حب الحياة غريزة بكل شخص خُلق على هذه الأرض، أن تستيقظ صباح كل يوم حتى وإن كانت حياتك مليئة بالهموم والمشكلات لكن لديك القدرة على الانتقال بين شوارع مدينتك بشيء من الحرية وعدم التقيد، فأنت بنعمة كبيرة لابد أن تُدركها جيدًا.

ولكن هل غريزة حب الحياة هي الأقوى؟ أم يمكن أن تتنازل عنها لبعض الوقت إذا كانت لدينا مغريات تدفعنا لاستكمال الحياة بشكل أفضل بعد الحصول على المال؟، حتى وإن كان هذا التنازل بأن تكون حبيس أربعة جدران دون أدنى اتصال بالعالم الخارجي، وأن تكون مسجونًا وسجانًا أيضًا.

ويحيي العالم اليوم الجمعة، اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب 2020 تحت شعار “التعذيب: جريمة ضد الإنسانية”، حيث يهدف التعذيب إلى إفناء شخصية الضحية وإنكار الكرامة لدى الكائن البشري، ويستهدف التعذيب  تدمير الفرد على المستويين الجسدي والنفسي، وفي كثير من الأحيان لايترك هذا الفعل آثارًا جسدية، إلا أن الفرد يصبح بروح منكسرة تحمل ندبات عميقة وعديدة يصعب علاجها والشفاء منها رغم مرور الوقت.

قدم الفيلم الأمريكي” The Experiment “، أو بالعربية “التجربة”، صورة نفسية عن مجموعة من المواطنين الأمريكيين الذين قرروا أن يخضعوا لإحدى التجارب بأن ينقسموا بين سجين ومسجون، ويتعاملون معًا لعدة أيام، واكتشاف الأثر النفسي لذلك عليهم، لنجد أنفسنا أمام تجربة مليئة بالإثارة والبعد النفسي لحالة السجين والسجان، وتحول كليهما طبقًا لوضعه إلى عكس ما كان عليه تمامًا من قبل.

البداية.. البقاء للأقوى

حاول المخرج  paul scheuring، في فيلمه الوحيد “التجربة”، والذي تم إنتاجه عام 2010، أن يقدم مجموعة من الجوانب النفسية للإنسان وعلاقتها في بعض الأحيان بالحيوان، فكنا أمام تتر البداية الذي أظهر من خلاله أن الإنسان باختلاف وطنه و دينه وعرقه يتعرض للعنف مع السلطة، وأن من يحكم دائمًا فهو صاحب السلطة العليا في بداية العنف، وربط المخرج في لقطة بديعة بين الإنسان والحيوان فكل منهما يمارس العنف في عالمه رغبة في الحصول على البقاء والذي يُصبح للأقوى.  

وكان paul scheuring، صاحب نظرة أبعد للأمور حين ربط بين تتر البداية وبعض مشاهد الفيلم والمقارنة بين الإنسان والحيوان وأن الغريزة الأولى لديهما هي البقاء الذي يُصبح للأقوى.

 

المال والطبيعة البشرية

قامت التجربة التي تسردها أحداث الفيلم، حول مجموعة من المواطنين، يقبلون بأن يتم تقسيمهم بين سجين وسجّان، في مقابل الحصول على مبلغ من المال، وضمت التجربة مجموعة مختلفة من الخلفيات، فمنهم من هو سجين سابق، ومنهم العاطل عن العمل، والآخر غير القادر على إظهار وإعلان ميوله الجنسية المثلية، وآخر ضعيف الشخصية الباحث عن أي دور له بالحياة لكي يعبر عن ذاته.

ولكن قبل بداية التقسيم والتجربة، يتم إجراء مجموعة من الاختبارات لكل شخص، لنجد أن الإنسان بطبيعته قبل أن يتعرض للعنف، أو السجن هو رافض للقتل وضد الدم والعدوانية، وأن السمات الأساسية لأي شخص هي السلام وليس العنف.

 

اقرأ أيضا:

سحل وحبس ومناشدة بالإفراج.. القصة الكاملة لواقعة “سناء سيف”

 

الخوف واستخدام العنف

وأوضح الفيلم في رسالته الأثر النفسي في البداية على السجين والحارس، ورغبة كل منهما في التعامل بسلام مع الآخر دون استخدام للعنف طبقًا للقوانين التي أتاحتها لهم التجربة.

