“يا جماهير ليفربول العظيمة والوفية، أنتم في حضرة حفيد الفرعون الأشهر والأقوى بالإمبراطورية المصرية القديمة، والجد الأعظم كما يسمى رمسيس الثاني”.

لطالما كان الغرب يتغنون بالحضارة المصرية القديمة، وخاصة بعد كشف أسرارها وأبرز ملوكها، وكذلك الحال لمسيرة النجم المصري محمد صلاح مع ليفربول، والذي عانق المجد في سنوات قليلة رفقة الفريق الأحمر، ومنذ وصوله لملعب أنفيلد وبداية توهجه أطلق عليه الجماهير لقب الملك المصري أو الفرعون، وهو أمر منطقي خاصة مع كل اللاعبين القادمين من بلاد الفراعنة، ولكن غير المنطقي التألق الكبير الذي صنعه رفقة النادي الأشهر إنجليزيًا وأوروبيًا حتى بداية فترة التسعينيات من القرن الماضي.

الأمر الذي جعل الجماهير تصنع له أغنية خاصة، وتتعلق به سريعًا ويصبح معشوقها الأول، وأملها في كسر كل السنوات العجاف الماضية، “3 عقود” من الانتظار لتحقيق بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز، رغم أنه جاء بصفقة متوسطة “37 مليون يورو من روما” ولم يكن يتخيل أحد حجم ما سيصنعه من أهداف وتألق وألقاب وجوائز فردية وجماعية.

 

توهج “صلاح” لم يجعله فقط سفيرًا عظيمًا للكرة المصرية والعربية في بلاد الفرنجة، لاسيما الدوري الأقوى والأكبر عالميًا، بل وضعه في مكانة لم يسبقه إليها أحد من قبل، فبات بدون أي شك اللاعب الأعظم في تاريخ مصر والعرب “ألقاب وإمكانيات”، فقد فاق كل من سبقوه.

 

اقرأ أيضا:

فخر العرب عاد إليكم.. 4 عوامل وراء تألق “صلاح” بعد التوقف

 

فلم يكن من العجيب أو الغريب أن ترى صور “صلاح” منتشرة في كل جنبات الملعب التاريخي للريدز “أنفيلد” على رأس فرعون أو هيئته، الملك المصري كما لقب هناك بات الوجه الأشهر في المدينة وربما المملكة بأكملها، ولما لا؟، فهو أحسن لاعب في إنجلترا هداف المسابقة الأكبر آخر موسمين، بطل دوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي والسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية، أحد هؤلاء الذين يعدون على الأصبع بين نخبة لاعبي كرة القدم في العالم.

تجربة الملك رمسيس

الملك “رمسيس الثاني” أي رع من أنجبه محبوب أمون، الفرعون الثالث في الأسرة التاسعة عشر “العصر الحديث” للإمبراطورية الفرعونية، يصنف على أنه الفرعون الأكثر شهرة وقوة وتأثيرًا في الحضارة بأكملها، حكم أكثر من 67 عامًا واستطاع أن يعيد مجد وزهو المملكة المصرية القديمة بعد فترة خفوت كبيرة، خاصة بعدما تقلصت الإمبراطورية وعانت كثيرًا إبان فترة الملك الراديكالي إخناتون في الأسرة الثامنة عشر، والذي اهتم بديانة التوحيد على شؤون الدولة، ما عرضها لخسارة أراضٍ كثيرة وتعرضها لهجوم كبير من كافة النواحي.

استطاع “رمسيس” الذي كان قائدًا عسكريًا فريدًا تكوين جيش عظيم بقوة 100 ألف مقاتل، وقام بغزو وفتح كل البلاد التي أخذت من الإمبراطورية واتسعت فتوحاته حتى بلاد الشام شرقًا والنوبة جنوبًا، وأعاد السيطرة المصرية على كنعان، وكانت معركته الأشهر قادش في سوريا حاليًا وانتصر فيها على الحيثيين، وعقد أول معاهدة سلام في التاريخ معهم بعد 15 عامًا من الحروب.

ما قام به رمسيس الثاني يشبه لحد كبير ما فعله “صلاح” مع ليفربول في إنجلترا، ضمن إطار “الفانتازيا” والربط ليس أكثر، فنجح الفرعون الصغير في قيادة ليفربول للقب البريميرليج بعد سنوات عجاف طويلة وأعادهم للواجهة بعد أن كانوا النادي الأكثر فوزًا بالمسابقة عام 1990 آخر سنة فازوا فيها باللقب.

 

سنوات عجاف

استمر انتظار جماهير “الريدزط منذ عام 1990، حوالي 30 عامًا، وطوال العقود الثلاثة الماضية، لم ينجح ليفربول مطلقًا في الاقتراب من لقب الدوري سوى 5 مرات فقط من 30، احتل خلالها المركز الثاني خلف البطل، بمرور أجيال عظيمة ونجوم استثنائية مثل أوين وهيسكي وجيرارد وسواريز وستيرلينج وغيرهم، ومدربين كبار مثل الملك كيني دالجليش جيرارد هولييه ورافا بينيتيز وبرندان رودجرز.

