في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب الذي يوافق 26 يونيو من كل عام، نقص جانبًا هامًا من فصول هذا الفعل الذي ترك لضحاياه ندوبًا عميقة ولنا قصص تنتهي معظمها بأن لا حيلة للتعذيب إلا في سلب الحياة لا الفكر ولا المعتقد.

والعنف كما كان عقبة وقتية في بعض روايات الأنبياء والصالحين عانوا منه هم وأتباعهم.

الأديان الإبراهيمية

في قصص الأديان الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، عديد الوقائع التي وصلت أخبارها إلينا محملة بمشاعر الحسرة على ضحاياها والرهبة من خلاصة تلك التجارب، وقبل استعراض قصص الأديان الثلاثة فلا ننسى قصة إبراهيم نفسه والتي تحكي محاولة تعذيبه بإلقائه في النار عله يحترق، ولكن على عكس المتوقع خرج إبراهيم من النار في سلام لأن الله قد أمر النار في تلك اللحظة بأن تكون بردًا وسلامًا على نبيه.

أما أتباع اليهودية وبعد عدة قرون من تعذيب فرعون موسى لقومه، ظهر طاغية آخر بانتماء مختلف وهيئة حديثة وعقيدة إقصائية للغاية وهي النازية، أدولف هتلر الذي ابتدع في تنفيذ خطة تعذيب نفسي ليهود ألمانيا وبولندا تحديدًا قبل الوصول للخطوة الأخيرة الشهيرة بحرقهم في المعسكرات النازية.

 

اقرأ أيضًا:

“دماء على الشاشة الفضية”.. حكايات التعذيب من “ناصر” إلى “مبارك”

 

وبتتبع القرارات التي اتخذت في حق اليهود تلك الفترة نجد أن “هتلر” قد بدأ أولًا في خلق حالة من النبذ ضد اليهود تغلغلت إلى نفوس غير اليهود سريعًا عندما قرر أن على اليهود وضع شارة أعلى ذراعهم تحمل نجمة داوود حتى يعرف كل من في الشارع إن كان المار بجانبه يهوديًا أم لا، ثم حدد بعض الأماكن التي لا يمكن لليهود التواجد فيها من مطاعم وبارات وشوارع حتى، بعد ذلك ضيق الخناق عليهم أكثر وشرع في تحديد حي واحد يسكن فيه جميع اليهود داخل المقاطعة وسُمي الحي اليهودي، تمامًا مثلما كان يحدث في بداية انتشار المسيحية، وهكذا أجبر اليهود على التخلي عن منازلهم ومعظم متعلقاتهم ووظائفهم بالطبع، لأن في الحي اليهودي لا شيء يهم إلا الحرف البسيطة كالنجارة والحدادة والصرف الصحي غير المعقد، أو ما يتعلق بالأكل في المقام الأول، وهكذا فإن عازف البيانو مثلًا لن يجد لوظيفته مكانًا هناك بلا شك مثل قصة البولندي اليهودي فلاديسلاف شبيلمان التي جسدها أدريان برودي في فيلم The Pianist.

 

عقب محاصرة اليهود داخل تلك الأحياء تم نقلهم إلى المعسكرات النازية ولكن تم فصلهم بين ذكور وإناث وهكذا ننتقل إلى مرحلة أخرى في التعذيب النفسي بفصل العائلات عن بعضها، الجميع يعاني ولا أحد يعلم حجم معاناة باقي أفراد عائلته مما يجعل الأمر أسوأ، والنهاية لم تكن سعيدة بالطبع إذ دفع الكثيرون حياتهم في ما سُمي بأفران هتلر بعد إشعال النيران فيهم داخل غرف مغلقة بالمعسكرات.