فكان الأمر في البداية إنسانيًا إلى حد ما، فالتصرف السيئ البسيط يُقابل بعقاب سيء في مساواته، ولكن خوف الحراس الدائم من فشل التجربة وإحساسهم مع الوقت أنه لا يوجد رقيب عليهم دفعهم للإفراط في العنف ضد المسجونين، ومحاولة إثبات ذواتهم وشخصياتهم كمسئولين عن السجن.

ومع الوقت تتحول شخصية الحارس في اتجاه الظلم والعنف ويظهر الأثر السيئ للسلطة عليهم، فتجدهم يقومون بعمليات تعذيب وتسلط وما شابه ذلك.

 

سلطة في يد غير الأسوياء

وقعت سلطة الحراس في هذا الفيلم في إيدي مجموعة من المواطنين مختلفي الأجناس والخلفيات الاجتماعية، فكان أحدهم ضعيف الشخصية باحثًا عن تحقيق مجد شخصي وإثبات هويته، كان أثر السلطة على هذا الشخص سيئًا فاتخذ منها طريقًا لإثبات أنه القادر على قمع من حوله بالعنف تارة وبطرق التعذيب تارة أخرى، حتى أنه استثار جنسيًا بعد أول عملية عنف قام بها تجاه أحد المساجين.

ونجد آخر يهرب من الاعتراف أمام العامة بمثليته الجنسية، ليحاول تخريج كبته من المجتمع في تعذيب المساجين بعد أن أصبحت السلطة في يده، وكأنه يعاقب المجتمع بهم، ليجبر أحد المساجين في لحظة ما على ممارسة المثلية الجنسية معه قهرًا.

لنكتشف هنا أنه حين توضع السلطة في أيدي من هم ليسوا أسوياء نفسيًا سنكون أمام طاقة من الغضب يتم تحويلها إلى واقع عن طريق العنف والانتقام من المجتمع في أفراده.

 

آثار السجن

مهما كان وضعك قبل أن تتواجد بين أربعة جدران، وخارج نطاق الحرية الطبيعة الذي خلقت به، ستجد نفسك متغير السلوك والتصرفات، وظهر أثر هذه التجربة على المساجين، أحيانًا بشكل سلبي وآخر إيجابي.

 

اقرأ أيضًا:

اليوم الدولى لمساندة ضحايا التعذيب.. عشرات المقترحات بمصر في مهب الريح

 

فأثبت العمل الفني من خلال وضع بعض الأفراد بالسجن، أن “الاتحاد يكثر الظلم”، وظهر ذلك جليًا، حين اجتمع المسجونين على رأي واحد في مواجهة العنف الذي يتعرضون له، فكانت لهم الغلبة في النهاية، بالإضافة إلى إحساس المسجون بالقهر والذل سواء حين تعرض البطل وهو “أدريان برودي”، إلى حلق رأسه كنوع من العقاب، ووضع رأسه في المرحاض، في تصوير لأن أول من يتعرض للظلم هو صاحب الصوت الأعلى والمدافع عن حقوق الأخرين، بالإضافة إلى حبسه في أنبوبة أسطوانية، لصب الغضب عليه، كما تعرض أحد المساجين للمرض ولم يستطع الحصول على العلاج، كل هذه المشاعر المختلفة والتي تطفو عليها الوحشية والذل قادرة على صنع الغضب المضاد.

الظلم وغريزة الانتقام

في نهاية القصة، كان للمخرج أن يُثبت نظريته التي طرحها في أولى لحظات التتر، وهي أن العنف لا يولّد إلا العنف، وأن غريزة الانتقام لا تأتي إلا بالخراب، فمع عرض مظاهر للعنف بين السلطة والمتظاهرين في البلاد المختلفة في البداية، أكد ذات الرؤية في نهاية العمل حين اجتمع المساجين على الانتقام من الحراس البادئين بالعنف في التجربة، ليستطيعوا أن ينتصروا عليهم، بروح الانتقام التي خلقها حاكمو السجن.