تخيل أن تستيقظ فتجد جسدك مدفون تحت الأرض، حيث لا سقف ولا جدران، وكل ما تملكه من حقك في الحياة حفنة “تراب”، لا تستر عورتك، بل تزيد من قسوة معاناتك فحسب، وإذا حاولت النجاة تجد السدود لك بالمرصاد هذه الصورة الضبابية جزء صغير مما يعيشه الفلسطينيون في الصفة الغربية بشكل شبه يومي، حيث يستمر توسيع المستوطنات وعمليات الهدم والتهجير كتمهيد لمخطط إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، ضمن صفقة القرن، في خطوة مرفوضة على المستويين العربي والدولي.
منذ عام 1967، يخضع الفلسطينيون في الضفة الغربية لنظام معقد من السيطرة، منها معيقات مادية وبيروقراطية كإلزامهم باخراج تصاريح أو غلق مناطق والتي تحد من حقهم في حرية التنقل.
ويعتبر الفلسطينيون قبولهم بإقامة دولة فلسطينية على الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة والتي تشكل 22% من أرض فلسطين التاريخية بمثابة تنازل تاريخي.
وفعليا تحولت نحو 132 مستوطنة و124 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي الضفة الغربية إلى ما يشبه دولة المستوطنين داخل الضفة الغربية المحتلة.
بينما يرى مراقبون إن كل ما يلزم تل أبيب الآن لضم المستوطنات هو إعلان رسمي باعتبار أن الشوارع التي تربطها بإسرائيل قائمة فعلا.
رفض دولي
لكن مع اقتراب أول يوليو المقبل، الذي يعتقد أن تعلن إسرائيل فيه ضم مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن، بدء تكهنات باندلاع عنف داخل الأراضي الفلسطينة، بينما رفضت بعض الأوساط الدولية هذه الخطوة، مؤكدين أنها ستقضي على أي أمل للسلام في المنطقة.
في رسالة نشرت، أمس الأربعاء، في عدة صحف وأرسلت إلى وزراء الخارجية الأوروبيين، حض 1080 نائبا من البرلمان الأوروبي من 25 دولة قادة دولهم على التدخل لوقف مخطط إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
وقال النواب في الرسالة إنهم “يشعرون بقلق عميق من السابقة التي سيخلقها هذا الأمر في العلاقات الدولية”. وأضافت الرسالة “مثل هذه الخطوة ستقضي على آفاق عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية وتهدد المعايير الأساسية التي تدير العلاقات الدولية وبينها ميثاق الأمم المتحدة”. وتابع النواب “للأسف، خطة الرئيس ترامب تخالف المعايير والمبادىء المتفق عليها دوليا”.
وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن يطلق هذه الآلية الأسبوع المقبل، وبموجب صفقة الائتلاف الحكومي بين نتانياهو ومنافسه السابق بيني غانتس، ومن المتوقع بدء تنفيذ مخطط ضم إسرائيلي لمستوطناتها في الضفة الغربية ومنطقة غور الأردن الاستراتيجية في الأول من يوليو.
وأشارت الرسالة ثلاث مرات إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن بدون أي ذكر مباشر لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لا يزال يتعين عليه أن يقرر حجم الأراضي التي يعتزم ضمها.
وكتب النواب في الرسالة “تقديرا لجهود أوروبا الطويلة الأمد في التوصل إلى حل سلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، نطلب من القادة الأوروبيين التحرك بشكل حازم” للرد على هذا الأمر. وأضافوا أن “أوروبا يجب أن تبادر إلى جمع الأطراف الدولية من أجل منع الضم”.”
ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى إقناع إسرائيل بالتراجع عن هذه الخطوة ويدرس إجراءات رد في حال مضى نتانياهو في مخططه، لكن أي عقوبات محتملة ستتطلب موافقة كل الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة.
يذكر أن الموقعين على الرسالة من أعضاء أحزاب يسارية، وربعهم تقريبا من بريطانيا التي غادرت الاتحاد الأوروبي في يناير الماضى، وبينهم المتحدثة باسم حزب العمال البريطاني ليزا ناندي.
وسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن كشف اعتزامه الشروع بضم 30٪ من مساحة الضفة الغربية، من بينها غور الأردن بدءًا من الأول من يوليو المقبل.
بينما رفض الفلسطينيون والمجتمع الدولي خطوة الضم، وحذرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية من أنها ستحكم بالفشل على فرص السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
عمليات الهدم
“لأكثر من خمسة عقود، غيّرت إسرائيل طابع الأرض الفلسطينية”، هكذا وصفت دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، الوضع في الداخل، إذا تشير التقديرات إلى أن أكثر من 690 ألف مستوطن تم نقلهم بشكل غير قانوني إلى فلسطين المحتلة.
