“يا مضروبين بالفن يا احنا يا سهرانين منه الليالي منسلاهوش لو انجرحنا ده الفن عند أهله غالي”، كانت هذه إحدى رباعيات الشاعر الراحل صلاح جاهين، والتي عبر من خلالها عن محبة أهل الفن له، والتضحيات التي يمكن أن يقدموها في سبيل ما يحبون، ولكن هل تنطبق هذه الأبيات على أهل الفن جميعًا..؟ بالطبع لا.

فالوسط الفني جزء من الحياة العادية، به من يجيد ويتألق، وبه أيضًا من دخل من باب “الواسطة”، وآخرين “مصلحة”، نعم من المفاجآت أن يتوغل أحد الأعمدة القائمة على صناعة تاريخ فني من باب المصلحة وتحقيق الأغراض الشخصية، والتخديم على ذاته لمصالح أخرى، والأصعب هو أن تشارك في الحياة الفنية وتقوم بتصدير صورة لنفسك أنك من الأهم، وأنت لا تعرف ماذا تريد أن تحقق فعلًا، هل أنت المخرج أم المؤلف أم السياسي أم القائد؟، فتنتهي بك الأمور لتسأل نفسك من أنا؟.

خالد يوسف الذي عرفه الجميع

يعد المخرج والمؤلف خالد يوسف من الوجوه المثيرة خلال الأعوام العشرين الأخيرة في تاريخ السينما المصرية، وذلك لما حققته أفلامه من شهرة اكتسبتها تارة بالـ”بروباجاندا”، كما يُطلق عليها البعض، أو تم تصديره على “أفيشاتها” وفي الإعلانات الأولية الرسمية لها مشاهد جنسية.

 

اقرأ أيضًا:

عاطف الطيب.. كشف المستور  فخسر الإخوان والأنظمة السياسية وفاز بحب الشعب

 

دائمًا ما قدم خالد يوسف نفسه على أنه الابن الفكري للراحل العالمى المخرج يوسف شاهين، وأنه الابن الشرعي للعمدة، من مواليد مدينة كفر شكر بمحافظة القليوبية، وهو خريج كلية الهندسة، الذي ضربه الفن؛ ليدخل في عباءة يوسف شاهين، دون أن يدرس شيئًا عن الإخراج.

تتلمذ على يد يوسف شاهين لمدة 15 عامًا كمساعد مخرج وكان من الأفلام التي شارك بها هي “الآخر” و”المهاجر” و”المصير” و”سكوت هنصور”.

خالد يوسف.. الابن الذي لا يشبه أباه

بالرغم من محاولة خالد يوسف الظهور دائمًا في عباءة يوسف شاهين، إلا أنه وبتاريخ فني لم يصل 20 عملًا، لم يستطع أن يحقق جزءًا مما حققه “شاهين”، الذي وصل إلى العالمية بـ7 أفلام على سنوات مختلفة في مهرجان كان السينمائي الدولي.

ما يشبه فيه أستاذه هو الانتقاد الذي تعرض له كليهما، فالأستاذ كان دائم التعرض للانتقاد باعتبار أفلامه غير مفهومة ولا تصلح للجميع، والتلميذ تعرض للانتقاد بأنه يتبع طريقة “خالف تُعرف”، وبأنه يقدم المشاهد والإيحاءات الجنسية بكثرة لكي يكسب الكثير من المشاهدين.

وبالتالي أصبح خالد يوسف الابن الذي لم يشبه أباه، بعد أن تحولت أفلامه جميعها إلى خانة واحدة لا يجازف فيها بالتعدد ولا اختلاف الأفكار.

فكرة واحدة 

حاول خالد يوسف منذ اللحظة الأولى لإدارته للكاميرا كمخرج أن يُعلن أنه صاحب رأي سياسي، وأنه المخرج المثقف الذي سينتقد النظام وسيفتح له “أزرار” بذته كي يطلقوا عليه النار إن أرادوا الخلاص منه، فقدم الانتقاد الأول من خلال فيلم “جواز بقرار جمهوري” والذي اعتبره البعض “جس نبض” منه لنظام “مبارك”، هل سيتركه لكي ينتقد أم سيتم الحجر على آرائه؟، ولكن الفيلم مر ببعض التعقيدات لكنه مر في النهاية.

حاول بعدها خالد يوسف الحصول على هدنة بتقديم عدة أفلام ذات قصص مختلفة مثل “أنت عمري” و”ويجا” و”خيانة مشروعة” ليعود مرة أخرى فارضًا رأيه السياسي على ما يقدمه من أفلام، واتخذ في سبيل ذلك مجموعة من الفنانين والفنانات كي يقدما وجهة نظره دون اعتراض، بل وينفذون مبدأ السمع والطاعة، فهو يخلق منهم نجومًا وأصحاب إيرادات بشباك التذاكر.

