تحول الصراع في ليبيا إلى حرب بالوكالة مع دخول أطرف جدد على خط الأزمة، وسط فشل المساعي الأممية وجهود بعض الأطراف الدولية في وضع حد للنزاع المسلح، ودفع الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات للتوصل لحل سياسي نهائي.

وتؤثر في أحداث ليبيا الجارية حاليًا تسع دول على الأقل، تسعى للحفاظ على مصالحها في بقعة جغرافية مهمة من حيث الموقع، ومصدر أساسي للطاقة في العالم، وتتنوع هذه الدول في علاقاتها بالقوى المتصارعة.

فهناك التحالف الذي يربط بين الدول الثلاث مصر والإمارات والسعودية، والتي يدعم قوات الجيش الليبي، بقيادة خليفة حفتر، ويقدم الدعم بشكل مستمر للجيش الوطنى الليبي.

في المقابل، هناك تحالف “تركي قطري”، حيث كانت ليبيا تحظى بأهمية اقتصادية لتركيا قبل انطلاق الثورة ضد الراحل معمر القذافي، وتسعى كل من الدولتين لإنشاء حكومة مركزية تستطيع من خلالها تأمين مصالحهما الاقتصادية والسياسية .

 

وتصاعد الدعم التركي لحكومة الوفاق منذ توقيع الاتفاقية المشتركة في نهاية عام 2019، واتخذ شكل إرسال مستشارين عسكريين، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار ومنظومات دفاع جوي، وإلى جانب تركيا التي تدعم حكومة الوفاق بشكل مباشر عسكريًا، يوجد الدعم القطري الذي يتخذ غالباً شكل الدعم السياسي والاقتصادي، سواءً للموقف التركي في ليبيا أو لحكومة الوفاق نفسها.

في حين، يعاني الموقف الأوروبي في ليبيا، التي تتصدره فرنسا وإيطاليا وألمانيا، من الانقسامات، جراء اختلاف المصالح أو تعارضها، إلا أنهم يشتركون جميعًا في مخاوفهم من التقارب الروسي التركي في ليبيا وتهميش مصالحهم بالداخل.

مناطق النفوذ 

وتسطير قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر على مساحة تقترب من 60 %  من الأراضي الليبية، تمتد من الحدود مع مصر في الشرق وحتى مدينة سرت على ساحل البحر المتوسط، مروراً بمدن بنغازي وطبرق ودرنة، وجنوباً مدينة سبها أهم مدن وسط ليبيا.

بينما حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، تسيطر على الجزء الغربي من ليبيا ويمتد من الحدود التونسية غرباً وحتي ضواحي مدينة سرت، مروراً بمدن طرابلس العاصمة ومصراتة.

وتقع أغلب المناطق الصحراوية من جنوب ليبيا وحتى مناطق الوسط باستثناء مدينة سبها تحت سيطرة الميليشيات القبليية، ولا تخضع لأي من الفصيلين المتنافسين في الشمال، فيما  يسيطر تنظيم داعش على مناطق متفرقة داخل ليبيا، أبرزها مدينة غات في أقصي الجنوب الغربي المفتوح علي عمق الصحراء الكبرى الأفريقية.

 

خارطة القبائل الليبية

في الشرق الليبي، تشتهر قبائل باسم “قبائل برقة”، وتضم قبائل المرابطين والحضور والجبارنة والحرابي والمغاربة، وتنتشر بمنطقة الجبل الأخضر وطبرق حتى منطقة بنينا القريبة من مدينة بنغازي.

أما المنطقة الجنوبية، فتضم قبائل الزوبة العربية، وقبائل من أصول أفريقية مثل التبو وأولاد سليمان، التي تعد أحد أكبر القبائل في الجنوب، كما تعتبر قبيلة الطوارق الأمازيغية أيضاً أحد أكبر القبائل في الجنوب الليبي.

