يستيقظ من نومه مبكرا، ليبدأ رحلته اليومية منذ بداية الوباء، ما بين توزيع للخضروات والفاكهة، أو تعقيم الشوارع، وفقا للدور المجتمعي الذي رسمه لنفسه مع انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي كشف مع ظهوره عن عدة مبادرات فردية وجماعية، تعمل على كفالة المحتاجين والمتضررين من انتشاره، وعلى رأسهم العمالة اليومية غير المنتظمة.

“شريف الروبي”، ناشط سياسي مصري، قرر خوض تلك المبادرة الفردية بمدينة الفيوم المصرية مسقط رأسه، يقول إنه مع بداية انتشار الوباء، فكر في كيفية المشاركة والمساعدة، فعرض على مجموعة من شباب قرى الفيوم، التي تربطه بهم صداقات، البدء بحملة نظافة وتعقيم، باستخدام المطهرات، مع بداية الأزمة، ووجد تعاونا ملحوظا من الشباب، الذي شاركوه في حملته الفردية، وبدأوا في تعقيم العديد من الشوارع باستخدام “مواتير الرش”، التي تُستخدم لرش المحاصيل الزراعية، ورش الشوارع  بالمطهرات والمواد التعقيمية.

حملات فردية

الحملة بدأت في بدايتها بتبرعات من أشخاص، أحدهم تبرع بالمنظفات والمطهرات، وآخر بـ”تروسيكل” لحمل “موتور الرش”، فبدأت الحملة بـ6 أفراد، حتى وصلت إلى 20 فردًا حاليًا.

الدور الذي يقوم به “الروبي” والمشاركين له، يبرز أهمية المجتمع المدني في مواجهة الأزمات، ولكن يبدو أن المبادرات الفردية أو الجماعية يكون مردودها أكثر فائدة من الجمعيات والمؤسسات الخيرية المنتشرة في العديد من المحافظات المصرية بمقرات معروفة ومشهرة، فكما تقول “منار محمد” من مدينة المنصورة، إنها كانت معتادة على التبرع بالملابس القديمة وبمبالغ مالية لإحدى الجمعيات الخيرية في مدينتها، ولكن مع بداية انتشار وباء كورونا، قررت دفع تلك المبالغ لعدد من المحتاجين بشكل مباشر قائلة: “فضلت سنتين ببعت هدوم ومبلغ شهري لجمعية بعينها لكن حسيت إنه أفضل أبعت الفلوس دي لحد محتاجها بعينه أنا أعرفه، الأزمة اللي بنمر بيها دلوقتي كشفت عن ناس كتير محتاجة حتى لو كانوا مستورين ومرتاحين بس مش في وظايف ثابتة ومبقاش في دخل ثابت، وبصراحة حسيت إن الجمعيات الخيرية بقت زي الشركات وخاصة الكبيرة والمعروفة منها”.

 

ربما يرجع السبب لعزوف قطاع من المواطنين عن التبرع للجمعيات الخيرية الكبرى، والاتجاه للمبادرات الفردية أو حتى الجمعيات الصغيرة في المحافظات، بسبب قدرة تلك المبادرات على التجمع، والتي تجمع بدورها مجموعات جديدة، وتصل لمناطق عدة، وليست مناطق محددة بعينها أو قائمة محددة من المحتاجين مثلما تفعل الجمعيات الكبرى، كما تقول “منار”.

 

اقرأ أيضًا:

سحل وحبس ومناشدة بالإفراج.. القصة الكاملة لواقعة “سناء سيف”

 

يرى “الروبى” أن الوقت الحالي يحتاج إلى تكاتف الجميع للعبور من الأزمة الحالية بأقل الخسائر، وكان من الأسهل بدلا من اللجوء للجمعيات الخيرية الكبرى، البدء بمبادرات فردية تتمكن من جمع أكبر عدد من الأفراد وتتحول لمبادرات جماعية منظمة.

فبعد الخطوات الأولى من تعقيم شوارع العديد من قرى محافظة الفيوم، بدأ “الروبي” في حملة توعية للمواطنين، حول كيفية استخدام المطهرات في التعقيم والتطهير، بعد استشارة العديد من الأطباء الذين قرروا المشاركة في المبادرة بالتوعية أيضًا، وإرشاد المواطنين عن الأنواع الطبية التي لا تؤثر على الأطفال أو كبار السن.

خضروات وفاكهة بسعر الجملة

استمر الوباء في الانتشار، وانتشرت معه شكاوى المواطنين من ارتفاع أسعار المواد الغذائية مثل الخضروات والفاكهة، فقرر عدد من المشاركين في المبادرة شراء كميات كبيرة من الخضروات والفاكهة بسعر الجملة، وبيعها للجمهور بسعر الجملة دون ربح، وتوصليها للمنزل، لمساعدتهم على البقاء في المنزل والالتزام بتعليمات الحفاظ على الصحة.