وأضافت أنهم “يعيشون اليوم في أكثر من 200 مستوطنة ووحدة استيطانية استعمارية، ما يشكل جريمة حرب موصوفة ومحددة بوضوح بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
وبسحب التقديرات، فأن 46٪ من الضفة الغربية المحتلة تقع تحت السيطرة الكاملة للمشروع الاستيطاني الاستعماري لإسرائيل، التي قامت بإعاقة حركة ووصول الفلسطينيين إلى أراضيهم بنصب مئات الحواجز العسكرية وتشييد جدار العزل والتوسع الذي يقسم المشهد الفلسطيني إلى جيوب منعزلة.
وكانت إسرائيل صعدت في السنوات الأخيرة من عمليات هدم المنازل الفلسطينية في المناطق “ج”، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة بالتوازي مع تقييد البناء فيها.
ويؤكد خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية بالقدس، أن عمليات الهدم هي تطبيق لسياسة إسرائيلية تهدف إلى تقليص أعداد الفلسطينيين في القدس الشرقية وتطهير المنطقة “ج” في الضفة الغربية من الفلسطينيين.
وتعتبر المستوطنات غير قانونية على نطاق واسع بموجب القانون الدولي، على الرغم من أنّ إسرائيل – والولايات المتحدة تحت إدارة ترامب – تنفيان ذلك.
ويعيش في منطقة الضفة الغربية، التي تقع بين اسرائيل والأردن، حوالي أكثر من 450 ألف مستوطن في مستوطنات إسرائيلية بنيت على أراضي الفلسطينيين البالغ تعدادهم أكثر من 2,8 مليون نسمة.
وفقا لبيانات جمعتها منظمات إسرائيلية غير حكومية مناهضة للاستيطان، تضاعفت أعداد الوحدات السكنية الموافق عليها في المستوطنات بعد تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة في العام 2017.
وترتبط المستوطنات الإسرائيلية البالغ عددها 130، بطرق يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، وبحسب الحكومة الإسرائيلية ومنظمات غير حكومية، يعيش نحو 10 آلاف مستوطن في غور الأردن، المنطقة التي تشكل 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية والتي تعتبر السلة الغذائية للفلسطينيين، بينما يبلغ عدد الفلسطينيين حوالي 65 ألفا، بينهم 20 ألف هم سكان مدينة أريحا.
ووفقا لاتفاقية الحكم الذاتي “أوسلو” التي وقعها الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني في تسعينيات القرن الماضي، تقسم الضفة الغربية إلى ثلاثة مناطق هي (أ) و(ب) و(ج).
وبحسب البنك الدولي، يبلغ معدل الفقر بين الفلسطينيين في الضفة الغربية 14 في المئة، وتشير أرقام مكتب منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، إلى أن معدل البطالة بلغ في العام 2018، 18%.
اندلاع عنف
لكن يبدو أن خطوة “نتيناهو” لن تمر مرو الكرام، حيث حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوهافي، من أن إسرائيل قد تواجه قريبا اندلاع أعمال عنف في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك مع اقتراب موعد ضم اسرائيل للضفة.
وحذر “كوهافي”، في تصريحات سابقة، من اضطرابات عنيفة في الضفة الغربية، التي قال إنها يمكن أن تمتد إلى غزة.
خطة ترامب
بينما يعول الكثير من المعارضين لخطوة الضم، فشل مساعي السلام بين إسرائيل وفسلسطين، لاسيما إذا تمت عملية الضم، إلى خطة “ترامب” للسلام، اذا أفاد مسؤول أمريكي بأن كبار معاوني “ترامب”، بدأوا نقاشا، الايام الماضية، بشأن ما إذا كان البيت الأبيض سيعطي “نتنياهو” الضوء الأخضر للمضي قدما في خطته لضم مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
ويشمل اقتراح ترامب للسلام في الشرق الأوسط، الذي كشف عنه النقاب في يناير الماضي، اعتراف الولايات المتحدة بالمستوطنات اليهودية، المقامة على الأرض التي يريدها الفلسطينيون لإقامة دولتهم، كجزء من إسرائيل.
ويتضمن الاقتراح إقامة دولة فلسطينية في إطار خطة سلام أوسع لكنه يفرض شروطا صارمة عليها، ويرفض القادة الفلسطينيون المبادرة برمتها.