 

اقرأ أيضا:

كورونا والدوريات الأوروبية.. السخونة تُشعل الملاعب لا الأجساد فقط

 

ومع كل تلك الأسماء والأجيال والحقب التاريخية، ظل لغز فك شفرة الفوز بالدوري عسيرًا على ليفربول، حتى جاء “صلاح” ومر من هناك، وصنع أسطورته الخاصة للجماهير، وأعاد لقب الدوري لخزائن النادي العريق، رفقة المدرب الألماني الرائع يورجن كلوب صاحب الفضل الكبير في تكوين ذلك الفريق وتطويره وحصد ثماره بالإنجازات الكثيرة، وكذلك بعض نجوم الفريق وعلى رأسهم المدافع العملاق فيرجيل فان دايك، والسنغالي المدمر ساديو ماني، والحارس الكبير أليسون بيكر، والقائد جوردان هيندرسون وباقي نجوم الحمر.

“صلاح” غير عناصر تلك المعادلة التي استعصت كثيرًا على الفريق الأحمر، ففي أول مواسمه احتل الريدز المركز الرابع “وصل لنهائي دوري الأبطال”، ثم المركز الثاني بالموسم الماضي مع منافسة شرسة حتى آخر جولة “بطل دوري أبطال أوروبا”، وأخيرًا هذا الموسم البطل بفارق مريح وقبل نهاية المسابقة بـ7 جولات كاملة.

 

ثورة وتوهج

صنع “صلاح” ثورة كبيرة في الريدز بمجرد وصوله صيف 2017 الماضي، فساهم في تحقيق ألقاب جماعية وإنجازات فردية لم يسبقه إليها أحد من نجوم الفريق في العصر الحديث، فبخلاف الفوز ببطولات الدوري الإنجليزي ودوري الأبطال والسوبر الأوروبي ومونديال الأندية، حقق عديد الإنجازات الفردية المثيرة.

فخاض 145 مباراة في جميع المسابقات سجل خلالها 92 هدفًا وصنع 38 أخرى، ويعد أكثر من سجل أهدافًا خلال موسم واحد من الدوري الإنجليزي (32 هدفًا في 38 مباراة)، وكذلك أكثر من يفوز بجائزة لاعب الشهر في الدوري الإنجليزي خلال موسم (3 مرات).

ولم يكتف الفرعون بذلك، بل أصبح أكثر من سجل بقدمه اليسرى في موسم واحد من الدوري الإنجليزي (25 هدفًا)، وكذلك أكثر من سجل في فرق مختلفة خلال موسم من البريميرليج (17 فريقًا)، وأكثر من سجل أهدافا في موسمه الأول مع ليفربول عبر التاريخ (44 هدفًا)، وأكثر من سجل أوروبيا لصالح ليفربول في موسم (11 هدفًا)، وأفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لموسم (2017-2018)، وأفضل لاعب في كأس العالم للأندية عام 2019،

وأخيرًا، نال الحذاء الذهبي كهداف البريميرليج مرتين على التوالي آخر موسمين، والأفضل في إفريقيا أعوام 2017، 2018 على التوالي، وحصل على جائزة بوشكاش لأفضل هدف عام 2018، كما كان ثالث أفضل لاعب في العالم عبر جائزة «The Best» عام 2018، والرابع لعام 2019، وسادس أفضل لاعب في العالم عبر جائزة «البالون دور» عام 2018، والخامس لعام 2019، وثالث أفضل لاعب في أوروبا عام 2018، والسادس لعام 2019.

 

الصحف تتغنى بالفرعون

تصدر “صلاح” أغلفة أغلب الصحف الإنجليزية الصادرة أمس الجمعة، بعد ما فعله وقاد ليفربول للفوز بلقب الدوري، مع أداء كبير وسجل أهدافًا مميزة، فأجمعت أغلب تلك الصحف عن أن “صلاح” كان النجم الأول في فريقه هذا الموسم، وساهم بشكل كبير في التتويج المميز لـ”الريدز”.

وقالت صحيفة “دايلي ميل” إن “صلاح” يعد البطل الأول داخل المستطيل الأخضر، فهو أكثر اللاعبين تأثيرًا في حسم النقاط، وكذلك التسجيل للريدز بـ17 هدفًا خلال الموسم الجاري، وعنونت بأنه بفضله، وكذلك ساديو ماني ومدرب الفريق يورجن كلوب وصل ليفربول إلى لحظة تاريخية.

فيما كشفت صحيفة “تيليجراف” أن صلاح كان النجم الأبرز في فوز ليفربول التاريخي باللقب، كما سلطت الضوء على ما فعله المدرب كلوب الذي بكى من الفرح بعدما حقق حلم جماهير ليفربول والتي انتظرت 30 عامًا لتحقيق لقب الدوري الإنجليزي.

صحيفة “ذا صن” اختتمت المدح للفرعون، ووصفته بأنه أحد أهم أعمدة صناعة هذا اللقب التاريخي للريدز، رفقة كلوب وباقي النجوم فان دايك وماني وفيرمينو، أما صحيفة “اندبندنت” فكان عنوانها ليفربول البطل بعد 30 عامًا، بعدما استفاد من سقوط مانشستر سيتي على يد تشيلسي.

وأضافت الصحيفة أن يورجن كلوب المدير الفني لفريق ليفربول قاد فريقه لموسم مثير، بعد توقف المسابقة بسبب فيروس وباء كورونا المستجد ووسط شكوك حول إنهاء الموسم دون تحديد بطل، وكذلك أثنت على دور “صلاح” ورفاقه الكبير في الفوز باللقب.