 

اقرأ أيضا: 

“أردوغان”.. أحلام إمبراطورية من ليبيا إلى اليمن

 

أما المنطقة الغربية فتسيطر قبائل ترهونة المكونة من 60 فرع علي غرب العاصمة طرابلس، وتشكل وحدها ثلث سكان طرابلس، وقبائل العجيلات والزاوية والنواحي الأربعة والصيعان والنوايل والرجبان والزنتان والمشاشية والأصابعة والعربان وولاد بريك والقواليش وزليتن وجادو وويفرن، وقبيلة ورفلة التي يتجاوز عدد أفرادها مليون ليبي أي حوالي سدس سكان البلاد.

من يحارب؟

يعول المراقبون على تنامي قوات الجيش الوطني الليبي، بقايدة خليفة حفتر، والتي تضم تشكيلات وفصائل مختلفة، على رأسها بعض من قوات جيش معمر القذافي، وقوات الصحوات، التي تضم اللجان الشعبية التي كانت تساند القذافي في معاركه مع المعارضة.

كما التحق بقوات “حفتر” مقاتلون قبليون، انحازت قبائلهم له ضد حكومة الوفاق الوطني، وتأتي قبيلة “الفرجان” التي ينتمي لها “خليفة حفتر” في طليعة القبائل المساندة له، وتنتشر في مناطق سرت وترهونة وأجدابيا، بالإضافة إلى جزء من قبيلة “القذاذفة” التي ينتمي لها “معمر القذافي”، وينتشر هذا القسم في سرت والجفرة.

ويتمتع “حفتر” بتأييد غالبية القبائل الموجودة في منطقة الهلال النفطي شمال البلاد، وأبرزها “المغاربة” و”الزوية”، بالإضافة إلى قبيلة “الكفرة” في جنوب شرق البلاد.

كما تتلقى قواته الدعم من عدة مجموعات غير ليبية، منها قوات الدعم السريع السودانية (الجنجويد) بقيادة الجنرال محمد حمدان حميدتي، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، الذي قاد اللإطاحة بعمر البشير، ويصل عددها 1400 مقاتل، بالاضافة إلى ميلشيا “فاجنر” الروسية.

بينما انحازت لحكومة الوفاق الوطني في هذا الصراع التشكيلات التي أطلقت عملية “فجر ليبيا” في يوليو 2014 رداً على عملية “الكرامة” التي أطلقها “حفتر” آنذاك، ومن بين تشكيلات غرفة عمليات “فجر ليبيا” ما يُعرف بـ “الدروع” وهي قوات تتبع للجيش الليبي الذي جرى تشكيله بعد سقوط نظام “معمر القذافي”، بالإضافة إلى كتائب ثوار “مصراتة” و”ثوار الزاوية”.

 

وتقاتل “قوات حماية طرابلس” إلى جانب “حكومة الوفاق الوطني”، وهي قوات تأسست في ديسمبر 2018 بعد محاولة اللواء السابع في ترهونة اقتحام طرابلس، وتتألف هذه القوة من فصائل عديدة هي كتيبة ثوار طرابلس، ولواء النواصي، وقوة الردع والتدخل المشتركة، وكتائب تاجوراء، والكتيبة 92 مشاة، والكتيبة 155 مشاة، وكتيبة يوسف البوني .

اقرأ أيضا:

صفقات السلاح وطبول الحرب..الرقص على دماء الشعب الليبي عرض مستمر

وتعتبر “قوات الردع الخاصة” التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، والكتيبة 301 التابعة لرئاسة الأركان في الحكومة من التشكيلات الرئيسية التي تصدت لهجوم “حفتر” على طرابلس.

وبالنظر إلى خريطة السيطرة وتبدلاتها، فيمكن القول إن الدعم التركي الذي ازدادت كثافته منذ مطلع 2020 ساهم بشكل كبير في تعديل موازين المعركة لصالح حكومة الوفاق، وهو ما يجعل التكهن برد فعل معين من قبل المحاور الأخرى المساندة لقوات “حفتر” أمراً واردًا، وبالتالي قد تتجه البلاد إلى موجة جديدة من الصراع تكون أكثر حدةً من الموجات السابقة، سيكون مسرحها الأساسي الساحل الشمالي الليبي ووسط البلاد والساحل الغربي أيضاً، بحسب المراقبين.