 

الحملة جمعت أطرافا عدة أعلنت رغبتها في المشاركة، فعرض أحد التجار تقديم الخضروات والفاكهة بأسعار مخفضة، وعرض أيضا أحد الجزارين بيع اللحم بسعر منخفض بـ105جنيهات للكيلو الواحد بدلا من 140 جنيها، حتى تمكنت الحملة من توزيع ٣ أطنان من البصل ومثلهم من الطماطم، و6 أطنان من البطاطس في خلال 15 يوما، فأصبح العمل مقسما بين 20 فردا بين تعقيم الشوارع وتوزيع الخضروات والفاكهة وأيضا التوعية للمواطنين.

مبادرات طبية

أزمة “كورونا” أظهرت وجهًا جديدًا في هذه المبادرات سواء الفردية منها أو الجماعية، وهي إمكانية الأفراد على التجمع في وقت قصير، وسرعة الانتشار أيضا، ومن منطلق “إيمان كل فرد بدوره”، قررت زهراء عبد العزير، طبيبة أمراض جلدية، المشاركة في الأزمة، وعرضت تلقي استشارات من المواطنين في المنزل عبر الهاتف والرد عليها، دون الحاجة لزيارة الطبيب، حيث تقول: “كل واحد ليه دور وخاصة الأطباء وأنا قررت أشارك بدوري اللي هو في الأساس مساعدة الناس، وفي الوقت ده صعب الناس تنزل علشان كده طرحت إن أنا هتلقى استشارات الناس وأرد عليها وأقولهم الدوا المناسب في الحالات المحتاجة وممكن يشتروه من الصدلية بالتليفون، وكمان علشان في الفترة الحالية الناس عليها التزامات كتير ومفيش شغل ومحدش معاه فلوس يروح لدكتور”.

مبادرة “زهراء”، فعلها العديد من الأطباء في تخصصات عدة، وطرحوا أرقام الهواتف الخاصة بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للتواصل معهم والرد على أسئلة المرضى من المنزل، لمساعدة المواطنين على البقاء في المنزل، والتي جاءت تلك الفكرة بمبادرات فردية من الأطباء أيضًا.

دعم قانوني

ومن الطب للقانون تستمر المبادرات، كما فعل سيد نصر، باحث دكتوراة بالقانون الجنائي، والذي قرر تقديم الدعم على طريقة القانون، فأعد حلقات وبدأ في بثها عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، ليجيب عن الأسئلة التي تشغل بال العمالة غير المنتظمة، أو المفصولين تعسفيًا من الشركات بعد أزمة كورونا، وكيفية سلك الطرق القانونية للحصول على حقوقهم.

وقال إنه بدأ يتلقي شكاوى عدة من العمال بمختلف الشركات، منهم عمال أجبروا على تقديم الاستقالة أو طلب إجازة دون رغبة منهم، وآخرون فصلوا تعسفيا، يسألون عن التصرف القانوني الذي يمكن اتخاذه لضمان حقوقهم، فقرر الاستمرار لتوعية العمال بحقوقهم القانونية، وقانون العمل.

 

اقرأ أيضًا:

قانون طاغوتي وقمع للشعب.. قبضة سلطوية على جناح كورونا بأوروبا والصين

 

مع بداية أزمة كورونا، ظهر نقص حاد في الأسواق في منتجات التعقيم والكحول، ولكن تمكن محمد قشطة من شراء كميات من الكحول من أحد التجار الذين يعرفهم جيدا بسعر الجملة، وتبرع أحد الأصدقاء بزجاجات صغيرة لوضع الكحول بها وتوزيعها على المواطنين، فالجركن 25 لترا، يخرج من 350 زجاجة سعة كل زجاجة 70 مل، وبدأ قشطة في الإعلان عبر صفحتة الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، بتوافر زجاجات من الكحول، وإمكانية توصيلها للمواطنين، وعرض مجموعة من الأصدقاء توصيلها للمواطنين في المناطق المختلفة بمحافظة القاهرة حيث يقول: “الناس كانت بتبقى عاوزة تدفع فلوس بس مكنتش برضى أخد علشان عاوز أعمل خير، خاصة إن دي حاجة الناس مش لاقياها ومهمة في الوقت  الحالي علشان التعقيم والتطهير”.

 

وبعد مرور ما يقرب من 3 أشهر من انتشار الوباء في مصر، والعديد من المبادرات المماثلة لمبادرة قشطة في توزيع الكحول، أعلن مجلس الوزراء توافر مواد التعقيم والكحول في الصيدليات بأسعار محددة، وطالب إبلاغ جهاز حماية المستهلك عن المخالفين لهذا الأمر.

وحتى كتابة تلك السطور، تستمر الجائحة، وتستمر معها المبادرات التي تزداد يومًا بعد يوم، لتقديم العون والدعم للمتضررين من أزمة كورونا، ليكون التضامن الشعبي برعاية المجتمع المدني، هو السلاح الأول لمواجهة الفيروس.