تعلقت أذهان وقلوب الآلاف من العاملين في المجال “الترفيهي”، من مطربين وموسيقيين ومنظمي الأفراح والحفلات وأصحاب القاعات ومصوري الفوتوغرافيا، والذين أرهقتهم فترة الإغلاق والبطالة، ببيان الحكومة الأخير، والذي أُعلن فيه عن عودة الأنشطة التجارية والاقتصادية والترفيهية من مقاهٍ ومطاعم ودور المسرح والسينما للعمل مرة أخرى بضوابط واشتراطات حددتها خطة للتعايش مع فيروس كورونا، بعد توقف دام أكثر من ثلاثة أشهر ضمن إجراءات اتخذتها الحكومة منتصف مارس الماضي لمنع تفشي فيروس كورونا.
البيان بدا لعشرات الآلاف ممن يعملون في المجال مبهمًا، هل يعتبرون أنشتطهم جزءًا من نشاط الكافيهات والمسارح وبالتالي سوف يستأنفون عملهم، أم لا زالوا يخضعون للإغلاق؟ ما لبث أن جاء الجواب قاسيًا على “صانعي البهجة”، حيث أكد أكثر من مسؤول حكومي في مداخلات ببرامج “توك شو” استمرار إغلاق القاعات والشواطئ وتعليق الحفلات.
يذكر أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أشار إلى أن 73 % من الأسرة انخفض دخلها خلال الشهور الثلاثة الماضية، وأن 50 % من الأسرة اعتمدت على الاقتراض من الغير، و26 % من الأسرة على مساعدات أهل الخير، في حين استفاد 5 % من الأسر من منحة العمالة غير المنتظمة.
محاولة للتنظيم
مع بداية أزمة الإغلاق دُشنت عدة “جروبات” على “فيسبوك” ضمت العاملين بالمجال الترفيهي في محاولة لتنظيم أنفسهم وإيجاد حلول لمشكلاتهم، منها جروب يحمل اسم “كل العاملين بمجال الأفراح والحفلات يطالبون الحكومة بفتح المجال.. احنا تعبنا”، يبلغ أعضائه نحو 10 آلاف عضو يضم موسيقيين ومطربين أعضاء بنقابة المهن الموسيقية، وفنيين وعمال “دي جي” وأعضاء في فرق للفنون الاستعراضية ومصورين فوتوغرافيين وأصحاب شركات تنظيم حفلات وأصحاب قاعات، وغيرهم ممن يرتبط عملهم بهذا القطاع الواسع.
مصدر الدخل
حسام البحراوي، مصمم استعراضات ومدير فرقة استعراضية بسوهاج، يروي لـ”مصر ٣٦٠”. ما وصلوا إليه، يقول: “جلسنا في المنازل منذ شهر مارس بدون عمل، 40 فردًا عدد أعضاء فرقتي معظمهم متزوجون ولديهم أطفال ومنهم من ينفق على والديه أصبحوا بلا مصدر للدخل”.
مدير الفرقة لم يكن أفضل حالًا من أعضاء فرقته فهو يعول أمه، إلى جانب زوجته وبناته الثلاث، ولكي يسد احتياجاتهم واحتياجات أعضاء فرقته اضطر إلى بيع مصاغ زوجته، “ليس هذا فحسب، قمت بعرض جزء من عفش شقتي للبيع” يقول حسام بمرارة.
ويضيف البحراوي: “كنا أول من دعا للحفاظ على التباعد الاجتماعي، ومنع الاختلاط، ساعدنا الحكومة في توعية الناس من خلال بث فيديوهات تحث الناس على المكوث بالمنزل، لا نلوم على الحكومة، لكننا نطالب بمسواتنا بأصحاب المقاهي، وفتح قاعات الأفراح وإلغاء تعليق إقامة الحفلات لكي نعود إلى عملنا”، مشيرًا إلى أنه متعثر في سداد مستحقات مصلحة الضرائب والتأمينات واضطر حتى إلى إنفاق المبلغ الذي كان سيسدد به، ما عليه من مستحقات، ورفضت هيئة التأمينات تقسيط المبلغ وهو الآن أصبح معرضًا للحبس.
ويؤكد مصمم الاستعراضات أن الجميع على استعداد لأي شروط احترازية تفرضها الدولة للحفاظ على التباعد الاجتماعي لضمان سلامة من سيحضرون الحفلات وسلامة الفرق والعاملين، بل هم مستعدون لعمل احتياطات أكثر مما يطلب منهم من أجل العودة للعمل.
