أسندت ظهرها إلى سور مدرسة الناصرية، مطوحة رأسها في اتجاه طريق “ملف الشرطة”، غفت واقفة لدقائق أو ربما لثوانٍ، لتصحو على صوت صراخ طفلها، متقاطعًا مع صوت آتٍ من الجانب الآخر من الرصيف، “يلا يا شيماء العربية وصلت”، كان صوت زميلتها التي تقف مع العشرات من الفتيات والسيدات، في انتظار مجيء أتوبيس المصنع.

صعدت إلى كرسيها في مؤخرة الأتوبيس، لكنها لم تستطع أن تنام كما تعودت كل يوم في الطريق الذي يستغرق ساعة ونصف حتى مصنع الملابس الذي تعمل به بمدينة السادس من أكتوبر.

تستكمل “شيماء” روايتها لـ “مصر 360”: “كان قلقي يزداد على طفلي إسلام، مع كل متر تقطعه السيارة في اتجاه المصنع، تخيلت أن ما رأيته ليس حلمًا وأن ابني كان يصرخ فعلًا، فكرت أن أتصل بأمي لأطمئن عليه، ولكني خِفت أن أقلقها فالساعة لم تتخطى السادسة والربع صباحًا، وهي مريضة، يكفي أنها تتحمل عبء إسلام الذي لم يتخطى عمره عام ونصف، حتى أعود في السادسة مساءً، أو يأخذه زوجي عندما يصحو قبل مجيئي  بساعة أو اثنتين، حيث يعمل بفرن بلدي طوال الليل ولا يعود إلا في السابعة صباحًا، فينام”.

وتضيف شيماء: “ما ارتحتش غير لما الساعة وصلت 8 واتصلت بأمي، اللي قالتلي إنه صاحي بيلعب وزي الفل وعملت له الرضعة وشرب لحد ما شبع”، مشيرة إلى أن قلقها على طفلها الذي تتركه يوميًا لتذهب لعملها أصبح مضاعفًا مع تفشي فيروس كورونا، فهي تقلق عندما تتركه مع أمها، وتقلق أكثر عندما تعود خوفًا من أن تنقل إليه العدوى وهي لا تدري.

 

خصم وجزاءات

شيماء صاحبة الـ 28 سنة، والتي تقيم في شقة بالإيجار بدرب الطباخين بمدينة الفيوم بالقرب من شقة أمها، مع زوجها وطفلها الصغير، تعمل منذ خمس سنوات بقسم “الخياطة” بمصنع للملابس الجاهزة بالمنطقة الصناعية الثالثة بـ 6 أكتوبر.

تحكي “شيماء” عن بداية عملها في المصنع قائلة: “في البداية كان المشرف فرحان بي علشان شاطرة وملتزمة عمري ما غبت يوم، بعد الجواز والحمل بدأوا يتلككو لى، مع كل مرة أتعب أو أروح للدكتور جزاءات وخصومات من غير سبب، رغم إني عمري ما قصرت في شغلي، كانوا عايزيني أقدم استقالتي بس أنا محتاجة المرتب جوزي يوميته مش بتكفي، عندنا إيجار وكهربا ومية ولبن لإسلام، وأنا كمان اتعودت على الشغل، ومبسوطة إني ليا دخلي المستقل”.

 

اقرأ أيضًا:

“كورونا” والأطفال.. منع التطعيم يتسبب في عشرات الأمراض

 

وترى “شيماء”، أن رغبة الإدارة في التخلص من العاملات الحاضنات أصبح كبير بعد ظهور فيروس كورونا، وتعتقد أن السبب في ذلك خوف أصحاب العمل من إلزامهم من قبل الحكومة بمنح الأمهات إجازات لرعاية أطفالهن إذا ما زادت الإصابات، كما حدث مع موظفات الحكومة.

 

تنصُل من الالتزامات القانونية

وتعاني العاملات في مصر خاصة في القطاع الخاص، في الظروف العادية من التمييز الشديد سواء في الرواتب أو الترقي في الوظائف لصالح الذكور، يبرز هذا بشدة داخل القطاع الصناعي، وحتى في المصانع التي تتميز بأن أغلبها من النساء، يتعرضن لخطر التسريح بمجرد زواجهن وإنجابهن لتتنصل المنشآت الصناعية من التزاماتها القانونية تجاه الحوامل أو الحاضنات للأطفال من إجازة وضع ورضاعة وحقهن في إجازات بنصف الراتب، أو إلزام المنشآت والتي يزيد عدد العاملات الحاضنات بها عن 50 عاملة بتخصيص حضانات للأطفال بداخلها.

 

اقرأ أيضا:

أمهات الثانوية في زمن كورونا.. مخاوف الإصابة تطغى على أحلام التفوق

 

ومع تداعيات أزمة كورونا وزيادة التوقعات عالميًا بخسارة ملايين العمال حول العالم لوظائفهم نتيجة لتداعيات أزمة كورونا، تواجه العاملات في مصر ضغوطًا مضاعفة وتهديدات كبيرة بخسارة وظائفهن.

تهديد بالفصل

دنيا. ع، من حي فيصل بمحافظة الجيزة، 36 سنة، أم لثلاث بنات، والتي تعمل بمصنع لإنتاج المواد الغذائية بمدينة السادس من أكتوبر، تقول لـ”مصر 360″: بعد ظهور فيروس كورونا، جمعهم مدير المصنع، وقال لهم: “الإجازات ممنوعة، وغير مسموح لأحد بالغياب لأي سبب، أي حجة من نوعية ابني تعبان، أو حاسة بأعراض برد مش مقبولة، أي ادعاء بالمرض هيكون جزاؤه الفصل”.

وتذكر “دنيا” أن الإدارة ألغت حافز الإنتاج منذ ثلاثة أشهر بحجة ضعف المبيعات بسبب فيروس كورونا، وأن العاملات سكتن على ذلك خشية تعرضهن للفصل، خاصة وأن الإدارة تسعى عادة لتسريح العاملات المتزوجات واستبدالهن بفتيات صغيرات، وهناك شعور أن هذه الرغبة زادت بعد كورونا”.