لا يتوقف مصطلح التعذيب عند حدود أسير تفصله قضبان أو جدران عن العالم الخارجي، فأحياناً يصنع الأهل ما تعجز عن صناعته أعتى الأنظمة عالمياً، من خلال تعذيبهم المنزلي لأطفالهم، يستخدمون أبنائهم كمادة خصبة لتجريب أنواع عديدة من السادية المفرطة، منهم من يفعل ذلك بدافع التربية وتقويم الطفل، ومنهم من يفعل ذلك لتفريغ شحنات غضبه بقصد أو دون قصد على من أضعف منه، فالنتيجة واحدة وهي صناعة طفل مليء بالمشكلات النفسية والعقلية.

ويحيي العالم اليوم الجمعة، اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب 2020 تحت شعار “التعذيب: جريمة ضد الإنسانية”، حيث يهدف التعذيب إلى إفناء شخصية الضحية وإنكار الكرامة لدى الكائن البشري، ويستهدف التعذيب  تدمير الفرد على المستويين الجسدي والنفسي، وفي كثير من الأحيان لايترك هذا الفعل آثارًا جسدية، إلا أن الفرد يصبح بروح منكسرة تحمل ندبات عميقة وعديدة يصعب علاجها والشفاء منها رغم مرور الوقت.

عرفت منظمة اليونيسيف الطفولة على أنها مرحلة تمتد منذ ميلاد الطفل وحتى إتمامه 18 عاما، وهي مرحلة تتميز بخصائص مهمة، يبرز خلالها الشخصية المستقلة لكل فرد، حيث تظهر خلالها سلوكياته وانفعالاته، لذا تتطلب هذه المرحلة رعاية ومعاملة خاصة جداً واهتماماً كبير من قبل الأسرة حتى لا ينتج عنها شخص مشوه مستقبلاً .
انتشر مؤخراً بعض الممارسات التي من شأنها أن تنتهك حقوق الأطفال النفسية، وتستبيح خصوصية جسدهم أحياناً، على يد بعض الآباء والأمهات، وهو ما أوضحه الدكتور خالد أبو بكر، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، موضحاً أن أسوأ أنواع التعذيب وأخطرها تلك التي يتعرض لها الفرد في صغره، وعلى يد ولي أمره، نظراً لأن هذا النوع من الإيذاء يتسلل من أشخاص مقربين لا يُفترض بهم إيذاء الطفل، وبالتالي لا يلتفت الآخرون بسهولة لهذا النوع من التعذيب، ولا يتم إنقاذهم بسهولة.، موضحاً أنه تعاون مع خط نجدة الطفل للمساعدة في إنقاذ وعلاج العديد من الأطفال الذين تعرضوا للعنف والتعذيب على يد ذويهم، وخلال عمله تعامل مع حالات لم يُصدق في البداية أن من فعل ذلك بالطفل هو أبوه الحقيقي.

 

حالة طفل

 يروي أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة بعض المشكلات لطفل ذو 10 أعوام كان والده يفترش الأرض رمال وينزع ملابس أبنه ويجبره على النوم والأكل طوال اليوم، وهو على هذه الرمال مثل الحيوانات كنوع من العقاب حال ما ارتكب الطفل أي خطأ في مذاكرته أو ما شابه، حتى اتصل أحد أفراد العائلة بخط نجدة الطفل وتم إخضاعه للعلاج النفسي والتأهيل السلوكى.، ليس هذا فحسب.

 

أقرا أيضا:

تعذيب الرياضيين.. من نجوم بالملاعب إلى ضحايا للمسالخ البشرية

 

فيقول “أبو بكر” أن هناك أنواع عديدة من التعذيب يتعرض لها الأطفال داخل الأسرة لا يُشترط أن ترتبط بالعنف الجسدي، فترهيب الطفل ووعيده وتهديده والسخرية منه وندائه بألفاظ غير مستحبة والتَّقصير في رعايته وعدم توفير مستلزماته الصحية والنفسية أو عدم تأمينه، أو عدم إطعامه جميعها تدخل تحت بند التعذيب ولها مخاطر عدة، موضحاً أن بعض الحالات التي تعامل معها في عيادته كان لأطفال يعانوا من ضعف الشخصية والتلعثم في النطق بسبب سخرية آبائهم منهم أمام جيرانهم وأصدقائهم وهو أطفال، فيكبر هؤلاء وهم غير قادرين على اتخاذ قراراتهم بشكل جيد، كما تؤثر على النطق وكثيراً ما يلجأ المختصون لجلسات تخاطب ليستعيد الطفل قدراته على النطق بشكل سليم مرة أخرى.

 

إنسان مشوه

قد يجهل بعض الآباء والأمهات أن ذاكرة الأطفال قوية جداً للدرجة التي تجعله لا ينسى ما يتعرض له في طفولته بسهولة، فغالبا ما يحتفظ الطفل بالمواقف التعيسة والسعيدة التي يتعرض لها في صغره، موضحاً أن هناك فاتورة يدفعها هؤلاء الأطفال جراء المعاملات الخاطئة التي تعرضوا لها في صغرهم تنذر بميلاد مريض نفسي جديد، وهو ما أوضحته الدكتورة سلوى السيد، أستاذ علم نفس الطفولة بكلية الآداب جامعة القاهرة.

وأوضحت أن العنف يولد عنف هذه نظرية ثابتة فكلما تعرض الطفل لتعذيب خاصة البدني يتوقع دائماً منه أن يمارس نفس العنف على من هم أضعف منه في المستقبل سواء أطفاله أو الموظفين اللذين يعملون معه فيعيشوا في نفس الدائرة، كذلك تظهر لدى هؤلاء أعراض عديدة مثل التوتّر وزيادة الخوف أو الغضب، إلى جانب امتداد هذه الآثار على تصرفات الأطفال وسلوكياتهم، كصعوبة الذّهاب للنوم أو العناد وما إلى ذلك، هذا بخلاف بعض السلوكيات طويلة الأمد كالتّورط في تعاطي المخدرات أو ترك المدرسة والتسرب من التعليم أو غير ذلك من السلوكيات السلبية .

أيضاً هناك أمر لا يمكن إغفاله وهو أن تطور دماغ الطفل يحتاج إلى قدر عال من المرونة خلال تربيته لكي يصبح إنسان سليم وتتم حمايته من ضعف القدرات فيما بعد وتدهور القدرات المعرفية كالإدراك والانتباه، والتركيز ورفع معدلات التشتت التي تسبب تدهور المستوى الدراسي .