أزمة اختصاص
يرى مالك شركة لتنظيم الحفلات وإدارة المشروعات الترفيهية بجنوب الصعيد، فضل عدم ذكر اسمه، أن جزء كبير من أزمة أصحاب الشركات والعاملين في المجال الترفيهي هو عدم وجود كيان محدد يمثل مصالحهم ويستطيع حل مثل هذه الأزمات، شارحًا: “لو أنا صاحب ملهى ليلي هبقى تابع لوزارة السياحة، لو مقهى مثلا تابع للتموين، لكن شركات تنظيم الحفلات والقاعات وملاهي الأطفال وغيره مفيش جهة محدد مسؤولة عنا، مالناش جهة أو هيئه مختصة في الأمور الترفيهية زي السعودية مثلًا، مشكلتنا حاليا مثلًا اننا أوقفنا النشاط وأغلقنا أماكنا مع السينمات والمسارح كأنشطة ترفيهية، دلوقي رئاسة الوزراء شغلت السينمات والمسارح فهل احنا كمان نشتغل معاهم بنفس إجراءاتهم الاحترازية؟ هنفضل معلقين لغاية ما حد يبص علينا”.
ويضيف لـ “مصر 360”: “أملك أيضًا مدينة ملاهي و “اكوا بارك” وهي الأولى من نوعها على مستوى الصعيد، وقوام الشركة والملاهي ٩٠ عاملًا، منذ أكثر من ٣ أشهر لم نعمل والعمال في منازلهم حتى يعود العمل”.
“نعيش منيين”
دفعه عشقه للتصوير إلى الاستقالة من عمله بوزارة الكهرباء والتفرغ لهوايته، أسس “عم صفوت” استوديو خاص به في محل بالإيجار، لكنه اضطر إلى تركة، فعمل مصور أفراح وحفلات على اليخوت النيلية، عائد ليس بالكبير ولكنه كان راضيًا به خاصة بعدما عمل أبنائه وتزوجوا وأصبحوا يعولون أنفسهم.
يضيف صفوت ميخائيل، 65 سنة، مصور فوتوغرافي، لـ “مصر ٣٦٠”: “بقالي ٣ شهور ما اشتغلتش مفيش معاش وسني كبير تقدر تقول لي نعيش منين، رحت أعمل معاش ماوفقوش علشان السكن، قبل الثورة كنت بكسب كويس، وكنت ميسور الحال شقتي دور كامل فاتحه على بعض لما طلبت معاش جم التأمينات شافوا البيت رفضوا، روحت أعمل بطاقة تموين رفضوا علشان لابس كويس الموظفة قالت لي أنت عايز بطاقة تموين! سيبت إيه للغلابة، طيب أعيش منيين!”.
إيجار وأجور
صفوت الشريف، مستأجر لقاعة أفراح بمدينة الزقازيق يقول لـ”مصر ٣٦٠”: “نعاني منذ قرار الإغلاق من انقطاع الدخل، حاولنا الحفاظ علي كل العاملين بالقاعة وصرف رواتبهم بالكامل من إداريين وأفراد الأمن، إضافة لفواتير الكهرباء والمياه ناهيك عن إيجار القاعة ومصروفات بيوتنا، التي أصبحت على وشك الخراب”.
ويضيف الشريف: “التزمنا بقرار إغلاق النشاط منذ شهر مارس وقمنا برد مبالغ كبيرة كانت على شكل عرابين أفراح، قبل تفشي فيروس كورونا، وأصبحنا مطالبين برد العرابين، مما استنزف كل ما لدينا من أموال ولجأنا للقروض لكن لو استمر الوضع سنقوم بتسريح العمال وتسليم القاعة والتي أسستها بتكلفة عالية بعدما أخذتها حق انتفاع لعشر سنوات، لم يمر منها سوى ثلاث سنوات.
يشاركه نفس المشكلة علي أبو علي مستأجر لقاعة مناسبات بمبلغ ٢٠ ألف جنيه شهريًا ومبلغ مماثل له يدفعه شهريًا لأقساط المعدات وأجور لخمسة عمال هم من تبقوا من ٢٠ عاملًا اضطر لتسريحهم.
يقول أبو علي لـ”مصر ٣٦٠”: “وصلنا لمرحلة الصفر احنا بنشحت، مستعدين لأي إجراءات حكومية لضمان سلامة الناس وتقليل الأعداد بس نرجع نشتغل، يعتبرونا زي القهاوي، بالعكس هتبقى إجراءات الأمان عندنا أكبر وهنقدر نحافظ على التباعد الاجتماعي بشكل أفضل “.