السياسة أم الفن.. من يحكم حياة خالد يوسف؟

مع تقدم خالد يوسف في الأعمال الفنية، لعب كـ”الراقص على الحبال”، بين رغبته في أن يكون سياسيًا، كما كان في عمر الشباب كواحد من القيادات البارزة للحركة الطلابية في الثمانينيات، وتم انتخابه رئيسًا لاتحاد طلاب كليته حينها، وشكّل مع اتحاد طلاب الجامعات المصرية ونشطاء الطلاب حركة طلابية فاعلة وقاد العديد من المظاهرات والاعتصامات الطلابية التي أدت إلى صدور قرار باعتقاله في العديد من المرات، وبين أن يكون فنانًا حرًا.

مع هذا التاريخ في المجال السياسي الشبابي، ظن خالد يوسف أن الأفلام السينمائية هي مظاهرة كبرى، ولكن يقودها نص مكتوب، ويشاهدها عدد أكبر من الجمهور، وظهرت أغلب أفلامه تحمل فكرة واحدة، فإن تابع الجمهور “دكان شحاتة” سيجده ذاته “حين ميسرة” ولا يختلف كثيرًا عن “كلمني شكرًا”.

ولم نجد التشابه في القصة فقط، بل أيضًا فيما يقدمه على الشاشة من مشاهد، لابد أن يوجد بها تظاهرة، أو أن يتم عرض الأمر من وجهة ثورية، وهذا ما حاول إقناع الجمهور به وتقديمه لهم على أنه السياسة الفنية ولكن قدمه بجودة فنية رديئة وسعى إلى التلاعب فيها على الجمهور بإثبات أن هذه المادة هي انتفاضة الشارع.

ولعب في اتجاه آخر على الأوساط السياسية، بأنه أحد أهم أعضائهم، وأنه يقدم وجهات النظر السياسية وخاصة الاشتراكية التي يُروّج لها في أعماله، محاولًا أن يكون صوت الفن الناطق بأسمائهم.

 

اقرأ أيضَا:

عمليات التجميل والفنانات.. نهايات مأساوية واحتجاب عن الأضواء

 

لنجد أن النتيجة لما قام به خالد يوسف في النهاية صفر، فهو لم يحصل على الوضع السياسي الذي طمح أن يكون عليه، ولا أن يكون واحدًا من الأعمدة الرئيسية في السينما المصرية والتي استطاعت أن تقود جيلًا وتنقله فنيًا.

وفي هذا يقول الناقد الفني محمد عدلي: “إن خالد يوسف لم يكن الأول في الربط بين السياسة والفن في السينما، فهي مرآة الشعوب وكان هذا جليًا منذ بداية السينما وظهور التظاهرات والحياة السياسة منذ أزمنة بعيدة”.

ويتابع في تصريحات خاصة لـ “مصر 360”: “أن مشكلة خالد يوسف تكمن في أنه قام بخداع الجمهور، بأن قدم له وجهات نظر سياسية في صورة فنية رديئة، وقام بإقناعهم أنها أعمال فنية عظيمة لابد أن تُخلّد وأنه لم يُصنع مثلها، طبقًا لأنه نجل يوسف شاهين الأوحد والوريث الشرعي للنجومية بعده، وأن روح الأستاذ متواجدة بكل تلك الأعمال”.

وأوضح أن “يوسف شاهين لو كان على قيد الحياة لرفض أغلب أعمال خالد يوسف، لما قدمه بها من رؤية فنية سيئة”.

بعد أن أصبح خالد يوسف نائبًا برلمانيًا، لم يحصل على حشد جماهيري كبير، طوال مشواره في المجلس، نجد أنه خسر السياسة والقيادة الفكرية التي طمح وسعى إليها بشكل دائم، وانكشف خداعه للناخبين، وأصبح صاحب الكاميرا السياسة الراقصة التي تخفي خلفها أكثر ما تُظهر.

وعلى الجانب الفني، نجد أن آخر ما قدمه في السينما هو فيلم “كارما” الذي لم يحقق نجاحًا كبيرًأ بدور العرض، ليعلن انتهاء حياة خالد يوسف الفنية تمامًا، حتى بعد أن قدم اعتذارًا أنه أضاع الكثير من الوقت في لعب السياسة، وكان الأجدى به أن يقضي هذا الوقت بالسينما.