؤلؤ يشكّل عماد اقتصادها بالإضافة إلى حركة التجارة البحرية مع الموانئ المختلفة، فيبرع السارد في وصف طريقة صيد اللؤلؤ والمخاطر التي يتعرض لها صيادوه وحياتهم المتقشفة في وسط اجتماعي محدود الإمكانات. ثم يتطرق سريعا للتحولات والتغيرات الاقتصادية التي استحدثت على المجتمع بعد النفط، ولا يتوسع السارد في وصفها حيث أنها رغم أهميتها ليست عالمه.
فأحد أدوار الأدب المهمة أنه وحده يخلق شعورا بالانتماء للأرض والأوطان، سردا لصفحات من تاريخها، وفخرا بخصوصية تراثها وموروثها، ووصفا ومن ثم تخليدا لطبيعتها الجغرافية والثقافية.
ويتسع الأدب أيضا بوعي الإنسان ذلك من خلال اتاحته للقواسم المشتركة في التجربة الإنسانية في أية بقعة على الكرة الأرضية، ولكل العرقيات والأجناس، فبشكل ما تستدعي هذه الرواية رائعة “أرنست هيمنجواي” “العجوز والبحر” حيث ترد إلى الذهن أثناء وصف الكاتب لصراع الثلاثة أصدقاء مع العاصفة والموت الذي واجهوه بعد غرق اليخت.
مستويات اللغة وأحوال البحر
ــ للغة النص عذوبة خاصة منشؤها علاقة العشق العميقة بين البطل والبحر، علاقة تواصل وإعجاب يُؤخذ فيها “عليّ” بالبحر واتساعه وأحواله وهو صبي، ثم تتعمق علاقته به مع شعوره بأنه مصدر الرزق وفرصته للتجوال بالعالم، هذا الكيان الكبير المهول الذي قالت له والدته عنه أن البحر لا يصادق أحدا، وليس له أمان. رغم ذلك يحبه عليّ، وربما يتحداه ليثبت جدارته في التعايش معه وترويضه، وقدراته في القيادة، ولعل هذا ما جعله يستمر في الإبحار والصيد في رحلته الأخيرة رغم شعوره بعلامات العاصفة ورائحتها الكريهة كما يصفها.
وللغة النص مستويات متفاوتة يتبدى إحداها حين يحكي عليّ عن طفولته وكيف كان البحر قبلته التي يتوجه إليها دائما، يستعرض تأملاته التي تأتي في إهاب أسئلة الطفولة الفلسفية إلى حد كبير.
وفي مستوى آخر يكتظ السرد بمفردات البحر وعالمه، القوارب والأشرعة، البحارة ومصطلحاتهم وأدواتهم، أنواع الأسماك وأحجامها، الرحلات والمواني، أماكن الطفولة، ويوفر الروائي هذا الحشد لنقل الطقس الخاص ببيئة شخوص السردية وتشكيل فضاءها المميز وبصمة بيئتها المكانية.
في غضبة البحر وشعور عليّ بالخطر تتحول الأساليب والمجاز إلى تشكيلات قوية وعنيفة مثلها مثل البحر إبان ثورته، يقول وهو يصف علاقة السفينة بالبحر:” هناك أدركت روحي أنه لا طاقة لخشبة صغيرة في أن تقف في وجه بحر. وهناك رأيت كيف يرتعد الرجال، يعجن خوف الموت لحم وجوههم حين يهيج عليهم غضب البحر، تتداخل أصواتهم الخائفة، ترتفع نداءاتهم المستنجدة: يارب” 63، “يعجن الخوف من الموت الوجوه حال هياج البحر وغضبه” هذا التعبير المجازي الذي ينقل قوة أثر غضب البحر على الرجال.
ولقد اعتمد الروائي على أساليب العطف المتوالية في وصفه لمدى تراكب وتعقد الضغوط التي تقع على النواخذة أثناء تعرض تلك السفن لظروف مناخية غير طبيعية، وتضاريس جغرافية صعبة الاجتياز لوعورتها وخاصة لو صاحب تلك الظروف وقوع بعض الحوادث البشرية في نطاق السفينة ومسئولية النوخذة عنها بحكم موقعه، يقول في تعليقه على حادث وقوع الطفل الصغير في المياه في أحد الممرات البحرية التي تعرضت لها سفينته “بيان”:” أحكم قبضتي على عصا خيرزانة في يدي اليمنى، التيار والريح، الطين والصخور المدببة، الطفل والسباحان وسمك القرش، أخي عبدالله والمجدمي والشيرازي وقارب النجاة. نصف الشراع وحركة السفينة المتهادية. اللحظة برق اللحظة دهر” 115. يحشد الروائي أدوات العطف المتوالية لاكتناز المشاهد بالمعطيات المتعددة التي تمثل كل منها زاوية رؤية يجب على النوخذة المتمكن أن يضعها في اعتباراته قبل أن يتخذ أي قرار. تعدد المعطيات هذا الذي يحكم المشهد العام هو الذي يميز النوخذة المتفرد.