طوق نجاة
لم يستطع تامر منير، صاحب مكتب تنظيم حفلات الزواج وديكورات القاعات، أن يدفع سوى شهر واحد أجور لستة عمال يعملون لديه، مضيفًا لـ”مصر ٣٦٠” : “استمرار الغلق سيؤدي إلى الموت البطيء للنشاط، الكثيرون يخرجون من المجال ويبيعون معداتهم، مشيرًا إلى أن المجال المهدد بالانهيار يضم عشرات الآلاف، بداية من منظمي الحفل والفنيين وعمال “الدي جي” والفراشة وشاشات العرض وعمال الديكور وشيف المأكولات الشرقية والغربية، وفرق موسيقية ومطربين ومصوري الفيديو ومصوري الفوتوغرافيا، والكثيرين منهم لا يملكون قوت يومهم، وقرارات فتح النشاط ستكون طوق نجاة لكل هؤلاء”.
نقابة الموسيقيين
وكان نقيب المهن الموسيقية، هاني شاكر، تشاور أكثر من مرة مع لجنة إدارة أزمة كورونا بمجلس الوزراء لبحث إجراءات عودة الموسيقيين لنشاطهم الطبيعي قبل جائحة كورونا.
وقال وكيل النقابة محمد أبو اليزيد، في تصريحات صحفية خلال اليومين الماضيين، إن قرارات الحكومة جاءت غامضة فيما يخص موقف الموسيقيين في خطة التعايش مع كورونا، والتي أُعلنت الثلاثاء الماضي، لكنه عاد وقال إن مسؤولون بلجنة إدارة أزمة كورونا بمجلس الوزراء أكدوا عودة النشاط خلال الأسابيع المقبلة.
استثناء غير عادل
لكن حازم عمر، مطرب، وعضو نقابة المهن الموسيقية، بدا متخوفًا من استمرار غلق القاعات والـ “نايل كلاب” وتعليق الحفلات لفترات أطول، قائلًا: “أجلس في المنزل دون عمل منذ ٤ أشهر، أنفقت خلالها كل ما أملكه من أموال، ولا أعرف ماذا سأفعل لو استمر الوضع هكذا.
ويضيف المطرب السكندري لـ”مصر ٣٦٠”: “عندي طفل ٨ سنين يعني مش هينفع أقوله لا على أي حاجة و كمان واخد على مستوى معين من المعيشة، أنا لغاية الآن مش فاهم احنا قاعدين في البيت ليه، يعني إيه يبقى كل طوائف المجتمع شغالة واحنا لا يعني إيه كل القطاعات تنزل شغلها واحنا لا، ده استثناء غير عادل”. ويستكمل عمر: “لك أن تتخيل أن الصيدلي والبقال والسينما والمسرح والقهوة البلدي والكافيهات والمواصلات، الجميع يعمل، وأنت تجلس لتتفرج عليهم”.
“هادي النبهاني”، عضو نقابة المهن الموسيقية، عازف ترومبيت ومدير فرقة “بيب مارشينج باند”، كان أكثر استغرابًا من قرار استمرار غلق القاعات وتعليق الحفلات، رغم خطة التعايش المُعلنة من قبل الحكومة متسائلًا: “هل الحفل الذي تستطيع ضبط عدد حضوره والمساحات بينهم، مثل المحاكم أو مترو الأنفاق أو المقاهي أو الأسواق والتي لا يمكن ضبط أعداد المتواجدين فيها!”.
ويضيف النبهاني لـ”مصر 360″: تأثير الإغلاق كان مميت انعدم الدخل تماما خلال الأربعة أشهر الماضية، في ظل متطلبات المنزل من مأكل وملبس وإيجار وكهرباء وغاز ومياه، الوضع أصبح صعبًا جدا”.
ويشير عازف الترومبيت، إلى أن فرقته تضم ٣٠ عازفًا إضافة لموظف حسابات، واثنين من العمال لحمل الآلات، غير سائقي الباصات، “كل هؤلاء صاروا بل عمل”.ويذكر النبهاني أن فرقته ”بيب مارشينج باند” والتي تعمل من ضمن نشاطها في الدعاية موسيقيًا للشركات، عملت لشركات كـ”فودافون وأورانج وسامسونج”، وحققت لقب “شرم جوت تالينت” على مستوى 33 دولة ومثلت مصر في مهرجان الطبول.