يوافق اليوم 26 يونيو من كل عام، الاحتفال باليوم العالمي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، وفي مصر برزت في السنوات الأخيرة العديد من المقترحات فيما يتعلق بتعريف الجريمة في الدستور والعقوبات المقررة حال ارتكابها.
القضية الأشهر لحالات التعذيب في مصر، كانت واقعة مقتل أيقونة ثورة 25 يناير عام 2011، خالد سعيد، والذي حاولت الشرطة حينها تحويله من جاني إلى مجرم، متهمة إياه بالإتجار وتعاطي المخدرات، قبل أن تتحول قضيته لتكون الشرارة الأولى للثورة، بعد الضغط الشعبي وجهت النيابة لقاتليه في البداية، تهمة “جريمة ضرب أفضى إلى الموت”، قبل أن يتم تغيير التهمة إلى جريمة “تعذيب” لينالا مخبري الشرطة عوض سليمان ومحمود صلاح، حكما نهائيا، بالسجن 10 سنوات.
“تعريف مبهم”
الدستور المصري الحالي لم يرد به تعريف واضح لجريمة التعذيب، واقتصر ذكر لفظ “التعذيب” فيه على مادتين في باب الحقوق والحريات، وتحديدا في المادة 52، والتي نصت على أن “التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم”، بدون تحديد تعريف واضح للتعذيب، وجاءت المرة الثانية في المادة 55 من الباب نفسه، بأن كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز “تعذيبه”، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، وأن مخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون.
وعرف التعذيب في المادة 126 من قانون العقوبات المصري بأنه “كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالسجن المشدد من ثلاث سنوات إلى عشر”، وأنه “إذا مات المجنى عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً”.
وذكرت المادة 127 أنه يعاقب بالسجن كل موظف عام وكل شخص مكلف بخدمة عامة أمر بعقاب المحكوم عليه أو عاقبه بنفسه بأشد من العقوبة المحكوم بها عليه قانوناً أو بعقوبة لم يحكم بها عليه.
الموظف العام
ووفقا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن المادة 126 حددت أن الموظف أو المستخدم العمومي لا يكون مرتكبًا لجريمة التعذيب إلا إذا كان المعتدى عليه متهمًا، وإلا إذا كان الاعتداء الواقع عليه من الموظف أو المستخدم العام بقصد الحصول على اعتراف، وأنه إذا لم يتوفر هذان الشرطان لا يقدم الموظف العام إلى المحاكمة بتهمة التعذيب، أي أنه إذا قام الموظف العمومي باحتجاز وضرب متهم بشكل متواصل بهدف الترهيب أو المعاقبة, على سبيل المثال، لا يندرج هذا الفعل تحت تعريف التعذيب طبقا للمادة 126.
اتفاقية مناهضة التعذيب
وعرفت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1987، والتي صدقت عليها مصر بأنه يقصد “بالتعذيب” أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أوتخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”.
“مطالبات حقوقية مستمرة”
تلقت القيادة السياسية المصرية والحكومات المختلفة عشرات من المطالبات من منظومات حقوقية محلية ودولية في هذا الشأن، لتحديد تعريف واضح للتعذيب يتطابق مع الاتفاقية الدولية، وتجريم مرتكبيه، كان أبرزها مشروع القانون الذي قدمته المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، إلى رئاسة الجمهورية منتصف عام 2015.
وطالبت المجموعة المتحدة باستبدال المادة 126 من قانون العقوبات بالنص التالي: “كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة أمر بتعذيب شخص أو فعل ذلك بنفسه أو بإذن منه أو علم بذلك وامتنع عن إيقافه رغم قدرته على ذلك يعاقب بالسجن المشدد”، مشيرة إلى أنه إذا كان التعذيب بقصد حمل الشخص على الإدلاء بأقوال أمام سلطات الضبط أو التحقيق أو المحاكمة أو إحدى وسائل الإعلام يعاقب بالسجن المشدد الذي لا يقل عن خمس سنوات، وأنه إذا كان التعذيب واقعا على النساء أو الأطفال فتكون العقوبة السجن المؤبد، مشددة على أنه إذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدًا، وأنه في جميع الأحوال يحكم بالعزل من الوظيفة أو الخدمة العامة.