قبل أن يقع اليهود ضحية التعذيب عرف التاريخ قصصًا عديدة كان المعتدي فيها يفعل ذلك باسم اليهودية، وبالطبع أشهرها قصة تعذيب المسيح كما ترويها المصادر المسيحية والسعي إلى أشد العقوبات ضد يسوع ألا وهي الصلب، بالطبع سبق الصلب أيام من التعذيب في السجن والضرب والإجبار على حمل صليب خشبي ضخم إلى ساحة العقوبات، لكن التعذيب الأبرز والذي تسبب به رجال الدين اليهودي بتحريضهم السلطات الرومانية كان الصلب ذاته، إذ تم تعليق المسيح على هذا الصليب الضخم وتثبيته بثلاثة مسامير في يديه اثنين ومسمار في قدميه اللاتي تم ضمهن ليخترق المسمار كلتيهما مرة واحدة، وكذلك تثبيت سلك شائك في رأسه كي لا يحرك رأسه بأريحية ومن ثم ترك الوقت والألم يكملان مهمة التخلص من المسيح، بحسب الإيماني المسيحي.

أما الإسلام فعندما يُذكر جنبًا إلى جنب مع التعذيب فسيتبادر إلى ذهنك ذلك المشهد الذي يرقد فيه رجل أسمر وضع فوق منه حجر ضخم في محاولة ثنيه عن اتباع دين “محمد” الجديد، ولكنه يصمم بكل عزم أنه لا إله إلا إله محمد أو كما رددها مرارًا: “أحد أحد”، قبل أن يزدهر مع ازدهار الدين ليُصبح مؤذن الإسلام بلال بن رباح.

فكما ذُكِر في كتاب البداية والنهاية لابن كثير: “قال ابن إسحاق: ثم إنهم عدوا على من أسلم واتبع رسول الله ﷺ من أصحابه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، من استضعفوه منهم يفتنونهم عن دينهم، فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبهم، ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم، فكان بلال: مولى أبي بكر لبعض بني جمح، مولدا من مولديهم، وهو بلال بن رباح، واسم أمه حمامة، وكان صادق الإسلام، طاهر القلب، وكان أمية ابن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة، يطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد ﷺ، وتعبد اللات والعزى، فيقول: وهو في ذلك، أحدٌ أحد.”

 

اقرأ أيضًا:

تعذيب الرياضيين.. من نجوم بالملاعب إلى ضحايا للمسالخ البشرية

 

ومن الإسلام أيضًا تظهر لنا ما يُمكن أن تُعد كأغرب قصة تعذيب في التاريخ، حينما ادعى بعض الناس ألوهية الإمام علي بن أبي طالب فطالبهم بالكف عن ذلك ولكنهم لم يتراجعوا، وهكذا أمر بقتلهم حرقًا بالنار وهي العقوبة التي يتعتبر من أشد أنواع التعذيب قبل الموت، وبسبب ذلك روى البخاري في صحيحه: أنَّ عليًّا حرَّق قوماً ، فبلغ ابنَ عباس فقال : لو كنتُ أنا لم أحرِّقهم ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ( لا تُعذِّبوا بعذاب الله ) ولَقَتَلتُهم كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَن بدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ).

الفايكينج والنسر الدامي

أما خارج الأديان الإبراهيمية وبالوصول إلى الفايكينج، نجد لون آخر من ألوان التعذيب أسموه النسر الدامي، إذ كان يتم شق ظهر الشخص المُراد تعذيبه ثم كسر ضلوعه وإخراج الرئتين منه لتشكيل منظر أشبه بالأجنحة، وكان ذلك إما عقوبة له على جرم عظيم كالخيانة أو فقط لتقديم القرابين لأودين إلههم، وهذا مشهد اعتاد محبو المسلسلات الأجنبية رؤيته بطبيعة الحال في أعمال مثل مسلسل الفايكينج وهانبال.

 

 

التعذيب بالهوية في الهندوسية

في الأساطير الفيدية الخاصة بالهندوسية روي أن الآلهة الكبيرة شيفا وبارفاتي أصدرا حكمًا بنوع مختلف من التعذيب عقوبًة لإيللا -إله آخر في الهندوسية اختصت بالقرابين- على إغضابهما، إذ قررا أن يتنقل إيللا بين هوية الذكر والمرأة سنة تلو الأخرى أي العيش كرجل لعام ثم التحول لامرأة العام التالي وهكذا دون توقف.

المصادر:

كتاب البداية والنهاية لابن كثير

صحيح البخاري

ملحمة أوركني

معجم أعلام الأساطير والخرافات في المعتقدات