كما تتوالى الأسئلة وأساليب الاستفهام الاستنكارية على ذهن النجدي في مشهد النهاية يقول:” أنا ابن البحر، فلماذا يكسر البحر ظهر ولده؟ لماذا ينكرني البحر بعد طول عشرتنا؟ ما ضر لو صادق البحر نوخذة؟ وحدي والظلمة .. برد، أشعر بدوخة. حتى لو مرت بقربي سفينة الآن فلن تنتبه إليّ” 185، 186. يستشعر القارئ في تلك الأساليب نوعا من العتب الصادر من قلب محب لا يتوقع الغدر من الأب أو الصديق الذي عاش عمره يكن له الإعجاب والمحبة. كما يتضمن السرد كثيرا من مفردات اللهجة الكويتية مثل النوخذة، بوم، الزفر، وغيرها من مفردات.
وبرغم اعتماد النص على سردية غنائية، ينفرد فيها السارد بالبوح حول كثير من مشاعره وأحداث حياته والمناطق الفارقة فيها أو منحنياتها الرئيسية، إلا أن السرد يعرض في إشارات سريعة ودالة على الشأن العام الكويتي والعربي، الاقتصادي والسياسي في تلك الفترة الزمنية التي يتناولها السارد. ولقد تسببت تلك الغنائية أحيانا في تكرار بعض انطباعات “عليّ النجدي” تجاه البحر.
كما يشكل الكاتب مجموعة من المشاهد والوقائع لوصف رحلات النجدي في عباب البحر للدول العربية والأسيوية بسفينته “بيان” التي اشتغل عليها نوخذة، ويصف براعته في القيادة ومعرفته الحدسية الفطرية باتجاه الأماكن، وكم تأخذ من وقت للوصول إليها في الظروف المناخية المختلفة، كما يشير لبوصلته الداخلية الخاصة التي تكونت بالخبرة وتمكّنه من تحديد الاتجاهات بالنجوم وغيرها من علامات، كل المشاهد واستدعاءات ذاكرة السارد تكون رواية “الشخصية” التي تتراكم وتتكامل المواقف والمشاهد والتفاصيل الصغيرة لترسخ لها معالم بذهن المتلقي.
ويشير الروائي في طريقته لبنية شخصية عليّ النجدي إلى القدرات الخاصة الحدسية التي يختص بها بعض الأفراد دون دراسة منتظمة، هذا بالإضافة إلى سماتهم الشخصية مثل ماعُرف عن النجدي من حبه واهتمامه بالعطر والملابس الأنيقة والنظافة، عشقه للموسيقى والغناء، كرمه وحدبه على أهله وبحارته، وفي استدعاءات ذاكرة النجدي لتلك الرحلات يعرج الكاتب على طبيعة العلاقات التي كانت تحكم علاقاته ببحارته ومنها يستكمل بناء شخصية النجدي، فيحكي موقف مباركته لزواج أحد بحارته من الفتاة الهندية ودعمه المالي والمعنوي له حتى إتمام الزواج، ثم يشير أيضا لعناده وانفعاله عندما يستشعر ما يمس كرامته حين عرض عليه صديقه عبدالله يوسف الغنام وزير الكهرباء العمل مختارا ورده عليه:” من أذن لك؟” 127. . كأن الكاتب من خلال المواقف المختلفة يتقصد تكوين شخصية ذات أبعاد متكاملة تعرض للبعد الرأسي المتمثل في تاريخ الشخص بالإضافة لاستعراض صفاته الشخصية في تعامل أفقي، وهو ما يكون صفات الشخصية الإشكالية التي يجسدها النجدي في هذا النص.
ويفرد النجدي في سرده وذكرياته التي تتداعى في نفسه صفحات للقبطان الكاتب المصور الأسترالي الإنجليزي ” ألن فاليريز” وكتابه “أبناء السندباد” الذي سجل فيه تفاصيل تعرفهما ورحلتهما معا التي استمرت ستة أشهر، بعد أن اشترط النجدي ألا يتدخل القبطان الأجنبي في شغله أبدا. 92، وفيها نلمس إعجاب فاليريز بأداء النجدي وقيادته لمجموعته من البحاره رغم أنهم لا يعتمدون على عمل تراتبي منظم ومنضبط، ويُرجع القبطان الغربي هذا للقيادة الفطرية وأيضا لمهارة البحارة يقول :” المراكب العربية هي آخر ما تبقى من سحر الشرق القديم”96 .
