يحيي العالم  اليوم الجمعة، اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب 2020 تحت شعار “التعذيب: جريمة ضد الإنسانية”، حيث يهدف التعذيب إلى إفناء شخصية الضحية وإنكار الكرامة لدى الكائن البشري، ويستهدف التعذيب  تدمير الفرد على المستويين الجسدي والنفسي، وفي كثرا من الأحيان لايترك هذا الفعل أثارا جسدية، إلا أن الفرد  يصبح بروح منكسرة تحمل ندبات عميقة وعديدة صعب علاجها والشفاء منها رغم مرور الوقت.

عن التعذيب:

في السادس والعشرين من شهر يونيو، اليوم العالمي لمناهضة التعذيب الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة  عام 1997، لا بد من الإشادة بالجهود الدولية التي عملت على مناهضة التعذيب في أنحاء العالم خلا عقوم من الزمن، وذلك من خلال العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية التي حظرت ممارسة التعذيب حظراً مطلقاً واعتبرته انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان، وامتهاناً للكرامة الإنسانية، وتهديداً للحق المقدس في الحياة، ولا يمكن تبريره أياً كانت  الظروف والأحوال، كونه من أحط الأفعال التي يرتكبها البشر، ولأنه نقيض تحقيق الأمن والاستقرار، وقد بات حظر التعذيب جزءاً من القانون الدولي العرفي الملزم للمجتمع الدولي بأسره.

ويعرف التعذيب:” بأي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسديا كان أم عقليا،يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص،أو من شخص ثالث،على معلومات أو على اعتراف ،أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه ،هو أو شخص ثالث أوتخويفه أو ارغامه هو أو أى شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم على التمييز ايا كان نوعه،أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية”، وذلك وفقا للمادة الأولى لاتفاقية مناهضة التعذيب المعتمدة من الأمم المتحدة.

جهود دولية لمناهضة التعذيب

قبل سبعة عقود، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كأول نص دولي يحظرالتعذيب بصورة مطلقة. ونصت المادة الخامسة منه، والتي تمت الموافقة عليها بالإجماع، على أنه “لا يجوز إخضاع أي شخص للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة .”

وتعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي اعتمدتها الجمعية العامة في عام 1984 وصدّقت عليها حتى الآن 163 دولة، هي أكثر الأدوات قوة في القانون الدولي لحظر التعذيب وتحت أي ظرف من الظروف. لا تزال المبادئ التي تتضمنها ذات أهمية كبيرة، حيث أكدت الاتفاقية على إن : التعذيب جريمة. لا يجوز أبداً السماح بها أو تبريرها، ولا حتى خلال حالات الطوارئ، وعدم الاستقرار السياسي، والتهديد بالحرب، أو حتى حالة الحرب.كما تتضمنت الاتفاقية ضرورة إلتزام  الدول باتخاذ تدبير فعالة لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية.و يجب محاكمة من يرتكبون أعمال التعذيب في أي مكان. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضحايا التعذيب لهم الحق في إعادة التأهيل.

وفي 18 ديسمبر لعام 2002 في الدورة السابعة والخمسين  اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بروتوكولا اختياريا لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وبدأ العمل بالبروتكول في 22 يونيو من عام 2006.

وكان الهدف من البروتكول هو إنشاء نظام قوامه زيارات منتظمة تضطلع بها هيئات دولية ووطنية مستقلة للأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك بغية منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة – وفلك وفقا للمادة الأولى من البروتكول.

لم تكن اتفاقية الأمم المتحدة هي المحاولة الأولى للوقوف ضد منهجية التعذيب التي تستخدم في أنحاء العالم فقد سبقها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  الذي صدر في 10 ديسمبر لعام 1948 ونص المادة ” 5″ منه على أنه:” لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة”.

بالإضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة  في 16 ديسمبر لعام 1966، ونصت  المادة 7 منه على انه: “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية وعلى وجه الخصوص لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر”.

 

اقرأ ايضًا: اليوم الدولى لمساندة ضحايا التعذيب.. عشرات المقترحات بمصر في مهب الريح

 

كما اعتمدت اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب في 12أغسطس لعام 1949، وتنصت  المادة 32 منه على أنه: “يحظر الأطراف السامية المتعاقدة صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها ولا يقتصر هذا الحظر على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه والتجارب الطبية والعلمية التي لا تقتضيها أي أعمال وحشية أخرى سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون “.