“لا تغيير قريب”
رئيس المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية المحامي الحقوقي، نجاد البرعي، قال إن الدستور والقانون المصري لا يوجد به تعريف واضح لجريمة التعذيب، مشيرا إلى أن هناك مطالب دولية وحقوقية منذ تسعينيات القرن الماضي لإقرار جريمة التعذيب في القانون المصري، ووضع عقوبة رادعة لمرتكبيه.
البرعي ذكر في تصريحات لـ”مصر 360″، أن مكافحة التعذيب في القانون المصري تحتاج إلى تعديلات عديدة، حتى تتوافق مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر في السابق، أبرزها وضع “مفهوم جريمة التعذيب، وأن يكون مأمور القسم أو السجن مسئولا عن جريمة التعذيب إن لم يعرف الجاني، وأن يمنح حق زيارة السجون للمجلس القومي لحقوق الإنسان في أي وقت”.
ونوه البرعي إلى تقديم المجموعة المتحدة مشروع قانون إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي للوقاية من التعذيب أعدته لجنة تكونت من اثنين من القضاة وأستاذ جامعة وثلاثة محامين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، قبل نحو 5 سنوات، لكنه لم يتم البت فيه، أو مناقشته منذ حينها، منوها أنه ليس هناك أمل في تغير الأوضاع في المستقبل القريب، في ظل السياسية المتبعة”.
تطور القانون
أما عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان،جورج إسجاق، بين أنه ورد في القانون المصري مواد لمنع التعذيب، لكنها تحتاج إلى أن تكون أكثر انضباطا، وأن جريمة التعذيب شيء “خطير”، لافتا إلى ضرورة أن يكون هناك تعريف واضح لجريمة التعذيب، بمعنى “هل هو الإجبار على الاعتراف، أو التعرض لاعتداء فقط”، وأن تكون العقوبات المقررة أكثر وضوحا وردعا.
وشدد إسحاق في تصريحات خاصة لـ”مصر 360″، على أنه حدث تطور كبير في مناهضة التعذيب، حيث أصبح من حق المجني عليه في حالة إثبات تعرضه للتعذيب أن يطلب من المجلس القومي أن يشترك معه في الدفاع عن حقه، منوها بأن المجلس تدخل بالفعل في 5 قضايا خلال السنوات القليلة الماضية، وتم صدور أحكام على الجناة.
وأشار عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إلى أن الطريق ما زال طويلا لمواجهة جرائم التعذيب بالشكل الأمثل، مشددا على أن الوضع الحالي في مصر حاليا لا ينبئ بأن هناك انفراجة قريبة في ظل الظروف الحالية في البلاد، حيث نحتاج إلى فتح المجال العام، والحفاظ على حرية الرأي التعبير، علاوة على تنفيذ المطالب الحقوقية لتحسين الأوضاع، حسب قوله.
“النضال مستمر”
وأوضح المدير التنفيذى لدى المؤسسة العربية للحقوق المدنية والسياسية “نضال”، محمد صبحى، إن الدستور المصري نص على جريمة التعذيب، لكن لا يوجد تعريف في القانون ينص على تلك الجريمة بالأساس، وهو ما يحتاج إلى تعديل “ضروري”، بما يدل على وجود جريمة تسمى “التعذيب” بدلا من أن تكون “ضرب افضى إلى الموت “، وبما يتوافق مع اتفاقية إسطنبول 2004 لمناهضة التعذيب.
وأشار صبحي في تصريحات لـ”مصر 360″، إنه لا بد من تحرك برلماني قوي، لمناهضة التعذيب بما يمكن المعتدى عليه من الحصول على حقه، ووسم المتهم بها، لافتا إلى أن مصر تعرضت لضغوطات كبيرة وتم تقديم العشرات من القوانين والمقترحات من المؤسسات المناهضة للتعذيب على مدار السنوات الماضية، لكن بدون جدوى حتى الآن.
وأكد أن الوضع الحالي في مصر يدل على أن الدولة لا تريد اتخاذ موقف لمناهضة التعذيب، وأنه يتم تلاشي الحديث في القضية رغم ما يثأر بين الحين والآخر، مشددا على أن الوضع حاليا “غير مبشر”، وأنه لا بد من مواصلة “النضال”، والضغط على أجهزة الدولة، حتى الوصول إلى الغاية، رغم عدم وجود مؤشرات على نجاح ذلك.