بدأت العلاقة التي تطورت بين النجدي وألن فاليرز بالتحدي ومباهاة ورغبة كل جانب في إثبات مميزات طريقته في الإبحار عن الآخر، يحكي النجدي أنه بعد مضي ثلاثة أشهر من مصاحبة ألن له على السفينة يقول:” لا أدري كيف تشتغلون” بقيت أنظر إليه فأضاف: ” العمل على السفينة في الغرب محكوم بنظام عمل وتراتبية دقيقين. كل شخص يؤدي وظيفة محددة، لكنكم .. لا أدري لا لباس أو نيشان يميز بحارتك. كلمة منك تحرك الجميع.. بحارتك يقفزون على الحبال بخفة .. على حبال الشراع كأنهم قردة.” 108
ويقول النجدي:” ألن فاليرز، أغاظني أكثر من مرة حين عيرني بقوله:” أنتم تلازمون الشواطئ، لا تكاد تغيب عن عيونكم.. القبطان العربي يتجنب الإبحار في البحر.” ويعلق قائلا :”ضايقني برأيه المجحف غير الدقيق بحق الملاحين العرب.” 118 ، ومن هنا يتوالد نوع من التحدي والرغبة في إبراز التمييز لدى كل طرف.
ولعلنا نلاحظ هنا أن الحديث عن الفرق بين القيادة للسفينة في الغرب واختلاف الشرق هو الفرق بين الاعتماد على نظام وقانون وتراتبية السلطات في دولة في مقابل الاعتماد على الفرد الذي بيده كل شيء وهو الحاكم الذي تنهار دونه الأشياء.
الصديق القريب الذي غدر
ويصور الروائي مشهد غرق النجدي وصديقيه وصراعهم مع العاصفة البحرية السوداء وكأنها نزال عنيف بين محارب وأعداء، ف “البحر” يخطط ليوقع بفريسته باستخدام كل عناصر الطبيعة للقضاء عليهم الرياح، والأمواج الشاهقة المضطربة الموجعة، وطبقات الظلام التي بلا نهاية، والمطر الذي يضرب بقوة. حيث غضبة السماء والبحر اتحدتا معا للقضاء على النجدي وأصدقائه، البحر الذي ظل معشوقه الأول والأهم طيلة حياته.
في وسط تلك الساعات القاتلة المميتة يظل النجدي يستدعي في ذكرياته أيضا ليمرر الوقت على عبد الوهاب ويحفزه على المقاومة، يحكي له عن حادثة تعرض لها في أحد رحلاته في دبي وهو عائد من أحد موانئ الهند، ويتوالى حكيه إلى أن يقول له:” .. تسمعني يا عبد الوهاب؟” “أنا سأموت.” “لا تفكر بالموت.” “أفكر بعيالي.” صوت عبد الوهاب ينكسر. كأني أسمعه يبكي. يهتز شيء في صدري فأحبس صوتي.. وعيالي أنا .. أنا عمود أسرتي يا عبد الوهاب .. منذ اختارني أبي لأكون نوخذة أقود سفينة الأسرة، تجاوز أخي الأكبر إبراهيم واختارني .. أنا المسئول عن كل الأسرة؛ أبنائي وعيالهم وأخواتي وعيالهن .. كيف سيواجهون الخبر؛ النجدي غرق” 172.
يستكمل الروائي رسمه لمشهد النهاية الفجائعي باستحضار النجدي لأطياف كل من عاش معهم رحلة حياته منذ منتصف الفصل السابع والسرد في الفصل الثامن كله كأنهم يحضرون إليه بأطيافهم فيحاورهم وكأنهم أمام عينيه فتلك لحظات ما قبل الذهاب إلى حياة أخرى تجمعه بهم أمه وأبوه وزوجته الأولى وأساتذته وبحاروه، تلك رحلة السنوات وحياته مع البحر التي ظل رغم تلك النهاية لا يستطيع أن يحمل له كراهية بداخله.
فبجانب أن الأدب يمكّن قارئه من العلو فوق حدود الجغرافيا والخصوصيات الثقافية، يتجاوز اللحظة التاريخية الراهنة ويتيح لقارئه الأزمنة المتفاوتة، كما يبصره بالمشترك الإنساني، والفروق أيضا بين الحضارات والأنظمة المختلفة، ويرصد لعظمة التراكمات الثقافية والفكرية والشعورية التي انجزها البشر على مر تاريخهم على هذه الأرض.