نجحت المساعي الدولية في التصدي لبعض عمليات التعذيب التي وقعت خلال الأعوام الماضية، فقد غلق سجن أبو غريب في العراق لمدة عاميين من سبتمبر 2006 حتى فبراير 2009، وذلك عقب الضجة العالمية التي أثيرت بسبب الصورة التي نشرت عم أساليب التعذيب الوحشية التي يستخدمها الجنود الأمريكان ضد المواطنين العراقيين، وتسببت تلك المساعي ايضًا في إصدار أحكام لــ 11 جنديا أميركيا وصلت إلى 10 أعوام، كما تم غلق السجن عام 2006.

رغم الاتفاقيات.. استخدام ممنهج للتعذيب

ورغم مصادقة سلطات الاحتلال على اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 في العام 1991، ورغم تأكيد اتفاقية روما الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية على أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومن بينها التعذيب تندرج في إطار جرائم الحرب وتندرج أيضاً في إطار الجرائم ضد الإنسانية إذا ما ارتكبت في سياق هجوم واسع النطاق ومنهجي وعن علم ضد السكان المدنيين، إلا أن قوات الاحتلال لازالت تمارس تلك الجرائم بشكل ممنهج.

وفي يناير الماضي، ذكرت  مؤسسة “الضمير” الفلسطينية  لحقوق الإنسان بأن هناك تكاملًا في الأدوار بين المحققين والأطباء والقضاة في كيان الاحتلال لإخفاء الإجرام والإرهاب الممنهج المتمثّل في تعذيب الأسرى الفلسطينيين في مراكز التحقيق، في محاولة لنزع الاعترافات منهم.

وتطرق التقرير إلى عدة ملفّات، متّصلة بهذه السياسة ومنهجية التستر عليها وإخفائها. وبينت “الضمير” أنها تابعت المؤسسة حالات 50 أسيرًا جرى اعتقالهم منذ سبتمبر- ومابعده- بينهم طلبة ونشطاء ومدافعون عن حقوق الإنسان وسياسيّون، تعرض جميعهم للتعذيب النفسي الشديد وسوء المعاملة وللتحقيق لفترات طويلة ومتواصلة وحرمان من النوم والراحة، والعديد منهم تعرض للتعذيب الجسدي الشديد بأساليب ووضعيات مختلفة”.وأنهت المؤسسة الحقوقية تقريرها بأنه منذ عام 2001  تم رصد حوالي 1200 شكوى عن التعذيب أثناء التحقيق في مراكز قوات الاحتلال، لكن جميع هذه الشكاوى أُغلِقت دون أي إدانة.

وفي 2014، أصدرت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي ملخصا لاذعا لتقرير يوثق برنامج احتجاز واستجواب وكالة الاستخبارات المركزية  للمتهمين في هجمات 11 سبتمبرعام 2001 ، وكشف الملخص أن تعذيب الاستخبارات المركزية كان أشد قسوة ومنهجية وانتشارا مما عرف عنه قبل ذلك. ويقدم تفاصيل جديدة للانتهاكات، ومنها “التغذية الشرجية” لبعض المحتجزين.

وقدم الملخص معلومات عن الآثار القاسية لاتخاذ أوضاع مؤلمة والحرمان من النوم على المحتجزين. كما ركز على ما إذا كانت “تقنيات الاستجواب المعززة” وسائل فعالة في جمع معلومات استخبارية مفيدة، وخلص إلى أنها لم تكن فعالة.

اقرأ ايضًا: 25 صحفيًا ألقي القبض عليهم في النصف الأول من 2020.. والاتهامات متنوعة

 

وتظهر الأدلة أن مسؤولي الاستخبارات المركزية والبيت الأبيض سعوا لتحصيل ضمانات ضد الملاحقة الجنائية بحقهم، وعندما فشلت مساعيهم ساعدوا في صياغة الآراء القانونية التي تصرح بالتعذيب والتي اعتمدوا عليها فيما بعد.

 يبدو أنه رغم كافة الاتفاقيات الدولية لمناهضة التعذيب في أنحاء العالم، إلا أن تلك المساعي لم تكن كافية لوقف التعذيب والتخلص منه، وعلى مدار السنوات الماضية ظهرت أمثلة عديدة لممارسة التعذيب بشكل ممنهج وذلك في عدد من الدول، تبين أن رحلة مناهضة كافة أشكال التعذيب لم تنته بعد.