يُجري وفد رفيع المستوى من الحكومة السودانية، حاليًا، مفاوضات صعبة في واشنطن، مع مسؤولين كبار في وزارة الخارجية الأمريكية، وعدد من المحامين المُدعين بالحق المدني عن ضحايا تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998.

يسعى الوفد السوداني إلى وضع اللمسات الأخيرة في ملف تسوية تعويضات ضحايا تفجيري السفارتين، بعد توقيع الحكومة السودانية، مطلع أبريل الماضي، اتفاق تسوية آخر مع أسر حضايا المدمرة الأمريكية “يو إس كول” التي تم تفجيرها قبالة ميناء عدن عام 2000، ما أسفر عن مقتل 17 من بحارتها.

وبتوصله إلى اتفاق بشأن تعويضات ذوي ضحايا السفارتين، يكون السودان بذلك قد أوفى بكل متطلبات رفع اسمه من القائمة الأمريكية لـ “الدول الراعية للإرهاب”، التي وضعت واشنطن اسم السودان فيها منذ عام 1993، بسبب علاقة النظام السابق برئاسة عمر البشير بتنظيمات “جهادية” إرهابية، من بينها “القاعدة”، حيث أقام زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن في السودان، خلال الفترة الممتدة بين عامي 1992 إلى 1996.

 

“اعتراف” بعد إنكار

الملفت للنظر في هذا الملف، هو أن موقف الحكومة السودانية من مسألة دفع التعويضات في الحوادث الثلاث، تغيّر بمعدل 180 درجة، من الإنكار التام لأي علاقة تربط بين الخرطوم وتلك الحوادث الإرهابية الدامية، إلى اعتراف رسمي “على استحياء” بها!.

وفي 19 مايو الماضي، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكمًا يقضي بأن يدفع السودان “تعويضات تأديبية” لذوي ضحايا تفجير سفارتي كينيا وتنزانيا، حيث قتل في الهجومين، اللذين نفذهما تنظيم “القاعدة”، أكثر من 200 شخص وأصيب الآلاف معظمهم من الموظفين المدنيين غير الأمريكيين، الذين رفعوا دعاوى قضائية ضد السودان، بتهمة إمداده تنظيم “القاعدة”، وزعيمه آنذاك أسامة بن لادن، بالدعم المادي والتقني، ويقضي الحكم، الذي صدر بالإجماع، بأن يدفع السودان 800 مليون دولار كجزء من “عقوبات تأديبية” تتجاوز 4 مليارات، نص عليها حكم سابق صدر في عام 2011.

وعلى الفور، في يوم صدور هذا الحكم الخطير، 19 مايو، أعلنت وزارة العدل السودانية، في بيان رسمي، عن أن “الحكومة ستظل منخرطة في التفاوض مع الولايات المتحدة لتسوية قضايا التفجيرات الإرهابية، وتطبيع العلاقات مع واشنطن بشكل كامل”، مشيرة إلى أنها “تعبِّر عن تعاطفها الثابت مع ضحايا العمليتين الإرهابيتين على سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام، لكنها تؤكد مجدداً أن لا علاقة لها بهما، أو بأي أعمال إرهابية أخرى”.

 

محادثات سرية

وبعد يومين فقط من صدور هذا البيان، جرت محادثات سرية بوساطة من أطراف غير عربية، لا يكشف السودان النقاب عنها رسميا.

وأسفرت هذه المحادثات عن صدور بيان من كبير الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون أفريقيا، في 21 مايو، أعلن فيه أن الولايات المتحدة توصلت إلى تفاهم مشترك مع السودان حول “ملامح” اتفاقية المطالبات الثنائية المستقبلية المرتبطة بالتفجيرات، تمهيداً لرفعه من “قائمة الدول الراعية للإرهاب”.

ويرى المراقبون أن مفاوضات واشنطن الجارية، تستهدف وضع “حل وسط” يحفظ ماء الوجه بالنسبة إلى السودان، الذي اضُطر تحت ضغوط واشنطن للإقرار بمسؤولية نظام “البشير” عن تلك الهجمات، الأمر الذي يرفع الحرج عن النظام الحالي بقيادة عبد الفتاح البرهان، خصوصا في ظل المساعي الأوروبية لدى الإدارة الأمريكية، لضمان عدم تحميل الحكم الحالي مسؤولية “أخطاء” ارتُكبت في ظل حكم البشير، وألا يسدد السودان فاتورة “بن لادن”.

كما تهدف المفاوضات أيضًا إلى وضع جدول زمني لسداد مبالغ التعويضات الكبيرة، مع الأخذ في الاعتبار أن السودان يمر حاليًا بضائقة اقتصادية غير مسبوقة، ويسعى إلى إرضاء واشنطن بكل السبل، لكي تفتح له مغاليق مؤسسات التمويل الدولية، حتى يتمكن من عبور عنق الزجاجة.